مما سبق تتضح للقارئ اللبيب المعاني والدلالات المتعددة للكلمة المكونة من أحرف الواو والفاء والقاف والتي شكلت معنى: الملاءمة والصداقة، والصلح أو الإصلاح والتسديد والتلاحم والتقارب والمساعدة والاتحاد والمطابقة والرشد والسداد.
هذه معاني الفعل (وفق) على مستوى اللغة فماذا لو قمنا بإسقاط هذه المعاني والدلالات المتقاربة على واقعنا المعاش في الوقت الراهن وفي ظل حكومة الوفاق أو المرحلة التوافقية هذه، لوجدنا أننا في أمس الحاجة لهذه القيم والمعاني الإنسانية التي تسدد ولا تبدد، تجمع ولا تفرق تؤلف ولا تمزق وتمحوا آثار الخلاف لكنها تحافظ على روح الاختلاف والتنوع في الآراء بين الناس فيا حبذا لو تمثلنا هذه المعاني والقيم السامية في حياتنا وفي أقوالنا وأفعالنا وسلوكنا وسائر معاملاتنا، وتسامينا أو ارتفعنا قليلاً فوق مصالحنا الأنانية الضيقة، وجعلنا مصلحة الوطن فوق كل المصالح وآمنا بان الخير للجميع أفضل ألف مرة من أن يكون لفئة محددة أو لطائفة معينة أو لعشيرة او لقبيلة صغيرة.
لكننا اليوم نرى ونسمع أن أغلب الناس في بلادنا لا يستوعبون أو يدركون أهمية هذه المرحلة التوافقية فيسارعون لاقتناص هذه الفرصة التي منحت لبلادنا بوضع أياديهم متشابكة لتدل على توافقهم وتماسكهم وتلاحمهم وتعاضدهم وتعاونهم وانسجامهم وان ينفضوا غبار أحقادهم الشخصية ويتناسوا نيران عداواتهم الشيطانية القديمة والمدمرة وان يدخلوا في هذا التوافق بنية صادقة وإرادة قوية من أجل الحفاظ على سفينة الوطن التي سيغرقها طوفان تفرقهم وتنافرهم وتباغضهم وحقدهم وحسدهم وعدم فهمهم لأهمية قيم التوافق بين الناس والتي أشرنا إليها بداية مقالتنا هذه.
إن قيمة التوافق مقدمة على أي خلاف وتنافر وشقاق بين أفراد وعناصر الأمة الواحدة لان التنازع والتفرق والخلاف يؤدي إلى ضياع الأمة وتلاشيها وذهاب ريحها وكيانها وكينونتها.
وللأسف أن مما يساعد على تفتيت تماسك الأمة وتوافقها هم أصحاب الأوهام الأنانية الضيقة الذين يعتقدون أن الأمة ستقبل أن يحكموها في المستقبل، إنهم يعيشون في أحلامهم الوردية ولا يرون في المرآة إلا صورهم فقط لأنهم لا يستطيعون أن يتوافقوا مع غيرهم من أبناء جلدتهم.. لماذا؟ لأنهم يعيشون مرض التوحد مع أحلامهم الضيقة.
لماذا لا ينظر كل فرد منا لما حوله؟ ويستفيد من تجارب الأمم والشعوب القوية المتوافقة والمنسجمة مع بعضها البعض وتربطها مصالح ومنافع مشتركة وتتحكم بمصائر دول وشعوب صغيرة ممزقة من داخلها بسبب خلافات بين مواطنيها وأفرادها وطوائفها وأحزابها وقبائلها وعشائرها وبسبب تخلفها وصراعاتها التي لا تنتهي، وتعمل تلك الدول القوية على تقسيم المقسم في تلك الدول الصغيرة وتجزئ المجزأ مستخدمة أسلوب الاستعمار القديم (فرق تسد) فتزيد هذه الدول الكبرى من مآسي الدول الصغيرة المتخلفة وتزعزع من أمنها واستقرارها والدليل واضح في أرض الصومال وأفغانستان وما حدث ويحدث بين شمال السودان وجنوبه فلا ترى عيناك ولا تسمع أذناك إلاّ صراعا دائما وحياة نكدة وعيشة لا تطاق بسبب غياب قيمة الوفاق!.