مما لا شك فيه ان هذا التقدم او الانجازات العسكرية المتسارعة التي يحققها الجيش السوري في كافة المحافظات و المدن السورية اليوم هو الابرز و قد لوحظ بشكل واضح منذ اسبوع من اليوم. الا ان هذا لا يعني ان الجيش السوري لم يكن يحرز بالايام و الاشهر الماضية تقدما و يمني المسلحين هزائم منعتهم من السيطرة الكاملة على مناطق في غير محافظة ابرزها حلب و حمص و افشال محاولات كثيرة لدخول دمشق .
ما يجرى اليوم يؤكد ان الخطط العسكرية التي اتبعها الجيش السوري عبر تطويق المسلحين تدريجيا و استنزافهم ما ادى لاستعمال كامل اوراقهم ادى الى النتيجة الحاسمة التي توصل اليها الجيش السوري في ايام قليلة .
فما هي الاسباب التي كانت تحول دون المباشرة بهذا الحسم السريع و المباغت منذ اولى ايام الازمة و هل انتظر الجيش السوري الدخول بالسنة الثالثة من عمر الازمة ليباشر بالحسم و القضاء على المسلحين؟
لا شك ان هناك ظروف و عوامل اساسية منها ما يتعلق بالمعارضة و الخارج و الداخل تراكمت منذ الازمة السورية لتنضج الان ادت الى هذا التغيير المفاجئ بالميدان و بتحرك الجـيش السوري منها :
اولا : تحقق التلاقي بين رؤية الاغلبية الشعبية السورية و بين الدولة من ناحية رؤية الطرفين للازمة او الحراك بمراحله منذ بداياته حتى اليوم اي ان الحراك منذ ايامه الاولى ادى الى ازمة ايقن السوري انها ليست ازمة اصلاح ولا هي سلمية وان اسرائيل والغرب وبعض العرب وتركيا حاضرون في الازمة وان القاعدة موجودة وتقود العمل المسلح بنفسها و عبر ما تم تشكيله من مجموعات متطرفة و ما عرف منها بجبهة النصرة وكانت خطة الجيش إنتظار تحقق هذا التلاقي الشعبي والسياسي للبدء بخطتها الشاملة مستندة إلى بيئة حاضنة مؤمنة أن لا خلاص لسوريا ولا فرص للحل السياسي دون الحسم العسكري .
ثانيا : ترك الحلف الذي يقود الحرب خارجيا يكتشف أوهامه حول فرص إسقاط سوريا على طريقة ما سبقها من دول الربيع العربي وإستدراج قواه لتكشف الاوراق المخفية التي كانت تمتلكها وكانت تلوح باستخدامها حتى استهلكت ولم يعد هناك باب للاستنزاف فكل مرة كانوا يكشفون ورقة كان افشالها الهدف والجيش السوري كان يصد ويحدد مهمته بالافشال، وليس الحسم الشامل، بدءا من الرهان على إسقاط سوريا افتراضيا بالإعلام وإشغال الساحات إلى الرهان على سرقة منطقة كمنصة للتدخل تصبح بنغازي – سوريا وصولا إلى أوهام التدخل العسكري الخارجي والمناطق العازلة اولمناطق الآمنة وسواها والرهانات على الإنشقاقات العسكرية والسياسية و إنتهاء بالرهان على الحرب الأهلية ، وبعدما أستنفد المشروع الخارجي كل ما لديه من إمكانات وكل الخيارات والرهانات وبات مستنفد القدرات والبدائل ظهر الجيش السوري بقوته وخططه.
ثالثا : ادركت الدول الداعمة للمعارضة انها تدعم مشروعا غير واعد و انها فشلت فيه و اصبح عبئا ماديا و معنويا عليها بعدما اقتنعت بعد مشاهدتها الواقع الميداني ان الجيش السوري المدرب و صاحب العقيدة القتالية الوطنية و المجهز و المؤلف من عديد و اعتدة ضخمة لحروب اقليمية طويلة هو جيش صعب التفكك و الهزيمة و قد تتطلب هزيمته او استنزافه سنوات طوال او معجزة تقلب المعادلات فبات حرجا داخليا لكل دولة شاركت في الرهان على هزيمته بينما بدا واضحا أن الخصم الذي يستثمر على الحرب المفتوحة ضد سوريا هي القاعدة ومتفرعاتها التي بدأ الغرب يكتشف خطورة العبث في تنميتها دون أن يربح السيطرة على سوريا وأن سقف ما سيحصل عليه هو مشهد مزدوج فيه النظام من جهة والقاعدة من جهة أخرى .
خامسا : ابتكر الجيش السوري و طور طرق عمل تتناسب مع القتال الداخلي واستخبارات تتناسب معها طوال فترة الازمة وهو الجيش الذي كان معدا ومدربا لحرب نظامية مع جيوش مقابلة خصوصا الجيش الإسرائيلي تمرس خلال سنتين بدراسة طبيعة الحرب التي يستخدمها ضده المسلحون المدعومون عبر الحدود والمستندون إلى أساليب القاعدة في القتال فكان لا بد من إعادة تنظيم خرائط الإنتشار العسكرية للقوات والأسلحة ولا بد من تدريب الوحدات المقاتلة على أنماط جديدة من الحرب في المدن والشوارع والقرى والإبتعاد عن تدفيع المدنيين كلفة الحرب وصولا إلى تنظيم أشكال من الاختراقات للمجموعات المسلحة وأنماط من العمل الاستخباري تتناسب مع طبيعة هذه الحرب .
يتضح اليوم ان المسلحين و الدول الداعمة لهم قد وصلوا الى نهاية مناوراتهم ما سمح للجيش السوري بزج قوته الهادئة الى ارض الميدان لتكون الحاسمة اليوم و اتضح ايضا ان التمويل والتسليح قد اثبت انه استهلك لاقصى الحدود واصحابه اقتنعوا بذلك فاستخدام او استحضار مقاتل بالف دولار او المقاتل نفسه بعشرة الاف لا يغير بالمعادلة شيئاً امام الجيش السوري الذي يبدو اليوم في اوج حيويته بينما جفت منابع الإمداد البشري للمزيد من المقاتلين على الضفة المقابلة فلا ما تبقى قادر على القتال والدم الجديد توقف .
وكما البشر السلاح فسلاح الجيش السوري لم يكن يستخدم لان ليس وقته و لا ظرفه حسب التكتيك العسكري و الخطط الميدانية في المواجهة و ها هو يجد الوقت المناسب ليظهر بفاعلية تؤكدها النتائج الحاسمة في أكثر من منطقة .