إن المتابع لهذا الحدث القادم لا بد أنه سيتساءل عمن سيحضره؟ وعمن سيقاطعه أو يرفضه أو يحرض الناس على عدم القبول به .. أو يعمل على التهوين من شأنه أو يحاول عرقلة إتمام مسيرته حتى لا يتم له الوصول إلى نهاية مرحلته المزمنة التي رسمتها له المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية. ونعتقد بان المتابع لهذا الحوار سيتساءل أيضاً عن طبيعة المحاور الذي سيحضر هذا الحوار وهل هو صاحب ثقافة ورؤية مستقبلية أم أنه من أصحاب العقول الارتدادية التي مازالت تعيش في الماضي وفي جلابيب الآباء والأجداد والحنين للمصالح القديمة والسلطة الضائعة والنفوذ المفقود خاصة إذا علمنا بأن الإنسان بطبيعته ميال إلى الانغلاق على الذات أو عدم الانفتاح وينتابه شعور بالحنين إلى الماضي وينبذ ويعادي ويهجر أفكاراً لا غنى له عنها من أمثال: علم تغيير ما بالأنفس ، صحيح أن الله سبحانه وتعالى قد منحنا نعمة الذاكرة لنستحضر بها ماضينا لكن لا لنعيش فيه ومنحنا نعمة الخيال لنستشرف به مستقبلنا ، لكنه أوجدنا في حاضر محدد ومكان محدد أيضاً فينبغي أن نستفيد من أجمل وأروع وأبدع ما في ماضينا ما دام صالحاً لمعالجة مشاكل حاضرنا لأن تاريخ الإنسانية الثقافي هو سلسلة متصلة الحلقات جيلاً بعد جيل والانقطاع عن الماضي متعذر أصلاً لأننا محصلة تواريخنا ونتاج وفروع لشجرة أنسابنا.
وبالرجوع أو العودة إلى التساؤل المفترض من قبل المتابع للحوار الوطني حول ما يتميز به المحاور في هذا الحوار عن غيره نقول إن العقلية المنشغلة بمعاني التقدم والتطور غير منفصلة عن القدرة الخلاقة للفعل الإنساني المتحرر في الوجود، وتؤسس لإشاعة هذه المعاني في علاقات استشراف المستقبل الواعد وتختلف عن العقلية المنشغلة بمعاني الإحياء والتناسخ والمحاكاة والتقليد الأعمى وغير منفصلة عن معاني الجبر التي تجمع ما بين الازمان المقدورة والإنسان المحروم من الحضور الفاعل في الوجود، فالعقلية الأولى تصنع حاضرها من منظور مستقبلها ولا تفهم هذا الحاضر إلا بوصفه حركة مستمرة من التحول الخلاق الذي لا يكف عن صعود سلم التطور الذي لا نهاية له فلا تنشغل هذه العقلية من ماضيها إلا بما يدفع إلى مستقبلها وتقيس كل ما في حاضرها بإسهامه في حركة التحول صوب المستقبل نفسه بإمكانات من الابداع الذاتي لأنه يؤسس زمنه الطالع الذي يستبدل بالمشابهة المغايرة وبالاتباع الإبداع. أما عقلية المحاور الآخر أو الرافض للحوار أصلاً فهي عقلية أو ثقافة تتصور مستقبلها بوصفه استعادة لعصر ذهبي كما لو كان غدها إحياء لأمسها الذاهب أو صورة متأولة من صوره المتخيلة فهي عقلية وثقافة تنبني على فهم دائري للزمن مغلق يتكرر وتتحول به حركة التاريخ إلى ما يشبه الدولاب أو العجلة الدائرية التي لا تتوقف حول محور ثابت، يغدو معها المستقبل ماضياً، والماضي مستقبلاً بالقدر نفسه ولا جديد على سبيل الحقيقة مع هذه الحركة، فكل شيء فيها يكرر نفسه كما يتكرر نقيضها في الزمن الدائري الذي يتشابه فيه الأول والأخير في فعل الحركة الأزلية التي يغدو بها التاريخ الإنساني الوجه الآخر من التاريخ الطبيعي في تقلبه ما بين الصعود والهبوط.
نخلص في نهاية مقالنا هذا إلى أن من سمات عقلية وثقافة المحاور الذي سيحضر مؤتمر الحوار الوطني الشامل التسامح والانفتاح والتطور والتغيير للأحسن واحترام الآخر والإبداع والتجدد والفاعلية والحركة.
وان العقلية الاخرى الرافضة للحوار هي عقلية مكبلة بقيود الماضي تلغي فاعلية الإنسان في التاريخ وتتشابه لديها حقب ومراحل التاريخ المختلفة وهي سلبية، ومنفية ومجبرة ومحكوم عليها بتكرار نقضيها الذي ينفي عنها الفاعلية والمعنى الخلاق للحضور. انها عقلية ووعي ماضوي تقليدي نقلي واسترجاعي، يحاول أن يشد الحياة إلى الوراء على نحو يغدو معه سؤال المستقبل سؤالاً غائباً عن الواقع .. وليس عنصراً تكوينياً من عناصره الحيوية. وعي يتمثل في نزعات جامدة متحجرة تقاوم التطور على المستوى الفردي والجماعي وترفض التقدم، وتحول دون النظر النقدي إلى عناصر الماضي التي يمكن ان تتحول إلى عناصر للمستقبل ...!!