وعلّمنا التاريخ أيضاً أن كل سياسي عربي وصفته السلطات الرسمية الأمريكية في خطبها أو بياناتها باسمه «صديق قديم وتاريخي للولايات المتحدة الأمريكية» فقد شعبيته ودعم الجماهير له.
فلنتأمل الحالتين:
في حالة العداء الأمريكي أصبح جمال عبدالناصر وياسر عرفات وكاسترو وجيفارا والخوميني وشارل ديجول وهوجو تشافيز، زعامات تاريخية لأنها انتقدت ووقفت فى وجه سياسات أمريكية.
وفي حالة المديح الأمريكي، فإن شاه إيران، الذي وصف من قِبل الرئيس الأمريكي -حينئذ- جيمي كارتر بأنه الصديق الأقرب لواشنطن، سقط بعدها بأقل من 3 أشهر وغادر طهران بطلب من مبعوث أمريكي خاص أرسله كارتر.
وحينما اغتُيل الزعيم والقائد الرئيس الأسبق أنور السادات بقي سكان القاهرة في منازلهم دون مشاركة شعبية في جنازته بعدما قيل له في واشنطن إن نزولك في مطار «اللد» أثناء زيارتك التاريخية لإسرائيل هو عمل يتساوى فى قيمته مع هبوط أول رائد فضاء أمريكي على سطح القمر!
وقال جورج بوش الأب حينما كان نائباً للرئيس في آخر مأدبة عشاء أقيمت على شرف الرئيس السادات بواشنطن في أغسطس 1981، لو رشحت نفسك يا سيادة الرئيس في انتخابات الرئاسة الأمريكية لفزت دون إعادة وذلك لفرط شعبيتك!
والآن قررت وسائل الإعلام الأمريكية وبعض جهات الإدارة الديمقراطية والمعارضة الجمهورية في واشنطن وضع الفريق أول عبدالفتاح السيسي هدفاً لها بهدف إسقاطه.
وبدأ الحديث عن جرائم ضد الإنسانية ارتكبها نظام الحكم في مصر تحت قيادة السيسي ووصف ما حدث بعد ثورة 30 يونيو بأنه «انقلاب دموي»، بينما وصف القبض على المرشد العام الدكتور «محمد بديع» بأنه انتهاك صارخ لحقوق الإنسان.
والدرس المستفاد أن الزعيم لا يسقط ولا السياسىييفقد مكانته إلا إذا فقد رصيده الشعبي، ويصبح من قبيل الاستحالة أن تقوم دولة أجنبية، حتى لو كانت واشنطن، بإسقاط زعيم أو مسئول يقف خلفه رصيد من الحب والتأييد الشعبي الجارف.
ويبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية لا تعرف أن رصيدها الشعبي في الشارع المصري في أدني حالاته، بل إنه وصل -للأسف- إلى حالة من الكراهة والغضب.
وفى مثل هذه الحالات لا يمكن أن يكون أي كلام صادر عن واشنطن له أي مصداقية في عقول وقلوب المصريين، بل إن الهجوم السافر على «السيسي» قد حوله إلى رجل عسكري وطني محبوب بدلا من زعيم سياسي تاريخي!