ألف باء الديمقراطية، أن تكون هناك معارضة، وألف باء الديمقراطية، أنه ليس من بين وظائف القوى المعارضة تجميل صورة الحاكم الفاشل المستبد، كما أنه ليس من بين وظائف السلطة أن تحدد للمعارضة ما الذي يجب أن تعارضه، ولا أن تلقي عليها دروسا حمقاء في النقد البناء والنقد الهدام، وظيفة المعارضة في كل بلدان العالم الديمقراطية أن تعارض ما تشاء، و«تطلع القطط الفاطسة» في سياسات السلطة، التي يعود إليها وحدها فضل ما تحققه من إنجازات، وتتحمل وحدها دون غيرها مسئولية ما تزرعه من فشل.
في كل دول العالم التي تعرف الديمقراطية واقعا ملموسا وأسلوبا للحياة على الأرض، وليس مجرد شعارات جوفاء بلا مضمون، لم يحدث أن أثبت الحكم فشلا في مجال ما، فاستقال رئيس الحزب المعارض، بدعوى أنه يثير الناس ويشوه إنجازات السلطة، بل العكس هو الصحيح تماما، فما أن تقع -مثلا- حادثة قطار حتى يسارع وزير النقل بالاستقالة قبل أن يطالبه أحد بذلك.
وحدها مصر بين دول العالم تنفرد بهذا المنطق الإخوانى الأغرب في التاريخ السياسي، وتاريخ نظم الحكم، منطق المستبد الفاشل، حيث لا يكف قادة ورموز الجماعة الخارجة على القانون، عن تحميل قوى المعارضة مسئولية فشلهم الذريع في حكم البلاد.
وفق هذا المنطق الإخواني - منطق المستبد الفاشل - يصبح مطلوبا من حمدين صباحي أن يستقيل من العمل العام «ويروح يقعد في بيتهم»، لأن وزارة الداخلية لم تزل عاجزة عن فرض الأمن، وتوفير الأمان للناس، ويعتذر محمد البرادعى للشعب «ويروح يستمتع باللعب مع أحفاده»، لأن وزارة البترول عجزت عن توفير السولار والبنزين، ويكتفي عبد الغفار شكر بما قدمه حتى الآن، ويذهب ليستريح في بيته، لأن الحكومة غير قادرة على توفير أكثر من ثلاثة أرغفة لكل مواطن، وبالتبعية ووفق نفس منطق المستبد الفاشل، فإنه يتعين على جبهة الإنقاذ أن تعتذر للشعب المصري، وتحل نفسها، وربما عليها أيضا أن تتقدم ببلاغات ضد نفسها، بعدما ثبت أن مشروع
نهضة خيرت الشاطر لا يختلف كثيرا ولا قليلا عن فنكوش عادل إمام في فيلمه الشهير.
هذه هي الغوغائية الإخوانية بعينها، التي تحاول إخفاء فشل الحكم، أو تبريره، بما تقوم به المعارضة، وقد أصبحت ورقة محروقة من كثرة استعمالها، ولم تعد تنطلي على أحد.
«من المفارقات المضحكة المبكية هنا الادعاء، بأن المعارضة تعمل على تشويه «الإنجازات» رغم أن أيا منهم لا يستطيع أن يذكر لنا إنجاز واحد حققته سلطة مكتب الإرشاد على مدى تسعة شهور، ولسان حالي شخصيا يقول طب اعملوا إنجازاً واحداً علشان نعرف نشوهه».
مكتب الإرشاد عجز عن حكم البلاد، لأنه فاشل، ليس لديه أي برنامج، أو حتى مجرد رؤية لحل مشاكل وأزمات الوطن، بل تبين باعتراف قادته ورموزه أنه لم يكن لديهم أدنى تصور عن حجم وأبعاد ما تعانيه مصر من مشاكل، وما تحتاجه من حلول، ربما يكون خيرت الشاطر ناجحا في إدارة سلسلة من المطاعم، أو متميزا في تنظيم معارض للسلع المعمرة، أو بارعا كما يتردد في تنظيم وإدارة كتائب الإخوان الإلكترونية، لكنه بالقطع لا يعرف شيئا عن كيفية حكم بلد.
لقد ظلت الجماعة الخارجة على القانون تقاتل سنوات طويلة، من أجل شعار «الإسلام هو الحل»، ورغم أن بديهيات العمل السياسي تقول إن أي شعار هو بالضرورة عنوان لبرنامج، إلا أنه ما إن وصل الإخوان إلى السلطة حتى تبين للكافة أن شعارهم بلا مضمون، ولم يعد بوسع أي منهم أن يقول لنا ما هو هذا «الحل»، الذي بشرونا به في شعارهم الشهير، لكل - أو حتى بعض مشاكل مصر، من بطالة وتعليم وصناعة وزراعة وصحة، ولم نر منهم سوى جولات محمد مرسي في مختلف بلدان العالم لطلب المساعدات.
الإخوان سجلوا فشلا ذريعا في حكم البلاد لأنهم فشلة، وليس لأن الناس تتظاهر في الشوارع، فالمظاهرات والاعتصامات والإضرابات هي نتيجة للفشل وليست سببا له، ومآلهم لن يختلف كثيرا عن مآل كل الطغاة الديكتاتوريين الفاشلين.