مضى عام وجاء آخر، لسنا بحاجة لنسأل كيف كان ما مضى من عام، لأننا خبرناه بكل أوجاعه، ولا ننتظر دهشة تحل مع قدوم هذا القادم الجديد فهو آت محملا بكل امتداد آلام عام مضى. ولن نقول ماقالته أغنية سيد مرسي وبليغ حمدي (فاتت سنة، ما اقدرشي أنا ع البعد ده)، لا سنقدر ونريد أن نبعد وننجو من جحيم العام الفائت. ولسنا بحاحة لهذا الهري الإعلامي باستضافة المنجمين في قنواتنا، يخبروننا عن المستقبل وقادم الأيام، فخطط المستقبل لا يكتبها المنجمون، ولكن تضعها غُرف التحكم بالقرار الدولي والإقليمي، والجواب يعرف من عنوانه كما نقول في أمثالنا عن عام جديد..
فهاهو بنيامين نيتانياهو مستمر في جرائم الإبادة، رغم أنه مطلوب للمحكمة الجنائية الدولية، فإنه مصدر إلهام لسياسة التمييز الممتدة من شرق أوروبا وحتى واشنطن. وهاهي أوكرانيا تتحول إلى ساحة معركة لا نصر فيها، ويأتي دونالد ترامب، ليس فقط أكثر خبرة منذ قبل ملوحا بالانتقام، ولكنه متأبط ذراع داعمه إيلون ماسك أغنى رجال العالم وأشهرهم تنمرا، فنحن مقبلون على موجة يمين ممتدة من أوروبا إلى أمريكا، ومقبلون على إعلام ومنصات للتنمر لا للتنوير.
وفى الوطن العربي ومحيطه الممتد من آسيا إلى أفريقيا سيبقى هو العالم المثخن بجراحه، وساحات لمعارك مختلفة. فهناك على أقل تقدير ثماني دول من أعضاء الجامعة العربية تعاني نزاعات وحروبا. وذلك كله مصدر رزق لجهتين، الأولى: شركات الأسلحة التى تزدهر بتعدد الساحات أو وحدتها، والثانية: الأمم المتحدة التي تضيف لطواقم عامليها وموازناتها. لهذا هذه حروب مزدهرة، سيطول أمدها حتى تفيق شعوبنا من غيبوبتها. وعلى هامش هذا الوجع، نرى كل أخبار النشرة في القنوات عندنا عن الحروب والقتل، وأصبح نقل التوحش في قتل المدنيين وكأنه منهج لتعزيز التَطّبع مع آلة القتل الإسرائيلية بالذات. وعندما ينتقل التناول الإعلامي للحديث عن السياسة، تجد مساحة تمجيد خطاب التطرف واليمين الصاعد في كل اتجاه، كأنها موجة عدوى لفيروس العنصرية، وتمجيد العنف.
وصار لدي خشية تتزايد مع الأيام من منهج كثير من قنواتنا العربية، في سياسة نقل الأخبار المحيطة بنا. فنحن لا نتابع أخبارا عاجلة فقط، ولكن الأمر أصبح نوعا من أسلوب تليفزيون الواقع. حيث يتم وضع كاميرا تكرس مشهد الدمار، وكأنه مستمر وليس مجرد خبر. وصار نقل التوحش في قتل المدنيين، وكأنه منهج لتعزيز التَطًّبع مع آلة القتل الإسرائيلية. وحتى في الأخبار الخفيفة تأتي ثقالة الدم، فمن أيام وفي آخر النشرة سمعت خبرا علميا قيل عنه إنه طريف، يقول إن دراسة حديثة في جنوب إفريقيا كشفت: أن صوت البشر يسبب خوفا، وتشتتا لدى الحيوانات أكثر من زئير الأسد،! وتلك حقيقة على ما يبدو على صعيد سياسي أيضا وليس فقط خبرا علميا. وتجلى ذلك في سوريا كما يظهر، أكثر مما توقعه العلماء، حيث فقد بشار زئيره، مع تكبيرات فصائل الثورة عليه، والمفارقات بسوريا كسائر بلداننا لا تتوقف. فقد دخل الجولاني دمشق ودخلت إسرائيل الجولان، والتحليل السياسي العربي عالق بين الشرع والشرعية، الرجل والمؤسسة. والعمامة الإيرانية والطربوش التركي. وذاك تيه عربي سيبقى قليلا، وحيرة سيطول بقاؤها. فنحن في لحظة عجيبة، لدينا جامعة لم تجتمع، وجيوش تزول وميليشيات تزدهر، وتعليم لم يعد في خريطة الاهتمام، وأولويات لا أول لها. ولكن مثل مأساة اليمن مع ميليشيات الحوثي المتمردة لم يشهد واقعنا العربي ألماً قط. فهناك معاناة لم يعد يسمع بها أحد، بل جلب التمرد الحوثي لليمن والمنطقة ويلات لا يمكن تخيلها.
وهل هناك نكتة تدمي القلب مثل أن يصل الأمر بمجلس الأمن في الأمم المتحدة إلى أن يناقش ما يسميه حالة القلق على أمن إسرائيل من جماعة الحوثي التي لا تستطيع مغادرة كهوف خوفها. أي خدمة أجمل لإسرائيل من مثل هذه؟. إسرائيل التي ترتكب يوميا كل جرائم الحرب وتستبيح دول المنطقة، وتهين القانون الدولي كل يوم. الآن مجلس الأمن يقول إنه قلق عليها، من صاروخٍ لم يصب أحدا. بل ويا لسخرية القدر، أن يظهر يهودي يمني في فلسطين المحتلة يقول إن شظايا الصاروخ أصابت منزله، ليؤكد أن سلاح الحوثي لا يصيب غير اليمنيين أينما كانوا، ومهما كان دينهم !. ومع ذلك يجتمع المجلس الدولي، ويناقش أمن إسرائيل، ويغطي على مسلسل جرائمها المستمر في غزة ولبنان وسوريا. أي عالم هذا حوّل صاروخا لا معنى له أطلقه الحوثي، حوّل الكيان الصهيوني إلى مظلوم، مذعور يريد إنصاف العالم وحمايته.
وأما في البحر فقد منعت ميليشيات الحوثى، السفن التجارية من عبور البحر الأحمر، ولكن سُمح لكل البوارج الحربية بالبقاء وعسكرة مياه البحر والمحيط معا!. ولا يبقون لنا من باب المندب إلا أنه يذكرنا بأنه بوابة للندب والدموع.