في وصف موضوعي لدواعي الثورة على حكم الاخوان المسلمين يقول الكاتب المصري عبد الحليم قنديل. “قبل إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية، عندما كان واضحا أن مرسي قد فاز بدعم القوى الوطنية خارج تيار اليمين الديني، وضع المتحاورون ما سمي ‘اتفاق فيرمونت’، الذي بدا كأنه اتفاق على كل شيء، من الحكومة الائتلافية إلى صياغة الدستور التوافقي، وإلى القصاص لدم الشهداء، ولكن حين دخل مرسي إلى قصر الرئاسة، لحس كل الوعود، تماما كما تبخرت وعوده الانتخابية للشعب، واكتفي بتعيين عدد من شخوص ‘فيرمونت’ مستشارين، وسرعان ما تركوا الجمل بما حمل بعد إصدار مرسي لإعلانه الدستوري المنكود في 21 تشرين الثاني/نوفمبر 2012، وكانت تلك قاصمة الظهر. وأضاف قائلا:
“كان الإعلان المنكود نهاية لقصة مرسي كرئيس منتخب معترف بشرعيته وطنيا، وتحول من وقتها إلى رئيس لا يعترف بشرعيته سوى أهله وعشيرته، وهم رهط متناقض من جماعة الإخوان وجماعات اليمين المتطرف، وقد تركهم حزب ‘النور’ السلفي بعد اشهر، ولم ينضم إليهم سوى شخصيات ‘بير السلم’ والمؤلفة جيوبهم. فيما زادت نبرة معارضة حزب عبد المنعم أبو الفتوح المنشق عن الإخوان، ووصلت إلى حد المطالبة مبكرا بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة.“
الاستعجال الاخواني على السيطرة على مفاتيح القوة والثروة اوصلهم الى صراع مع الازهر والكنيسة في آن معا، والى صراع مع النقابات العمالية والفلاحية ورجال الاعمال وكبار الملاك في آن معا، كما قادهم الى صراع مع الاتحادات الطلابية والحركات النسوية ورجال الثقافة والفن والاعلام في آن معا، أما قاصمة الظهر الحقيقية فقد كانت في خوضهم صراعا مع القضاء والشرطة والجيش في آن معا.
الموقف الداخلي المصري:
أظهر استطلاع أجراه المركز المصري لبحوث الرأي العام (بصيرة) في نهاية مايو/ أيار الماضي وأعلنت نتائجه قبل أيام، أن التأييد للرئيس محمد مرسي تراجع من 78 % بنهاية المائة يوم الأولى من حكمه إلى 32 % بعد عام من انتخابه، وكان استطلاع سابق أجراه المركز نفسه قد ذكر أن 70 % من بين 2016 تعرف على آرائهم نهاية أبريل/ نيسان الماضي، قالوا إنهم لن يصوتوا للرئيس مرسي بانتخابات جديدة، وأوضح المركز أن 30 % ممن استطلعهم أيدوا انتخاب الرئيس المصري مجددا.
وكشفت نتيجة استطلاع لمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء المصري، أن 35 % من المصريين راضون عن أداء الرئيس مرسي وحكومته مقابل 65% غير راضين.
وقد نجح الاخوان المسلمون ، اذا كان الامر يستحق تسميته نجاحا في توحيد الراي العام المصري ضدهم، من اقصى اليمين الى اقصى اليسار ومابينهما، بما في ذلك التيار السلفي الوهابي والصوفية والازهر والراسمالية المصرية غير الاخوانية.
الموقف السلفي من حكم الاخوان المسلمين انعكاس للصراع السعودي القطري ومن المتوقع ان يلقى نظام ما بعد مرسي دعما كبيرا من المملكة العربية السعودية ودولة الامارات العربية والكويت، على اعتبار ان تفاقم شأن الاخوان المسلمين وترسخ سيطرتهم حيث هم الآن، في تونس وليبيا ومصر واليمن اضافة الى السودان، يشكل تهديدا للسعودية ودول الخليج.
اما بقية الانظمة العربية فسيكون من دواعي سعادتها سقوط حكم الاخوان المسلمين الذي يهدد كلا منها عبر تحركات داخلية سياسية وجهادية ارهابية، تحركها جماعة الاخوان المسلمين وتنظيمه الدولي.
من جهة اخرى سيؤدي سقوط حكم الاخوان في مصر الى انحسار كبير للهجمات المهددة لكل من سوريا وحزب الله وايران والتي يلعب فيها الاخوان المسلمون دورا محوريا.
ولذلك فانه من المرجح أن نظام ما بعد مرسي سيلقى ترحيبا وتاييدا واسع النطاق لدى معظم الدول العربية والاسلامية.
الموقف الدولي:
سيشكل سقوط حكم الاخوان المسلمين نكسة لمخطط الشرق الاوسط الكبير الامريكي، الذي يهدف الى تصفية القضية الفلسطينية وضمان تبعية دول المنطقة للولايات المتحدة، والقضاء على كل ما من شأنه تهديد أمن اسرائيل أو وجودها، ولذلك فقد هدد الكونجرس الامريكي بحجب المساعدات الامريكية عن الجيش المصري اذا شارك في الانقلاب على الرئيس المنتخب. لكن هذا التهديد يبقى تهديدا فارغا ليس الا، فالاتحاد الروسي متأهب تماما لاقتناص فرصة الحلول محل الولايات المتحدة الامريكية واستعادة امجاد علاقته بالجيش المصري والنظام المصري، وهي علاقات لا بد وستعود بشكل ما وبرغبة مصرية، في مرحلة ما بعد مرسي لايجاد نوع من التوازن .
أما فيما يتعلق ببقية الدول فان المشاركة المبهرة للشعب المصري في المظاهرات بتلك الاعداد الهائلة اكثر من كافية للاقتناع بشرعية نظام ما بعد مرسي كنتيجية منطقية لثورة 30 يونيو.
الخلاصة:
ممانعة الاخوان المسلمين للاعتراف بما تمثله ثورة 30 يونيو مفهومة، على اعتبار ان التسليم بنتائجها يعني تهديدا وجوديا للتنظيم الدولي للاخوان المسلمين باكمله. التهديدات التي يطلقها بعض رموز الاخوان وحلفا ؤهم الجهاديون بحرق مصر والاستشهاد دفاعا عن الشرعية ليست الا تهديدات يائسة. فلدى الدولة المصرية خبرة كبيرة في التعامل مع الارهاب الجهادي كما انها تحتفظ بمعلومات وكوادر قادرة على القضاء على بوادر اي محاولة لتنفيذ التهديدات بتأييد كاسح من الشعب المصري.
محاولات الترهيب والترويع ستكون بمثابة انتحار مادي وسياسي لحركة الاخوان المسلمين.
لا الجيش ولا الشرطة المصرية، ولا القوى السياسية المعارضة للاخوان، ولا القوى الاجتماعية المختلفة، قادرة على التراجع الذي سيهدد مستقبلها ومستقبل البلاد بأخطار جسيمة. ولذلك فان من المرجح ان المصريين سيطوون صفحة الاخوان اليوم.
لابد ان الشعب المصري سيختار من الآن وصاعدا للمناصب العامة الكبرى أشخاصا يثق يهم ولا يفرضون عليه، و يتصفون بالاستقلالية و لا يكونون قادة او تابعين لاي تيارات سياسية او طائفية شمولية، ويملكون العلم و الخبرة لاعادة بناء المؤسسات بحيث لا تسيطر عليها مجموعة معينة او حاكم، ووضع دستور اساسه العدل والمساواة بين كل افراد الشعب.
الاحزاب الاسلامية شأنها شأن الاحزاب الشمولية فاشية ونازية قومية وشيوعية جميعها مسنتسخة من النموذ ج اللينيني الذي بنى الحزب في ظل القمع البوليسي ليكون منظمة انقلابية بنيتها اشبه ما تكون ببنية عصابات المافيا. تراتبية حديدية وطاعة مطلقة لانقاش فيها، أوفي احسن الاحوال “نفذ ثم ناقش”.
والاحزاب الشمولية ببنيتها هذه ابعد ما تكون عن الايمان بالديمقراطية ، وهي ان شاركت في العملية الديمقراطية تهدف الى اتخاذها سلما، قليل التكلفة، الى السلطة. وما ان تصل اليها حتى تعمل على تحطيم السلم، باساليب ادارية واخرى ظاهرها الدستور والقانون وباطنها التعسف والغلبة، كي لا يصل غيرها الى ما وصلت اليه.
وأثناء حكم الاحزاب الشمولية يكون أكبر همها ابتلاع الدولة بحيث تسيطر على مفاصلها ومن ثم على مفاصل الثروة والقوة في البلاد، فيجب التنبه الى هذا الخطر وعدم السماح به وله .