حالة وظاهرة غريبة على الساحة المصرية تثير تساؤلات وجدلاً حقيقياً، إنها ظاهرة الاستفزاز المتكرر من قِبل جماعة الإخوان المسلمين وقياداتها للشعب المصري بتصرفات وقرارات وتصريحات ليست فقط غريبة، بل شاذة للغاية، سواء في مضمونها أو توقيتها، ففي الوقت الذي تشتعل فيه الساحة المصرية غضبا وثورة على أساليب الإخوان في الحكم، يخرج علينا قيادي بارز في الجماعة، هو نائب حزب الحرية والعدالة عصام العريان، بتصريح يطالب فيه بعودة اليهود الإسرائيليين المصريين إلى بلدهم مصر، مع إمكانية تعويضهم عن الخسائر التي سببتها لهم الهجرة، ومع الزعم الباطل من العريان بأنهم تم طردهم من مصر في عهد عبد الناصر، وإن كان قد تراجع عن هذا بعد أن تذكر فجأة أن معظم اليهود المصريين هاجروا في الأربعينيات قبل ثورة عبدالناصر.
بغض النظر عن سذاجة هذه الدعوة، إلا أن التساؤل هو، لماذا هذه التصريحات الغريبة في مثل هذا التوقيت بالتحديد، ومصر تواجه أكبر وأعقد الأزمات في تاريخها، والإخوان يتعثرون كل يوم في إدارة البلاد، ولم يقدموا حتى الآن أي شيء يشير إلى أنهم يقودون البلاد في الطريق الصحيح، ويواجهون احتجاجات واعتصامات ومظاهرات لم تتوقف يوماً واحداً منذ توليهم الحكم في مصر، وهل يمكن التعامل مع تصريحات العريان هذه على أنها هفوة عابرة أو زلة لسان، حتى لو أنكرت الجماعة ومؤسسة الرئاسة مسئوليتها عنها؟.
الواقع، من وجهة نظرنا، أن تصريحات العريان هذه لها دلالات جادة وغاية في الخطورة، وأنها متعمدة في هذا التوقيت بالتحديد بعد عودة العريان من زيارته السريعة لواشنطن التي قام بها أثناء تصاعد حدة الاحتجاجات والاعتصامات في الشارع المصري ضد الإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس مرسي، حيث صدرت من واشنطن تصريحات تنتقد تصرفات الإخوان والرئاسة المصرية وتعتبرها حيادا عن الديمقراطية، وكتبت الصحف الأمريكية تقول إن حكم الإخوان أسوأ من حكم مبارك، وتنبأت بسرعة سقوطهم، الأمر الذي أثار خوفاً وقلقاً لدى جماعة الإخوان من فقدان الدعم الأمريكي لهم، فبادروا بإرسال شخصية إخوانية قيادية مهمة لواشنطن ليشرح للأمريكيين حقيقة الأوضاع من وجهة نظرهم، وسمعنا من العريان وهو في واشنطن تصريحاً خطيراً نقلته لنا وسائل الإعلام الأمريكية يقول فيه، «إن الإخوان المسلمين في مصر هم أكبر ضمانة لأمن إسرائيل»، ثم عاد لمصر ليطلق تصريحه الشاذ حول عودة اليهود المصريين.
تصريحات العريان هذه، التي لم نسمع مثيلاً لها من قبل، تأتي، من وجهة نظرنا، بمثابة قطرة صغيرة لنهر قادم كبير من الخضوع والتنازلات وفقدان السيادة والإرادة، وتشير بوضوح إلى أن مصر سوف تدار من الخارج، وبشكل أسوأ بكثير مما كان في عهد مبارك، وتشير بوضوح إلى أن الإخوان المسلمين سيكونون أداة في يد أعداء مصر وشعبها.
العريان ليس شخصية عادية أو ثانوية في الجماعة، بل هو قيادي بارز وعضو رئيسي في مكتب الإرشاد، وهو شخصية سياسية مصرية معروفة ونائب برلماني لسنوات ودورات عديدة، وليس معروفاً عنه السطحية والعشوائية في حديثه، وبالتالي فمن العبث، بل ومن الخطورة، أن تمر تصريحاته هذه مرور الكرام، وكأنها لم تكن، حتى لو أخلت الرئاسة وجماعة الإخوان مسئوليتها عنها، لأنها تصريحات ذات دلالة قوية وواضحة على انتماءات وولاءات جماعة الإخوان المسلمين في مصر.
كاتب مصري