ولكن العقلية ذاتها التي تسببت في كثير من المظالم التي عانى منها الوطن والمواطنون قبل الوحدة عادت لتمارس عنفها وفسادها وتعبث بالدستور وتتجاوز القوانين النافذة وتفتعل المشكلات والازمات لتنتعش فقط مصالحها الذاتية والآنية على حساب النظام والقانون والوحدة والديمقراطية والمستقبل، فتنازع شركاء الحكم الذين كنا نظن أنهم وحدويون، وتبين أنهم فروا إلى الوحدة ليحموا أنفسهم من المتغيرات الدولية ورياح التغيير التي عصفت بكثير من بلدان العام في مطلع تسعينات القرن الماضي لأنهم ظهروا واثبتوا عدم صدقهم في الوحدة إلى درجة أنهم لم يضحوا من أجل الوحدة بشيء من مصالحهم التي اكتسبوها بفضل مواقعهم التنفيذية في الدولة بصورة مباشرة وغير مباشرة بدليل أنهم تصارعوا منذ الوهلة الأولى من تحقيق الوحدة وقيام الجمهورية من خلال جملة من السياسات المرفوضة شعبياً ودستورياً ووطنياًً ممثلة بالمحاصصة والتقاسم والتوازن والاثراء غير المشروع والنهب المنظم واستغلال الوظيفة العامة والنفوذ واللجوء للمناطقية والقبلية والحزبية والاستقواء بالخارج وتشويه الآخر والجمع بين الوظيفة العامة وممارسة الأعمال التجارية وخرق الدستور وتجاوز النظم والقوانين النافذة وافتعال الاختلالات والتضليل والتهديد و.. الخ! وهكذا حتى إشعال فتيل حرب أهلية فيما بينهم في صيف عام 1994م ورفع خلالها شعار الانفصال والعودة بالوطن اليمني الواحد إلى ماقبل وحدته، بل كادت تعيده إلى ما قبل الثورة اليمنية الخالدة سبتمبر وأكتوبر ونوفمبر فوقف الشعب إلى جانب الجيش الباسل في دفاعه المستميت من أجل المحافظة على الوحدة لأنها صارت تمثل إرادة كل اليمنيين وهويتهم الوطنية وأعظم مكسب حققه الشعب اليمني العظيم في تاريخ نضاله الإنساني الوطني الطويل والمرير ولم يعد بامكانه التفريط به مهما كانت الأسباب والمعاناة، فالوحدة قدر ومصير الوطن والمواطن معاً حاضراً ومستقبلا.
ً إلا أن الطرف المنتصر في قيادة البلاد والعباد لم يع جيداً مثل هذا الوضع وهذه الحقيقة، بل أصابه الغرور فتوسع بمصالحه ومصاهراته وعلاقاته وهيمنته و.. الخ!، وكل ذلك على حساب هيبة الدولة وخزينتها العامة ووحدة أبنائها الوطنية وأمن واستقرار الوطن والمواطن معاً فتراجعت الخدمة العامة وانتشر الفساد الأخلاقي والسياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والعسكري وغيره، ودخلت البلاد نفقاً مظلماً!! ونكران ذلك عبط واستغفال وحماقة، لولا احتجاجات شباب التغيير السلمي بصدورهم العارية وحناجرهم الهاتفة وصدق إيمانهم بالتغيير الايجابي والشامل والهادف إسقاط النظام الفاسد والمدانة سياساته وأساليبه والكثير من المستفيدين منه بصورة غير مشروعة أدبياً وأخلاقياً وقانونياً ودستورياً ووطنياً وكذا مواصلة النضال لبناء الدولة اليمنية الحديثة والمتطورة على أسس وحدودية وديمقراطية وتنموية وقانونية عادلة وإعادة الحقوق المنهوبة للدولة والمواطنين وإطلاق الحريات وحمايتها دستورياً وقانونياً ودعم الحوار الوطني فكراً وسلوكاً وتصحيح الأوضاع المقلوبة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية والعسكرية و..الخ، وهذا بإيجاز ما يهدف إليه من وراء الحوار الوطني العام والمزمع انعقاده في الـ 18 من مارس القادم 2013م ليتمكن شعبنا اليمني العظيم بكافة قواه الوطنية الفاعلة العديدة والمختلفة من شخصيات وطنية وتنظيمات سياسية وحركات شعبية و..الخ من النهوض باليمن الجديد.
وحتى ذلكم الوقت ندعو الله سبحانه وتعالى أن يوفق جميع المشاركين في الحوار الوطني العام إلى تغليب المصلحة الوطنية العليا للوطن والمواطن ومكاسبهما الحقيقية والعادلة الثورية الوحدوية الجمهورية الديمقراطية التنموية الشاملة، والتصدي بوعي وطني حر وشفاف موضوعي وقانوني لتحديد وتصحيح المفاهيم المقلوبة والسلوكيات الخاطئة والسياسات المسطحة والمظالم المتنوعة التي كادت تصيب مجتمعنا اليمني في مقتل لولا يقظة الشباب اليمني الغيور السباقة وتضحياتهم الجسيمة وإحداثهم التغيير الإيجابي والمنشود بسلمية.
عاشت ثورة الاحتجاجات السلمية وعاش شبابها الثائر طليعة شعبنا اليمني المناضل ورحم الله شهداء اليمن كل اليمن الغيورين على وطنهم وحدة وحرية وعدالة اجتماعية.