وطوال الجلسة انشغلت في تأمل كلامه وقراءة صفحة وجهه علّي أعثر على علامة تثبت انتماءه إلى فصيلة المشايخ ولكن عبثاً .
وفي لقاء آخر رحت أصغي بتركيز إلى حديثه، متفحصاً أقواله ، ومتعقباً كلماته بحثاً عن دليل يثبت لي بأنه واحد من مشايخ هذا الزمان «المكوِّرين» الذين قال عنهم حكيم اليمن علي ولد زايد :
( الشيخ لو شاف تبَّه
قفز عليها وكوَّر
وقال هذي نصيبي
وشخّ فيها وسوَّر)
وعندما تأكد لي خلو الشيخ ياسر العواضي من خصال وصفات وعاهات مشايخنا «المُكوِّرين» المُورِّمين، المنتفخين ، المتعجرفين، والممتلئين بغاز النخيط.. تملّكني إحساس بالغضب وشعور بالقهر ،وقلت متسائلاً في نفسي: على أي أساس تم اختيار هذا الشيخ شيخاً ؟ كيف حاز على مرتبة وشهادة ولقب شيخ وهو لم يقتل ، ولم يقطع لا طريقاً ولا شارعاً ، ولا حتى زقاقاً؟ فضلاً عن أنه يجهل ألف باء النخيط.
وفي منزل الصديق مصطفي نعمان سفير اليمن في الهند - حينها - كان لنا معه جلسة طويلة تخللها نقاش وحوار وأشعار .ومثل الباب حين ينفتح انفتح الشيخ ياسر وظهر في أبهى حالاته وأكثرها ثراءً.
وكان حضوره قوياً ومدهشاً ،عفوياً وتلقائياً ، وعلى سطح وجهه ، وسطوح أشعاره وزوامله وحكاياته.. تجلّت الشهامة ، الشموخ ، الرجولة ، الفروسية، الشجاعة، الكرم ، الأنفة، الكبرياء ونُبل الخلق..وتأكد لي يومها بأن الشيخ ياسر العواضي ليس شيخاً، وإنما هو إنسان.
يومها قرأ علينا قصائد وزوامل وحكى لنا حكاياتٍ لكن قصيدته: أنا عواضي المغنّاة كانت أكثر من رائعة.. لقد رافقتني في رحلتي إلى جنة الله في الأرض - كشمير- وبدت لي هناك-وأنا اسمعها- أكثر عُلواً من أعلى قمم الهملايا.
ومن المفارقات أنني - وأنا في تلك الجنة - كنت كلما سمعت أغنية - أنا عواضي - يعصف بي حنين باتجاه الصحراء ، وأتمنى لو أنني عواضي من قبيلة الشاعر نفسها.
قبل أيام عندما قرأت خبراً يقول بأن مرافقي الشيخ ياسر العواضي قتلوا شابين عدنيين بدمٍ بارد صُدِمتُ وصُعِقتُ غير أنني سرعان ما انتبهت وتنبّهت وقلت محدثاً نفسي : الشيخ ياسر العواضي مش هو شيخ حتى يقتل ، مش هو شيخ حتى يقطع الطريق، مش هو شيخ حتى ... ولكنه إنسان.
وذلك ما تأكد وتوضح في المقابلة التي أجرتها معه قناة (اليمن اليوم) ، فعندما قال له الشخص الذي أجرى معه المقابلة :مرحباً بك أستاذ ياسر ..أسهل لي أن أقول يا شيخ ياسر.
رد ياسر عليه قائلاً : لا أنا ما عاد أحبش هذا مصطلح الشيخ وما أحب أكررها أكثر من مرة.