حزب الله يشيّع نصر الله... وقاسم يتعهد بـ(السير على نهجه)






بيروت / 14 أكتوبر / متابعات :
شارك الآلاف من مناصري حزب الله ووفود رسمية وشعبية من دول عدة، اليوم الأحد، في مراسم تشييع حاشدة للأمين العام الأسبق لـ«الحزب»، حسن نصر الله، وكذلك تشييع خلفه، هاشم صفي الدين. وألقى الأمين العام الحالي، نعيم قاسم، كلمة أمام جمهور المشيعين.
وقتل نصر الله عن 64 عاماً بضربة إسرائيلية استُخدمت فيها أطنان من المتفجرات، على مقرّه الواقع تحت الأرض بمنطقة حارة حريك في الضاحية الجنوبية لبيروت، معقل الحزب يوم 27 سبتمبر 2024.
واكتظت مدينة كميل شمعون الرياضية في جنوب بيروت، منذ ساعات الصباح الباكر، بعشرات الآلاف من مناصري الحزب الذين اتّشحوا بالسواد رافعين صور نصر الله ورايات الحزب الصفراء.
وقال مراسلو وكالة الصحافة الفرنسية إن المدرجات التي قدر المنظمون عدد مقاعدها بـ55 ألفاً امتلأت عن آخرها.
وخلال المراسم، تعهَّد الأمين العام لحزب الله، نعيم قاسم، اليوم الأحد، بالسير على خط سلفه. وقال قاسم في خطاب ألقاه عبر الشاشة: «أفتقدك يا سيدي ويفتقدك كل المحبين، لكنك باق فينا بنهجك وتعاليمك ومقاومتك وخط سيرك وجهادك».
وأضاف: سنحفظ الأمانة وسنسير على هذا الخط»، مكرّراً بقبضة مرفوعة: «أنا على العهد يا نصر الله.
وتعهَّد نعيم قاسم، الأمين العام لحزب الله باستكمال الطريق الذي خطه الأمين العام السابق، حسن نصر الله، مؤكداً: لو قُتلنا جميعاً، ولو دُمِّرت بيوتنا على رؤوسنا.
وتعهَّد قاسم، في كلمة خلال مراسم تشييع نصر الله وصفي الدين، أيضاً، باتخاذ كل الإجراءات للإفراج الأسرى اللبنانيين لدى إسرائيل.

وقال إن حجم الضغوط على الحزب ومناصريه كان غير مسبوق، مضيفاً: ولكن حجم الصمود في المقابل كان غير مسبوق أيضاً.
وتابع: «ثوابتنا في المرحلة الجديدة أن المقاومة أساس وهي خيارنا، ما دام الاحتلال موجوداً، وملتزمون بالمشاركة في بناء الدولة اللبنانية القوية والعادلة وتحت سقف (اتفاق الطائف).
وأشار إلى أن حزب الله» صبر على وقف إطلاق النار، ولم يخرقه، مؤكداً: اليوم بعد انتهاء مهلة انسحاب القوات الإسرائيلية، فنحن أمام احتلال وعدوان.
وشدَّد قاسم على حرص جماعته على «مشاركة الجميع في بناء الدولة وعلى الوحدة الوطنية والسلم الأهلي»، لافتاً النظر إلى أن الحزب سيشارك في الحكومة والدولة «ضمن أسس، بينها إخراج الاحتلال والأسرى والإعمار وإقرار خطة الإنقاذ».
وقال: «نقول لأميركا: لن تأخذوا بالسياسة ما لم تأخذوه بالحرب، إذا كنتم تضغطون على المسؤولين في لبنان فلن تحققوا أهدافكم لأن المسؤولين في لبنان يعرفون موازين القوى»، مؤكداً: «سنواجه مشروع ترمب التهجيري».
وفي أنحاء ملعب كرة القدم، وضع المنظمون أكثر من 20 ألف كرسي، امتلأ جزء كبير منها، فيما تُركت بقية المقاعد للمسؤولين وقادة «الحزب»، إضافة إلى الوفود الخارجية، يتقدمهم رئيس مجلس الشورى الإيراني محمد باقر قاليباف، ووزير خارجية طهران عباس عراقجي، اللذان وصلا صباحاً إلى بيروت.

وفي الساحات الخارجية، خُصّص 35 ألف مقعد للرجال، و25 ألفاً للنساء، ضاقت تباعاً بمناصري الحزب.
ورفع المنظمون داخل المدينة الرياضية وعلى جدرانها صوراً عملاقة لنصر الله، وخَلَفه في منصب الأمين العام لحزب هاشم صفي الدين، الذي أعلن حزب الله بعد مقتله بضربة إسرائيلية، يوم 3 أكتوبر الماضي في ضاحية بيروت الجنوبية، أنه كان قد انتخب قبل مقتله أميناً عاماً للحزب خلفاً لنصر الله.
وتعليقاً على تشييع نصر الله، اليوم، قال الجيش الإسرائيلي: «اليوم أصبح العالم أفضل». وقال الجيش عبر حسابه على منصة (إكس): اليوم يوم جنازة حسن نصر الله. اليوم أصبح العالم مكاناً أفضل.
كما حلّق الطيران الإسرائيلي، بعد ظهر اليوم الأحد، على علوّ منخفض في أجواء بيروت وضواحيها، بالتزامن مع بدء مراسم تشييع نصر الله.
وأعلن وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، بعد ظهر اليوم، أن مقاتلات إسرائيلية تحلق فوق بيروت خلال تشييع حسن نصر الله بهدف توجيه «رسالة واضحة لأي طرف يهدد بتدمير إسرائيل».
وقال كاتس، في بيان، إن مقاتلات لسلاح الجو الإسرائيلي تحلق حالياً فوق بيروت خلال تشييع حسن نصر الله لتوجيه رسالة واضحة: أي طرف يهدد بتدمير إسرائيل ويهاجمها سيلقى نهايته.

وأفادت الوكالة الوطنية للإعلام اللبنانية الرسمية: حلَّق الطيران الحربي المعادي على علو منخفض فوق أجواء بيروت وضواحيها ما دفع أحد المتحدثين في مراسم تشييع نصر الله إلى القول: لن ترعبنا أصوات طائراتكم الخائبة، ليردد من خلفه عشرات الآلاف: الموت لإسرائيل.
وبعد انتهاء المراسم، يسير المشيّعون نحو موقع الدفن المستحدث لنصر الله في قطعة أرض تقع بين الطريقين المؤديَيْن إلى المطار، في حين يُنقل صفي الدين إلى جنوب لبنان؛ حيث يوارى الثرى يوم الاثنين في بلدته دير قانون النهر.
وتعهَّد المرشد الإيراني علي خامنئي بمواصلة مقاومة إسرائيل، في رسالة اليوم الأحد، بمناسبة تشييع نصر الله في بيروت. وقال خامنئي، في إشارة إلى إسرائيل: «على العدو أن يعلم أن مقاومة الاغتصاب والظلم والاستكبار لن تنتهي، وستستمر حتى تحقيق غايتها النهائية».
واستبقت إسرائيل مراسم التشييع بشنها، صباح اليوم الأحد، غارات عدة على جنوب لبنان، أسفرت عن إصابة فتاة بجروح.
وقالت إسرائيل إنها استهدفت موقعاً عسكرياً يحتوي منصات صواريخ وأسلحة رُصد نشاط لحزب الله فيه، إضافة إلى منصات صواريخ... كانت تشكل تهديداً وشيكاً للمدنيين الإسرائيليين.
كما أعلنت إسرائيل ليلاً استهدافها معابر على الحدود السورية - اللبنانية، حاول حزب الله عبرها تهريب أسلحة إلى لبنان.
ويشكّل التشييع أول حدث جماهيري لحزب الله منذ المواجهة المفتوحة بين الحزب وإسرائيل، التي انتهت بوقف لإطلاق النار في 27 نوفمبر الماضي، وخرج منها الحزب ضعيفاً سياسياً وعسكرياً.
وكان قاسم دعا مناصري الحزب إلى مشاركة واسعة في المراسم، قائلاً: نريد تحويل هذا التشييع إلى مظهر تأييد وتأكيد على الخط والمنهج ونحن مرفوعو الرأس.

ودُفن نصر الله، بعد انتشال جثته التي كانت «وديعة» في مكان لم يُعلَن عنه، في انتظار إمكان تنظيم تشييع حافل له، بينما كانت الحرب على أشدّها قبل التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.
ودعا حزب الله المسؤولين اللبنانيين إلى الحضور. وأعلنت اللجنة المنظمة مشاركة شخصيات رسمية لبنانية ووفود خارجية من «نحو 79 دولة من مختلف أنحاء العالم، بين مشاركات شعبية ورسمية». وأفاد المنظمون بحضور شخصيات رفيعة المستوى من إيران ودول أخرى.
وقال عراقجي، بعد وصوله إلى مطار بيروت صباحاً، إن نصر الله وصفي الدين بطلان للمقاومة، مؤكداً أن طريق المقاومة سيستمر.
وأعلن الحشد الشعبي العراقي، اليوم الأحد، مشاركة رئيسه، فالح الفياض، ورئيس أركانه، أبو فدك المحمداوي، في مراسم التشييع. وينضوي الحشد الشعبي مع «حزب الله» وفصائل أخرى موالية لإيران ضمن محور المقاومة الذي تقوده طهران.
وتجري مراسم التشييع وسط تدابير أمنية مشددة اتخذها الآلاف من عناصر الحزب والأجهزة الأمنية اللبنانية. وجرى تعليق الرحلات الجوية في مطار بيروت من الساعة الثانية عشرة ظهر الأحد (10:00 بتوقيت غرينيتش) حتى الساعة 4:00 من بعد الظهر.
ونُشرت فرق صحية ومستشفيات متنقلة وفرق إنقاذ وإطفاء على الطرق المؤدية إلى مكان التشييع، مع تخصيص مسارات خاصة للسيارات ومواقف للوافدين من خارج العاصمة. واقتصرت الحركة في محيط المدينة الرياضية على التنقُّل سيراً.
وحثّ المنظمون على عدم إطلاق النار في الهواء وعدم التدافع حفاظاً على السلامة، فيما أصدر وزير الدفاع قراراً بتجميد تراخيص حمل الأسلحة في لبنان من 22 إلى 25 فبراير الحالي.
واكتسب نصر الله مكانة بارزة إثر انسحاب إسرائيل من لبنان عام 2000، إلا أن شعبيته تراجعت بعد انخراط حزبه في النزاع السوري إلى جانب بشار الأسد.

وكان لقتله وقع الصاعقة لدى مناصريه، مثل مريم شوربا (80 عاماً) التي تستعدّ للمشاركة في التشييع مهما كانت الظروف. وأضافت من الضاحية الجنوبية لبيروت: «هذا يوم صعب، فالسيد عزيز علينا جداً، ومهما فعلنا فلن نوفيه حقه.
وهيمن التنظيم الشيعي الموالي لإيران على الحياة السياسية في لبنان لأعوام، ولكن يستمر الانقسام بشأن دوره؛ إذ يعدّ كثر من اللبنانيين أنه دولة داخل الدولة.