وفي التراث العربي الإسلامي مواقف مشرفة لبعض الناس الذين نهجوا منهج الإسلام في التسامح، وضربوا أمثلة رائعة للتسامح فتروي الأخبار أن علي بن ابي طالب رضي الله عنه كان قد صرع في احدى المعارك رجلا من المشركين، ثم جلس على صدره ليجتز رأسه، فبصق الرجل في وجهه، فقام الإمام علي من على صدر الرجل، وتركه.فلما سئل عن سبب قيامه وتركه الرجل، قال: إنه لما بصق في وجهي اغتظت منه وخفت ان قتلته ان يكون للغضب والغيظ نصيب في قتله، وما أحب أن اقتله الا إذا كان القتل خالصا لوجه الله تعالى.
وتروي الأخبار كذلك ان رجلا سب عليا ابن الحسين حفيد الإمام علي رضي الله عنه فهجمت عليه العبيد يريدون قتله، فقال ابن الحسين للعبيد: مهلاً كفوا عنه، ثم اقبل على الرجل وقال له: ألك حاجة نعينك عليها؟ فاستحيا الرجل، فألقى عليه علي ثوبه الذي كان عليه، وأمر له بألف درهم.
هكذا كان السلف الصالح يتعاملون مع خصومهم، فيتغاضون عن إساءاتهم ويعفون عن هفواتهم وزلاتهم، ويسامحونهم عما بدر منهم من إساءات تجاه بعضهم، حفاظا على المودة والوئام التي أرساها الإسلام في حياتهم، وهو ما أكده الإمام محمد بن إدريس الشافعي رضي الله عنه في قوله (من ديوانه ص 56) ما نصه:
لما عفوت ولم احقد على احد
أرحت نفسي من هم العداوات
اني احيي عدوي عند رؤيته
لادفع الشر عني بالتحيات
واظهر البشر للأعداء ما جنحوا
للسلم دوما، ولا أخشى الملامات
أما المريض بداء الحقد انبذه
ولا أعامله بالمثل إن يأتي
والتسامح خاصية إنسانية فطن إليها كثير من مفكري الشعوب وعملوا على تجسيدها في واقع حياتهم، فهذا السياسي (آغا خان) رئيس وفد الهند لدى عصبة الأمم في دورتها المنعقدة عام 1937م وقد اختير رئيسا للجمعية العمومية لعصبة الأمم لانه كان رجلا سياسيا حكيما يلجأ إليه الانجليز والهنود على حد سواء لأخذ مشورته، في الفترة التي كان الانجليز فيها يحتلون الهند، فكان داعياً إلى الوفاق ومتحمساً للتسامح بين الشعوب.
وهذا المفكر الانجليزي (برتراند راسل) الذي شهد الصراع المحتدم بين المعسكر الشيوعي والمعسكر الرأسمالي في الخمسينيات من القرن الماضي، قال: إن العالم بحاجة إلى الاتفاق والتسامح، ولكن المبادئ التي نؤمن بها تحول دون هذا الاتفاق، ولابد من أن نذكر دائماً ذلك الدرس الذي خرجنا به من حروب الأديان منذ أكثر من ثلاثمائة سنة، وهو ان التسامح بين الناس ضرورة لا غنى عنها.. ويضيف قائلاً: لا بد من التسامح إذا كنا نريد أن نتجنب وقوع حرب في المستقبل القريب، إن عصرنا عصر قلق، شبابه لا ينعمون بالسعادة، لانهم يشعرون بأن السنوات المقبلة ستكون من اسوأ فترات التاريخ، فليست هناك موانع تحول بيننا وبين إلغاء الحرب والفتنة، والقضاء على المخاوف العميقة التي تملأ قلوبنا، ونحن في أشد الحاجة إلى تغيير نفسيتنا، فنزرع الحب في قلوبنا بدل العداوة.
ونحن في اليمن ما أشد حاجتنا إلى تغيير نفوسنا فنزرع الحب في قلوبنا بدل العداوة والبغضاء، وما أحوجنا إلى التسامح الذي نفتقر إليه، على أهميته، في حياتنا.
خطيب جامع الهاشمي بالشيخ عثمان