وليس في استطاعة أية فلسفة بلا ريب أن نتجاهل مافي الوجود البشري من طابع درامي اليم ولكن ليس في وسع أي مذهب فلسفي أيضا إن يغلق الدراما البشرية على نفسها لكي يجعل منها قصة تافهة يرويها أحمق ..ومهما كان من أمر تلك الفلسفة التشاؤمية التي تشدد على نغمة اليأس وتعمل على تأكيد نبرة القلق فان كل حياة إنسانية سوية لابد من أن تجد لنفسها في صميم نشاطها العملي - حلا واقعيا لمشكلة الشر الخاصة بها ولعل هذا ما قصده الفيلسوف الطبيب ألبير شفيتر حينما قال (إنني إذا كنت متشائما نظريا فإنني متفائل عمليا.
والحق أن الحياة وحب الحياة أمران لاينفصلان ,فنحن لانملك أن نعيش دون ان نتفتح للحياة بل دون أن نكتشف كل يوم أسبابا للحياة وحب الحياة وفي حين أن اليأس يجئ فيغلق الكائن البشري على نفسه لكي يجعل منه ذرة روحية تافهة لاتحيا إلا مع مشاغلها الخاصة ومشاكلها الذاتية نجد أن الأمل يحطم قيود الإنسان الذاتية لكي يفتح أمامه أسباب التواصل مع العالم والآخرين.
وفي حين أن الانقسام والانفصال والعزلة سمات ثلاث تسير دائما جنباً إلى جنب مع القلق والعذاب واليأس .نجد أن التكامل والتواصل والمشاركة سمات أخرى تسير جنبآ إلى جنب مع السكينة والغبطة والأمل وربما كان الوجود البشري اليوم أحوج مايكون إلى الانتصار على أسباب القسمة والوحدة والانفصال حتى يكفل لنفسه حياة سوية لاتمزقها عوامل اليأس والقلق والعذاب وليس من شك في أن العالم المعاصر الحافل بمظاهر التخصص هو الذي عمل على فهم عرى الوحدة التي كانت تربط الإنسان البدائي بالعالم . ولكن علينا الآن أن نحاول مرة أخرى استعادة أسباب الاتصال بالعالم حتى نحقق ضرباً من التكامل والتواصل بين العالم الأصغر والعالم الأكبر ولعل المسؤولية الكبرى التي تقع اليوم على عاتق الأدباء و الشعراء وعلم النفس ورجالات الأخلاق إنما هي العمل على الأخذ بيد الإنسان من اجل تحقيق التواصل مع العالم.