من الأمور التي تسيء الينا وتجعلنا من الدول المتخلفة عن ركب الحضارة والديمقراطية اهتمامنا بالمظاهر.. والمبالغة في احاطة المناصب الكبرى وغيرها بهالة من التفخيم والتعظيم.. واغداق الامتيازات على أصحابها.. وللأسف تحولت فجأة شوارع صنعاء الى ثكنات عسكرية والسبب مواكب الوزراء والمشايخ والمسؤولين التي أصبحت موضة فكل مسؤول يمتلك اكثر من سيارة يحتل بها الشارع ويصيب المرور بالشلل من أجل ان يسير وحده.. عشرات الحراس يحيطون به بلا داعي، فلو سار في الشارع وحده ربما لن يعرفه احد، لكن (هوس) الحراسات والمواكب سيطر على المسؤولين والمشايخ الذين أصبحوا يقيسون أهمية الشخص بحجم الموكب الذي يسير فيه وكله من أموال الناس التي تكتفي بالحسرة والدعاء على المسؤولين.. لا يعرفون ان رئيس وزراء النرويج ظل لأكثر من يوم يقود (سيارة أجرة) ويطلع الراكبين بالأجرة.. نحن في اليمن البلد الوحيد الذي اصبحت فيه الحراسات منتشرة للذي يسوى والذي ما يسواش على قول المثل الدارج: (ما حد احسن من احد).. وهؤلاء المصابون بجنون العظمة حكاياتهم حكاية.. فقد كانوا قبل توليهم هذه المناصب يعيشون حياة عادية.. لا فرق بينهم وبين غيرهم من المواطنين.. لا يستطيع احد انكار اهمية عمليات الحراسة التي تتم لتأمين كبار المسؤولين سواء في مواقعهم او أثناء تحركاتهم لكن المسألة تتحول في احيان كثيرة الى مظهرة واستعراض للقوة اكثر منها عملية تأمين، وتعرض المواطنون لانواع عديدة من المشاكل مؤخرا بسبب هذا الاستعراض!!.
واذا نظرنا الى طبيعة المنصب الكبير بتفهم ووعي لوجدنا انه تكليف بالمسؤولية وخدمة عامة وليس مبررا لاغراق صاحبه بالمظاهر والامتيازات التي لا تقتصر على السيارات الفاخرة ولكنها تشمل المكاتب الانيقة المبالغ في قيمة أثاثها هذا الى جانب الحراسة الشخصية في حدود عشرة اشخاص واكثر الواقفين منهم والجالسين على باب صاحب المنصب الكبير.. وما يحدث في البلاد المتحضرة التي سبقتنا بزمن الى الديمقراطية يختلف تماما عما يحدث في بلادنا فأصحاب المناصب الكبرى هناك سواء رؤساء الوزارات السابقة واللاحقة او الوزراء او من في مستواهم لا فرق يذكر بينهم وبين من يتولون المناصب الاخرى وكذا مشايخ البلاد الذين هم الآخرون وجدوا لهم شأنا مع ان غيرهم من المسؤولين في الخارج يسيرون في الشوارع في بلدانهم دون ان يشعر بهم احد ويرتادون المحلات العامة ويستخدمون وسائل الانتقال التي يستخدمها افراد الشعب.
ونتيجة لمبالغتنا في إحاطة المناصب الكبرى بالمظاهر تغير مفهوم ومدلول هذه المناصب من كونها تكليفا بالمسؤولية والخدمة العامة الى وسيلة للحصول ِِِِِِِِِِِِِِعلى الامتيازات والاستمتاع بما تتيحه وتوفره من رفاهية وحياة ميسرة وفشخرة حتى أصبح خروج الوزير أو غيره من شاغلي المناصب الكبرى في بلادنا يعتبر خسارة كبيرة لأفراد أسرته ليس لحرمانه من شرف الخدمة العامة ولكن لحرمانهم من الفشخرة والفخفخة والحراسة (والأبهة) والامتيازات كبدل الجلسات وغيرها التي كانوا يستمعتون بها والمظاهر التي تحيط بها الدولة أصحاب المناصب الكبرى وإلى جانب أنها نوع من التخلف الحضاري والبعد عن روح الديمقراطية وإهدار للمال العام فهي أيضاً تعتبر تحدياً صارخاً لمشاعر المواطنين وتفرقة لا مبرر لها بين الطبقات... وإثارة لغضب دافعي الضرائب من أفراد الشعب وتوليداً للحقد والكراهية في نفوس الفئات الفقيرة.
وطالما ونحن نسعى جميعاً إلى تحقيق عملية الإصلاح بخطى واسعة وثابتة وحتى نصل إلى جوهره علينا أن نتخلص من الإسراف في المظاهر فلن نستطيع أن نبلغ ما ننشده من إصلاح إذا سرنا في وقت واحد في طريقين متعارضين:
طريق الإصلاح وطريق الإسراف.
في الأخير رأيت أن أنهي موضوعي بتقديم نصيحتي لوجه الله انبه فيها هؤلاء أصحاب الأسماء والنزوات الصغيرة و أقول لهم بصوت خافت (همساً): إذا كانت الدولة توفر لكم الحماية فلا تفسدوها بالمظاهر الكاذبة واعلموا أن حراسكم (الجنود) هم جنود قتال والدولة تحتاجهم لتأمين سلامة الوطن ومطاردة اللصوص وقطاع الطرق والقتلة والخارجين على القانون ولم تنفق الكثير على تدريبهم وإعدادهم ليتحولوا في النهاية إلى اداة يتباهى بها المصابون (بجنون العظمة) أصحاب الفشخرة والفخفخة (المحروسون اسم الله عليهم).
لنا كلمة: عن الحراسات الخاصة!!
أخبار متعلقة