وكان أول رد فعل من قبل الإدارة الاستعمارية على رفع شعار الوحدة اليمنية في انتفاضة مارس العمالية تلك أن أدلى حاكم عدن حينذاك السير (توم هيكنوتام) بتصريح رسمي يتضمن رغبته في أيجاد نوع من الاتحاد بين محميات الجنوب العربي ولقيت هذه الدعوة معارضة قوية من قبل الحركة الوطنية اليمنية في الجنوب اليمني المحتل لأن هذا الاتحاد هدفه طمس الهوية اليمنية عن الجنوب ولم يكن نابعاً من وجدان الشعب بل إن فكرته جاءت من قبل المستعمر بغرض تلفيق هوية بديلة عن الهوية اليمنية للجنوب وفوق هذا وذاك فإن حاكم ذلك الاتحاد والمتحكم بكل شؤونه ومقدراته هو ممثل الاستعمار البريطاني في المنطقة وليس لرؤوساء أو ممثلي السلطنات والإمارات والمشيخات أي نفوذ أو سلطة باستثناء صلاحية محدودة وضيقة وتحت إشراف المستعمر نفسه.
والغريب والعجيب اليوم أن يوجد بيننا من يتجاهل ذلك التاريخ الذي لايمكن طمسه أو نسيانه أو تجاوز تلك التضحيات الجسيمة والنضال المرير لأبناء الجنوب اليمني المحتل من أجل الانعتاق من ربقة الاستعمار ومن أجل الاستقلال والحرية والوحدة وحق تقرير المصير الذي حققته ثورة (14أكتوبر) المجيدة.
لقد ارتبط حق تقرير المصير في تاريخ العالم المعاصر بإرادة الشعوب في الاستقلال لا عن الاستعمار بل عن هوية مفروضة عليها بالقوة في إطار دولة اتحادية متعددة القوميات والأعراق.. بيد أن الطريق الحاسم لبلوغ هذا الهدف كان يتم من خلال السعي للحصول على تأييد دولي ودعم أجنبي لهذا الحق وفي الحالة اليمنية المعاصرة عرفت بلادنا هذا الشعار في الأربعينات على يد الجمعية العدنية التي كانت تسعى للدفاع عن عروبة عدن والتحرر من هيمنة النخب والجاليات الأجنبية لدول الكومنولث على الوظائف الإدارية والفعاليات الاقتصادية والتجارية في المدينة. لكن شعار عدن للعدنيين الذي جسد مفهوم الجمعية العدنية لحق تقرير المصير أخطأ الزمان والمكان حيث جوبه بمقاومة شعبية عارمة من قبل الحركة الوطنية اليمنية التي كانت تطالب بالحق في الاستقلال عن الاستعمار، والحق في استعادة الهوية اليمنية المسلوبة لا بتقرير مصير عدن خارج هويتها الوطنية اليمنية.
وقد نجح الوطنيون اليمنيون بفضل عدالة قضيتهم وصدق إيمانهم بحقيقة الوطن اليمني الواحد في إلحاق الهزيمة بشعار حق عدن في تقرير المصير والذي كان يراد له أن يكون مدخلاً لطمس هويتها اليمنية ومنطلقاً لشعارات مماثلة لتقرير مصائر السلطنات والإمارات المتعاهدة مع الاستعمار البريطاني والهدف في نهاية المطاف كما ذكرنا هو سلب الهوية الوطنية اليمنية وتلفيق هويات بديلة زائفة. فبالإضافة إلى شعار عدن للعدنيين هناك شعار لحج فوق الجميع، وشعار حضرموت الكبرى، وشعار أو مشروع (الجنوب العربي) الذي اختلقه المستعمر الأجنبي وغيرها من المشاريع التي حاولت الاختباء خلف شعار حق تقرير المصير الذي عاد الآن ليطل برأسه عند البعض بعد مرور نصف قرن من عمر ثورة 14أكتوبر المجيدة وبعد عقدين من الوحدة الاندماجية بين شمال الوطن وجنوبه ونتيجة لعدم الالتزام بتطبيق وتنفيذ الأهداف التي قامت من أجلها الوحدة فقد حدثت حرب مشؤومة في 94 وحدثت أزمات وتراكمات واحتقانات اوصلت البلاد إلى حافة الهاوية وإلى مطالبة البعض بالانفصال أو فك الارتباط مع هذه الوحدة والمطالبة بحق تقرير المصير واستعادة الدولة والاستقلال وفي الحقيقة لم يكن العيب في مبدأ الوحدة كوحدة بل العيب كان في النظام في ظل هذه الوحدة والدليل أن فصائل الحراك اليوم تناشد بعضها بعضاً إلى رص الصفوف وتوحيدها تحت مبدأ وتوجه ورأي واحد لأن تلك الفصائل قد وصلت إلى قناعة بأهمية وحدة الجنوبيين فيما بينهم أما الوحدة مع إخوانهم في الشمال فإن هذه الوحدة فيها نظر ولا يريدون من إخوانهم في الشمال إلا منحهم حق تقرير مصيرهم في الجنوب وكل واحد يذهب في حال سبيله هكذا ببساطة، مالم سيواصلون نضالهم حتى استعادة دولتهم وحق تقرير مصيرهم مع أن العالم يدعوهم إلى الانخراط في حوار وطني شامل يعالج كافة قضايا ومشاكل اليمن في شماله وجنوبه وفي مقدمتها "القضية الجنوبية" ومناقشة مطالبهم الصعبة وحقوقهم المشروعة بوسائل حضارية وسلمية مشروعة كالحوار الوطني الشامل.