كان المعلن من تظاهرات أمس الأول هو تفويض الشعب للجيش بمحاربة الإرهاب والعنف، وإن شئت قل إن شعب مصر أمر جيشه بالحرب على الإرهاب فى كل مكان، لكن ما لا يخفى على أحد هو أن أمس كان برهانًا ساطعًا على ثقة شعب مصر في جيشه، واعترافًا مباشرًا بأنه لا يثق في أي من مؤسسات الدولة بقدر ثقته فى الجيش.. صحيح أن الفريق أول عبدالفتاح السيسي أصبح من أكثر الشخصيات المصرية شهرة في الأيام القليلة الماضية، وصحيح أيضاً أنه أصبح حلاً للعديد من المشاكل التي عانى منها الشعب، وصحيح أنه صار «منقذًا» و«مخلصًا» عند الكثيرين، لكن هذا لا يعني أن حشود أمس وقّعت للفريق السيسي على بياض، أو أنها وضعت ثقتها في «شخص»، بينما الصحيح هو أن الشعب، والسيسي وكل رجاله بمهمة محددة، وأنه وضع ثقته في مؤسسة يحبها لها تاريخ كبير مجيد.
أعرف أن تحديات المرحلة أكبر مما قد يستوعبه الخيال، وأعرف أن مصر ربما تكون مقبلة على أوقات عصيبة تكثر فيها الحيرة، ويعمّ فيها الارتباك، لكنني أعرف أيضاً أن أي إجراء لا يتفق مع روح ثورة يناير سيكون من قبيل العبث لا غير، فيناير هي الشرعية الأولى التي يجب أن تستند إليها أي خطط مستقبلية.. ويناير هي أول التحام حقيقي للمصريين بالشارع.. ويناير هي أول صرخة شقت جدران الصمت، وزلزلت حصون الفساد المستتر.. ويناير هي أول تعانق حقيقي للشعب والجيش بعد فترة غياب دامت لأعوام وأعوام.
أنتظر ما بعد تفويض جيش مصر بمحاربة الإرهاب أن يكون جيشنا عند حسن ظننا، وأن يقدر تكاتف الشعب معه حق تقديره، وأن يسعى جاهدا من أجل توطيد هذا التآلف الأبدي، وأن يثبت للجميع أن تدخل الجيش فى الحياة السياسية لم يكن من أجل مطامع شخصية أو أغراض ضيقة، لكنه كان من أجل هذا البلد الذى كان مختطفًا وأعدناه، وكان مسلوبًا وأرجعناه. ننتظر ما بعد تفويض جيش مصر بمحاربة أعداء مصر، أن يؤسس لدولة مصر الحديثة، وأن يقود قطار نهضة مصر الحقيقية، وأن يصبح درعًا وسيفًا يذودان عن الوطن ضد أعدائه الخارجيين والداخليين، وأن يستلهم مبادئ نهضتى محمد علي، وناصر ليكون راعيًا للاستقلال الوطني، وحاميًا للدولة المصرية الحديثة.