فيما فشل الارهاب والاستبداد في تركيع عدن، واطفأ النور المتوهج في عقول ونفوس أبنائها، ذلك النور الذي أشعل صروح ومعالم في حواضر المنطقة، فكانت السباقة في الكثير من معالم الحضارة وأدوات التطور والنهوض، ومصادر النور الثقافي والفكري ومواكبة تطورات العصر. شعور ينتابني أن هناك من يعاقب عدن انتقاماً، عدن اليوم تعيش مأساة ضعف وتهالك خدماتها الرئيسية ومنها الكهرباء.
اليوم تقبع عدن في ظلام دامس لساعات طويلة تصل 20 ساعة واكثر، كيف سيكون حال الناس في صيف عدن الحار، وضع مُزرٍ وحال مُخزٍ لمدينة عريقة وسباقة في إنتاج الكهرباء في المنطقة منذ العام 1926 لتغطية احتياجات القاعدة العسكرية للمستعمر البريطاني آنذاك، حيث أنشئت محطة بخارية طاقتها 3 ميجاوات وتطورت عدن بعد الثورة في مشاريع استراتيجية كبيرة لتوليد الكهرباء كمشروع الكهرو حرارية ومحطة خورمكسر والمنصورة، وكانت عدن تعيش اكتفاء نسبياً للكهرباء، واليوم تعاني من ظلام دامس، وتأثيرات انقطاع التيار الكهربائي، على المستشفيات والمعامل وورش العمل ومؤسسات الدولة والمدارس والجامعات، وخاصة اننا في فترة الامتحانات النهائية، والمساكن وانعكاس ذلك على المرضى والاطفال وكبار السن واضاءة الشوارع وجمال المدينة.
كل هذا انعكس على حال المدينة، وضع قاسٍ ومؤلم، في مشهد يسمع فيه انين المرضى، وصراخ الاطفال، ونيام يفترشون الارصفة والشوارع ويلتحفون السماء، بنصف ملابسهم، مناظر لم تشهدها عدن غير هذه الأيام، فالكهرباء جزء من حياة الناس اليوم، وصارت ضرورة من ضرورات الحياة في هذا التطور الهائل .
نقدر ظروف الحرب، وما خلفته من دمار وخراب، وندرك دور اوصياء الحرب، ونسمع عن مشاريع تحسين كهرباء، والنتائج معكوسة لا تحسين بل ازدياد في المعاناة، وكأن هناك يدا تعبث لتكون الكهرباء ثقباً اسود يلتهم موازنات ضخمة فيها من الفساد والمال السائب وغياب الرقابة والمحاسبة .
كم طالبنا بأهمية بناء المؤسسات، والكهرباء مؤسسة إيرادية، يمكن ان تستقيم لتتخلص من سيناريو نفاد المشتقات النفطية، من خلال معالجة مسؤولة لمسألة الفواتير والمديونية التجارية، مطلوب قرارات استثنائية تعفي المواطن من المديونية للبدء في تسديد ما عليهم من كل شهر بشهره، وهذا يتطلب مراجعة حقيقية في دعم رواتب الموظفين لتواكب الارتفاع الجنوني للأسعار نتيجة تدهور العملة، وهل تدرك الدولة انها المسؤولة عن حق المواطن ابتداء من الراتب إلى الخدمات والاستحقاقات، كل ذلك يستدعي همة وقرارات استثنائية تعزز دور السلطة والدولة في خدمة المواطن والوطن.
هل يعي المعنيون اننا في موسم صيف عدن الحار جدا وموسم امتحانات لكل المراحل التعليمية؟ كيف بالله سيكون حال أولادنا ووضع المدينة بائس بدون كهرباء، ومستشفياتها غير مجهزة بمولدات، تصور الكم الهائل من الضحايا بسبب انقطاع الكهرباء، وضحايا مما تبثه المواطير من سموم وضحايا حزن وألم على حال عدن وتدهورها .
عدن تناديكم، وتنادي كل الشرفاء والغيورين، ومحبي هذه المدينة الفاضلة، تعاملوا معها بصورة استثنائية؛ لاستثنائية حرارتها ومناخها، عدن تحتاج منكم رعاية واهتماما، لتتجاوز همها وهمومها، ومآسيها، عدن تحتاج تضافر الجهود وتكاتف الخيرين، لتعود عدن تلك المدينة العريقة والسباقة بالجديد والتطور، فيها من الإمكانيات والملكات والكوادر، ووهبها الله من خيرات والنعيم، وهي بحق مخزن غني لكنوز الطبيعة العظيمة، ميناء وشريط ساحلي فيها أجود أنواع الأسماك والكنوز البحرية، عبث بها المتنفذون، عدن التي تحررت ولم تتحرر مقوماتها الاقتصادية لتكن رافدا لترسيخ فكرة الدولة وتفعيل دور المؤسسات، نحسن نوايانا ونصدق في المسؤولية الملقاة على عاتقنا، سندرك جميعا من المحافظ حتى عامل النظافة ان مدينتنا عدن جوهرة وهبها الله لنا ليكن خيرها للجميع، نحفظها ونرعاها وننمقها، لتكن مسكن امن نعيش فيه بنعيم وسلام وحب ووئام، والله يحفظك يا عدن من كل مكروه .