ولكنك لا تستطيع أن تقدم لهؤلاء المتقاعدين شيئاً سوى التعاطف والبكاء لحالتهم عندما يقول لك أحدهم بأن راتبه الشهري بعد تقاعده لا يتجاوز المائة دولار وهو يعول أسرة فهل هذا الراتب يغطي مصاريف المعيشة والماء والكهرباء والداء والمجاري ولو فكر أن ينفق من هذا الراتب الزهيد على مصاريف دراسية لأحد أبنائه لما أكل أو شرب وقد خدم الدولة كجندي مجهول نصف عمره ولم يقدر أحد جهوده هذه في نهاية عمره إلا بهذا الراتب البسيط الذي لا يتناسب مع القيمة الشرائية المرتفعة للأشياء الضرورية فما بالك بغيرها.
فلم يتبق أمام رب الأسرة المتقاعد إلا رفع كف الضراعة إلى الخالق والرازق طالباً منه العون والمساعدة والرحمة والشفقة وأن ينقذه من الوحوش الآدمية التي لم ترحمه وأهملته وهمشته وتجاهلته وأوصلته إلى هذه الحالة المهينة لكرامته وآدميته هذا بالنسبة للمتقاعد فما بالك بكثير من الشباب والأفراد والأسر والعائلات التي أغلب أفرادها بلا عمل في مجتمعنا الكبير العريض.
وقد جاءت الأزمة وفاقمت الأوضاع وتذمر الناس وكادوا أن يقولوا متى يحل الفرج ويأتي العون وأصبح بعض الناس لا يهمه ما يعانيه الآخرون ولا يهمه شيء في حيه ومديريته ومدينته من نظافة أو أمن أواستقرار وحب وئام وسلام اجتماعي ولا يهمه مشاعر الآخرين وكأننا في يوم القيامة حين يقول الإنسان نفسي نفسي ومع ذلك كله نقول بأن الدنيا بخير ولكننا نحتاج إلى مزيد من العمل على تهدئة الأمور والأوضاع وأن يكون لدينا أمل وعدم يأس وإحباط وقنوط .
ونحتاج إلى تقوية الإيمان وأن نعيد الثقة بأنفسنا ونحتاج إلى مجاهدة الأنفس الشح وأن نتراحم فيما بيننا وأن ننبذ العنف والكراهية والغل والحسد لبعضنا البعض ونقول لمسؤولينا كونوا عند مستوى المسؤولية التي منحتموها وأعملوا بأمانة للوطن والمواطن حتى تحظوا باحترام الجميع وأن تكون لديكم إرادة قوية للعمل على ما من شأنه تحسين أوضاع الناس وجبر خواطرهم وقلوبهم المنكسرة والعمل على إعادة البسمة إلى أفواه اليائسين والمحبطين منهم خاصة الذين كفروا بالشعارات الزائفة والوعود الكاذبة وذر الرماد في العيون... لقد طفح الكيل عند كثير من الناس ولن تستطيع أي قوة أن تردهم إذا خرجوا إلى الشارع محتجين على الأوضاع المتردية والمأزومة وسيشاهدهم العالم ويتعاطف معهم ويوجه اللوم على من يتحكم بأمورهم وأرزاقهم وأحوالهم المعيشية .
وإذا حدث وقابلت أحدهم وجدته يشتكي من أوضاع وأحوال واقعه المؤلم الذي حل بالناس جميعاً ويتذكر ويحن إلى زمن قديم قد ذهب وراح كان فيه شفقة ورحمة ومحبة وتآلف ورفق وكان الناس كانوا أسرة واحدة لا شقاقا بينهم ولا عداوة ولا تفرق ولا تمزق ولا نفاق أو حقد وحسد ولا هذا من مطلع ولا هذا من منزل أو فوق وتحت أما هذا الزمان الراهن فكأن القيم قد ضعفت والمبادئ اختفت أو لم تعد ذات جدوى في حياة الناس .
مع أننا قد دخلنا عهداً جديداً وعصراً جديد يتلك من الجميع أن يتفاءلوا به خيراً وأن ينظروا إلى الأمام ويتركوا وراءهم التطير والتشاؤم وأن يقتنعوا تمام الاقتناع بأن مشاكل البلاد لن تحل إلا بالحوار الجاد الصادق والحضاري السلمي ما عداء ذلك فهو حوار الدمار والهلاك والفوضى والدخول في المجهول وكل طرف أو حزب أو جماعة أو فئة يضع مشروعه المستقبلي لتصور الدولة المدنية العادلة وما هي حلوله لكافة المشاكل والقضايا التي عانى منها المجتمع والشعب والأمة وبد يكون قد دخل التاريخ من أوسع أبوابه وكسب تعاطف الجماهير وخدم الوطن والمواطن على حد سواء.