مع نجاح مسلسل «الجماعة» للمؤلف وحيد حامد، والمخرج محمد ياسين، أبدى تنظيم الإخوان امتعاضه، وأعلن التنظيم عن عمل فنى ضخم، يقارع فيه بالحجة ما سماه مغالطات المسلسل، وقع فى يدي سيناريو شركة فنية تابعة للجماعة، وكان المشهد الأول فيه للطفل حسن البنا، وهو ينام على سرير بغرفة أبويه بالمحمودية، ثم يهم ثعبان ضخم بلدغ الرضيع لكن شيئاً ما يصرف الثعبان عن مهمته. ويبقى حسن البنا ليؤسس «الجماعة الربانية» كما يحلو لأعضائها أن يسموها.
وفى مذكرات القيادية الإخوانية زينب الغزالى (أيام من حياتى) تقول إن سلطات السجن الحربي الناصرية أدخلت عليها كلاباً جائعة لتنهش لحمها، فأغمضت عينيها من الفزع، وبعد لحظات مرعبة تبين لها أن نهش الكلاب لم يمزق ثيابها أو يأكل جسدها أو يدميها.
وفى كتابه «آيات الرحمن فى جهاد الأفغان» قال قائد الأفغان العرب عبدالله عزام إن «الأفاعي والحيّات والعقارب كانت تقاتل إلى جانب «المجاهدين» عن طريق لدغ الضباط والجنود الروس بسمّها القاتل، بينما اختارت العصافير والطيور أدواراً أخرى فكانت تدخل فى محركات الطائرات لتسقطها قبل أن تدك مواقع الأفغان».
ما العلاقة بين المواقف الثلاثة؟
خيط رفيع يقول إن الإسلامجية «أسرى لروايات التاريخ وأعداء لعلم التاريخ»، فالرواية فى تراث هؤلاء تظل رواية، غير عرضة للتمحيص وقواعد العلم الصارمة، لا تدعمها وثائق أو إعمال لمنهج تاريخى يفند روايات الشهود ويحققها، (حتى من منطلق تراثى عندما حرص الآباء على صرامة علم الجرح والتعديل فى نقل روايات الحديث).
تتناقل الروايات وتدخل مناهج التربية فى الجماعات الدينية المغلقة، وهنا يصبح من الطبيعي أن يصيح إخواني وصل إلى رئاسة مصر، فى خطاب النصر: «الستينات وما أدراك مع الستينات»!
أو يصيح جهادي بمنتهى البجاحة التاريخية ليهدد من يطالبون بإسقاط مرسي: «لن نسمح. لقد أسقطنا قوتين عظميين فى أفغانستان»... «طب بأمارة إيه أسقطتم القوتين؟! هو كده وخلاص!!».
*******
هل يعادي الإسلامجية علم التاريخ؟
نعم. والصور عديدة، لن تجد باحثاً إسلامجياً (أى محسوباً على مشروع الإسلام السياسي) يتناول فترة الفتنة الكبرى علمياً، وسيكتفي الدعاة منهم بأنها (فتنة) سببها مشركون ويهود، أشاعوا الضغينة بين الصحابة، فلن تجد من يجرؤ على تقييم فترة خلافة عثمان بن عفان علمياً وبيان أوجه القصور السياسى فيها.
لن تجد من يضع الإمبراطورية العثمانية تحت مجهر البحث، وهل هرمت الإمبراطورية تحت وطأة انتهاك حقوق البشر، ومؤامرات الحكم أم هناك أسباب عملية أخرى؟.. ستجد من يستغرق فقط فى البكاء على «مؤامرة أتاتورك للقضاء على الإسلام».
فقط ستجد من يزور الوثائق، ليختفي كلام الراحل مأمون الهضيبي من مناظرة معرض الكتاب الشهيرة مع أنصار التيار المدني بداية التسعينات: «كنا نتقرب إلى الله باغتيالات التنظيم الخاص».
ستجد «طنطنة» يرددها «جانجاويد» الإخوان.. «أبوإسماعيل» يقسم فيها أن «مرسي» وصل للحكم رغماً عن أمريكا. بينما تظهر وثائق «ويكيليكس» لقاءات قديمة ودورية بين الجماعة والأمريكان، وتصرخ صفحات رسمية وغير رسمية بتفاهمات غير مسبوقة بين الجماعة والبيت الأبيض.
علم التاريخ يذكر الإسلامجية بصفقاتهم وتمويلاتهم، ويهدم مشروعهم، يقول لهم إن شركة قناة السويس المملوكة للإنجليز كانت المنحة الأولى لإنشاء الإخوان، يقول لهم إنكم وقفتم مع إسماعيل صدقى ضد الشعب.
يقول لهم إن الأساطير مكانها الحواديت، وليس أروقة الحكم.