لقد طال أمد الشد والجذب، وتطاول زمن الكيد حتى الكذب .. والآن ليدركِ الكلُّ، وليعلم الجميع أن الحال ما عاد يحتمل المزيد، وأن المرحلة الآن تختلف، وإن المحك الأهم؛ الماثل اليوم أمام جميع القوى المحبة لوطنها، بمختلف أحزابهم، ورؤاهم؛ أكبر من أفعال، وأقوال، وأدوار تؤدى؛ للوصول إلى مجرد مكاسب تافهة تُحَصَّلُ في زحمة المكايدات السياسية ..
إن المحك اليوم عظيم، وجسيم، ليس لهوى، ولكن بالنظر إلى المحصلات، ولاسيما إذا علمنا أن المسألة الأساسية الآن تتعلق بوطن، وأن هذا المحك يجعلنا بين خيارين اثنين، لا ثالث لهما : إما أن يكون هذا الوطن عزيزاً، شامخاً على خارطته، فنكون نحن كذلك، أو نخسر كل شيء، ويغدو الموجودُ شذر مذر، ونغدو قطعاناً آدمية في مآدب اللئام .
من هنا يمكن فهم أهمية دعوة فخامة الرئيس عبد ربه منصور هادي يوم الاثنين لدى رئاسته الاجتماع الأول لهيئة الرقابة على تنفيذ مخرجات الحوار؛ والتي جدد فيها دعوته الجميع للاصطفاف الوطني على الاسس التي اتفق عليها في مؤتمر الحوار الوطني الشامل، ومن هنا أيضاً تبرز ضرورة مؤازرة جهود الدولة، والجيش في مواجهة جماعات العنف، والارهاب الهادفة في الأساس إلى جعل البلد ساحة للقتل، واستباحة الدماء، وميدانا للظواهر الإرهابية المدمرة، وذلك من منطلق أن هذا الوطن ملك الجميع، وأن مسؤولية الحفاظ عليه، والدفاع عن حياضه، وبنائه، وتنميته تقع بالتالي على عاتق الكل، ودون استثناء ..
وليس غائباً، بل لا يخفى على أحد ما يتعرض له الوطن من تآمر إجرامي في هذه المرحلة من تأريخ ثورته المباركة التي أريد بها استعادة الاعتبار للوطن : وجوداً، وإنساناً، وجغرافيا، وتاريخا، ويكفي أن نعيد إلى الأذهان ما حصل بالأمس القريب من هجمات إرهابية من قوى الثورة المضادة، المتحالفة مع مجموعات قوى العنف ( القاعدة، والحوثيين، والحراك المسلح ) على وحدات الجيش والأمن في حضرموت وشبوة، وأبين، ولحج، وقبلها في عمران، وأطراف محافظة صنعاء، والجوف، وغيرها من محافظات الوطن المرزوءة بألغام وثعابين الإرهاب المصطنع، الموجه من الداخل، والممول، والمستقدم، والمجيَّش في الأساس من بعض الأطراف الإقليمية الحاقدة تاريخياً، وحضارياً على اليمن، والمملكة العربية السعودية الشقيقة في إطار خطة آثمة لهدم اليمن، وخنق المملكة، واستعادة أمجاد المجوس في جزيرة العرب .
لذلك كان لا بد من تضحية يقدمها الجميع بإرادة جمعية، ولا بد من وقفة يثبت بها اليمنيون استحقاقهم للعيش بحرية وكرامة، وليبقى علم اليمن خفاقاً، ولتبقى شعلة الثورة متقدة، وحتى لا يصبح اليمنيون على أقدام تقبَّل، وحرية تكبَّل، ونرجع جميعاً إلى زمن العبودية، والنخاسة على أيدي عصابات العنف، المعممة بأنتان التخلف، والسلالية، والطائفية العفنة؛ التي خرجت علينا على غفلة من الزمان؛ لتسلبنا الأمان، ولتعيدنا قروناً إلى دياجير الماضي الأليم، ومناتنه المقيتة .
وحتى نكون واضحين؛ فإن الانهيار الاقتصادي؛ فيما لو لم تكن التضحية المؤقتة، التي أجمعت عليها القوى الوطنية، والمتمثلة برفع الدعم عن مشتقات النفط، والتي يريد أعداء الثورة استغلالها لهد المعبد على رؤوس من فيه؛ نقول : لو لم تكن تلك التضحية لكان الانهيار مجرد تحصيل حاصل، ولكان باب جهنم لكوارث لا تحتمل، وتصوروا معي بعد ذلك : ماذا يعني سقوط الدولة؟ وماذا تعني سيطرة العصابات على المدن، وتحول البشر إلى ملكية تباع وتشترى، دون رأي يعتبر، ولا ذنب يغتفر ؟!
إننا لا نهرب إلى الأمام كما يعتقد البعض.. لقد هربت الدولة إلى شعبها، لا لتستقر في السكون؛ بل لتخطو مع الجميع للأمام، وهاهو الأخ الرئيس عبد ربه منصور هادي يرأس الاجتماع الأول لهيئة الرقابة على تنفيذ مخرجات الحوار، في خطوة ملموسة لإلزام الجميع ما التزموا به في يوم من الأيام، ودفعهم قدماً إلى مواقع الفعل البناء؛ لتغدو هيئة الرقابة هذه، وكما قال الأخ الرئيس من أهم الهيئات الوطنية الضامنة للانتقال إلى الدولة المدنية الحديثة .
ونقول بثقة : إن هذه الخطوة قد مثلت ـ بالفعل لا بالقول ـ مؤشراً بليغاً على توجه حكيم من شأنه أن يؤدي إلى مزيد من الشراكة الفاعلة والإيجابية بين الدولة، ومواطنيها من كل المشارب الفكرية، المعتدلة، والمتزنة؛ للدخول إلى بوابة المستقبل المشرق، وبناء دولة النظام والقانون والمواطنة المتساوية؛ من خلال منظومة الحكم الجديدة؛ التي من شأنها أن تعزز الوحدة الوطنية، وتمكن الوطن من تجاوز كافة التحديات الماثلة أمامه سياسياً واقتصادياً، واجتماعياً، وخصوصاً محاربة الأفكار الدخيلة على قيم وأخلاقيات شعبنا من تطرف ،وإرهاب، ومذهبية، وسلالية، وذلك من خلال تعزيز ثقافة المحبة، والإخاء، والتسامح؛ التي تميز بها اليمنيون من قديم الزمان .
وبالتالي، ونحن اليوم على مشارف إنجاز دستور الدولة، اليمنية، الاتحادية، الحديثة؛ فإننا نؤكد أن المهام الماثلة ـ كما ذكرنا آنفاً ـ أعظم من عظيمة، وأكبر من جسيمة .. إننا الآن على أبواب معركة مصيرية مع أنفسنا، ومع ظروفنا، وأوضاعنا أولاً، ومع قوى التخلف، والارهاب، والتخريب التي لا تريد لبلادنا خيراً، وإن هذه المعركة لا تقبل الوجود مع الخسران، وإنها لذلك تستدعي أن نكون معاً .. مأثرةً خالدةً، ولُحْمةً لا تنفصم .
[email protected]
نحو شراكة فاعلة .. نحو وطن يتعافى
أخبار متعلقة