ليس هناك أجمل من ذلك اليوم الذي تدمع فيه السماء لتفرح من في الأرض ، فتهطل قطرات الخير المتراصة لتروي الأرض والزرع ، وتغسل ما على سطح هذه الحياة مما علق بها من شوائب وتراكمات الزمن ، فقد أُسميَ ذلك «غيثاً» ورحمة للبلاد والعباد ..
ففي مدينة عدن كانت مياه الأمطار تلعب الدور الحيوي والأساس في حياة الناس ، الأمر الذي ألهَـمَ أجدادنا الأوائل للتفكير في الاستفادة من تلك الأمطار وتنظيم عملية تخزينها للاستفادة منها وتجنب أضرارها وكوارثها عندما تزيد عن حدها الذي يتناسب وطبيعتها الجغرافية والسكانية ، فكانت صهاريج الطويلة الشاهد الأول للعالم والكون أجمع على أهمية الأمطار لمدينة عدن وقدرة الناس على كبح هديرها حتى لا تكون وبالاً عليهم ، وزادوا في ذلك بعمل ممرات مائية ومصارف لها على أرض الواقع ، بحيث يجري الفائض منها في قنوات طبيعية مواصلاً مسيرته نحو البحر بعد أن يغسل ما يغسل من على ظهور تلك الجبال السمراء وسفوحها التي تتعطش لمثل تلك المياه ، بعد أن أحرقت قشرتها الذهبية ألسنة لهيب الشمس طوال العام واستخرجت كل ما علق بها أو اختبأ من مياه عذبة أو رطوبة للأرض والإنسان ..
إذا رجعنا قليلاً لفترة الوجود البريطاني في عدن ، نجد أنه تم تنظيم تلك القنوات وإعادة بنائها منذ المنحدرات القادمة من أعالي الجبال وحتى تصل تلك المياه بشكل سيول إلى آخر مطافها حيث يحتضنها بحر عدن ليتشبع من خير الأرض والسماء فيزدادُ ابتساماً لكل أبناء هذه المدينة العتيقة.
أما نحن اليوم فتلحظ أننا قد أهملنا تلك الممرات والمصارف تماماً ، وقام الكثير من الناس بردمها والبناء العشوائي عليها، وساهمت الجهات الرسمية باستكمال ما تبقى لطمس تلك المعالم وردمها لمحو أخاديد الزمن الجميل وإرضاء للبعض حتى يتمكنوا من الاستفادة من تلك البقع الصغيرة التي تمر عليها تلك القنوات ..
مع أن الدكتور / يحيى الشعيبي قد قام بجهد يـُشـكَر عليه في فترة قيادته للمحافظة بالتوجيه بتنظيف تلك القنوات وإعادة جاهزيتها مستفيداً من تجربة أمطار التسعينات التي تحولت إلى سيول جرفت في طريقها ما جرفت وحلت الكارثة على كل من ارتضى التصدي لتلك المسيرة المائية التي تعقب كل مطرة على مدينة البسطاء هذه !!
ولعل من الأمثلة الحية الخطأ الفادح الذي ارتكبه بعض رموز المحافظة ، وهو ردم ورصف بعض مواقع تلك الممرات وإعادة تبليطها حتى يجدوا مواقع طيبة للمقاولين كتعبير للشكر عن الهبات السخية التي ينالونها من كل مقاولة ..
أضرب مثلاً - وليس حصراً - الممر المائي القادم من جبال القلوعة الذي كان يمر بجانب خزانات النفط بالقلوعة مروراً بمقبرة المسيحيين وحتى نزوله إلى منحدر ( حجيف ) ثم إلى البحر ، والكثير لا زال يتذكره .
كذلك الممرات الموجودة في منطقة « التواهي» والمقابلة لمكتب الهجرة البحرية و المنافـذ المائية التي تم ردمها تماماً والواقعة أمام شرطة التواهي وتحديداً عند بوابة ( حديقة فكتوريا ) والتي سارع في ردمها الطيبون ورصفها - في لحظة البرق - وأدى إغلاق ذلك المنفذ إلى وجود بحيرة مستديمة أمام مركز الشرطة والحديقة منذ ذلك الافتتاح ليومنا هذا !!
المواقع كثيرة ومنها ما ينحدر من صهاريج الطويلة حتى وصوله للبحر ، وغيرها التي يعرفها الكثير من أبناء عدن ورجالاتها ، ولكن أين هي النيـَّة الصادقة للاهتمام بهذا الجانب ؟ بل مـَن هو القادر على التأثير في مكتب المحافظة أو صاحب القرار الذي سيشرع بالعمل - لوجه الله - ومحبة في الناس وتلافياً لأية إرباكات أو خسائر ومآس يمكن تجنبها بعد إعادة المياه إلى مجاريها ومصارفها إثر كل هطول مطر؟ وحتى لا يحل علينا المطر فيتحول من «نعمة» إلى نقمة وكارثة للكثير متى ما تجاوزت الساعات الممطرة حد المعقول في فترة هطول تلك الأمطار في مواسمها ( وإن نَدَرَتْ ) !!
حتى لا تـغـرق عدن في شبر ماء !!
أخبار متعلقة