الحريات السياسية :
1 - حرية تكوين الأحزاب:
قضت (المحكمة الإدارية العليا)، في الطعن المقام من الأستاذ (.....)، بطلب إلغاء قرار لجنة شئون الأحزاب برفض الموافقة على تأسيس (حزب الجبهة الوطنية)، بسبب أن بعضاً من مؤسسي الحزب قامت الأدلة على قيامهم بالدعوة، أو المشاركة في الدعوة، أو الترويج أو التحبيذ لمبادئ أو اتجاهات أو أعمال تتعارض مع مبادئ الاستفتاء على (معاهدة السلام) وإعادة تنظيم الدولة.
ونعى على القرار بمخالفته للقانون لأنه قد توافرت في شأن حزب الجبهة الوطنية كافة الشرائط التي ينص عليها القانون رقم (40/77).
وأقامت المحكمة قضاءها، في رفض الطعن، أن بعضاً من الذين وقعوا على إخطار تأسيس حزب الجبهة الوطنية قد توافرت في حقهم أدلة جدية على قيامهم بأفعال لا تعبر مجرد تعبير عن رأي في معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، وإنما هي قد صدرت في صورة بيانات موقعة من مجموعة من الأشخاص أو على شكل تحقيقات ومقالات صحفية نشرت في الداخل والخارج وتضمنت دعوة إلى تحبيذ وترويج اتجاهات تتعارض مع معاهدة السلام المذكورة، بل إنه قد وصل الأمر إلى حد خلق جبهة وصفت بأنها تولدت من تلك البيانات، ومن ثم فإن تلك الأفعال - بهذه المثابة - تندرج تحت مدلول البند (سابعاً) من المادة (4) من القانون رقم (40/77) المعدل بالقانون رقم (36/1979) كما تشكل بثبوت هذه الأفعال في مواجهة ذلك البعض من المؤسسين سبباً كافياً للاعتراض على تأسيس الحزب الذي وقعوا على إخطار تأسيسه.
كما قضت في طعن آخر في الطعن المقام من (.....) وكيل مؤسسي حزب الأمة بطلب إلغاء القرار السلبي الضمني من (لجنة شئون الأحزاب) بالاعتراض على تأسيس (حزب الأمة)، وذلك على الرغم من توافر كافة الشروط المتطلبة قانوناً، وفي ظل نظام تعدد الأحزاب الذي نص عليه الدستور كنظام للحكم في الدولة، كما أن برنامجه يتفق مع حكم الدستور والقانون كما يتوافر في الحزب شرط علانية المبادئ والأهداف والبرامج والنظام والتنظيمات السياسات والوسائل وأساليب مباشرة النشاط الحزبي.
وقد أقامت المحكمة قضاءها بإلغاء القرار الضمني (الامتناع) للجنة الأحزاب السياسية بالاعتراض على تأسيس حزب الأمة، بأن الحزب قد تكاملت في حقه الشروط القانونية التي نص عليها قانون نظام الأحزاب السياسية رقم (40/77)، المعدل بالقوانين أرقام (36/79) و (144/80) و (30/81)، وهو لا يتعارض مع النظام الدستوري والنظام العام ولا يخالف القانون ولا يتعارض في مقوماته ومبادئه وبرامجه وسياساته، وفي أساليب ممارسته نشاطه مع مبادئ الدستور والقانون ومبادئ نظام الحكم، ومع كل القيم الروحية التي يقدسها الشعب المصري العربي، ومع مبادئ الشريعة الإسلامية والوحدة الوطنية، وتحالف قوى الشعب العاملة، والسلام الاجتماعي، والاشتراكية والديمقراطية، وفي الحفاظ على مكاسب العمال والفلاحين واحترام سيادة القانون، ولا يعادي ولا يناهض ولا يدعو أو يشارك في الدعوى، ولا يحبذ ولا يروج لمبادئ واتجاهات وأعمال تتعارض مع أحكام قانون حماية الجبهة الداخلية والسلام الاجتماعي، أو مع المبادئ التي وافق عليها الشعب في الاستفتاء على (معاهدة السلام) وملحقاتها، بين مصر وإسرائيل ومبادئ إعادة تنظيم الدولة بتاريخ 20 أبريل 1979م. ولكل ما تقدم، يكون القرار الضمني السلبي من لجنة شئون الأحزاب السياسية، بالاعتراض على تأسيس حزب الأمة، قد خالف القانون، الأمر الذي يتعين معه الحكم بلقائه وما يترتب على ذلك من آثار.
2 - حق الترشيح لعضوية اللجان النقابية:
ومن أبرز الأمثلة التي نسوقها في هذا الصدد، ما قضت به (محكمة القضاء الإداري) في قضية، تخلص وقائعها في اعتراض المدعي الاشتراكي باستبعاد المدعي، من الترشيح لعضوية اللجنة النقابية لشركة (.....) بدعوى أنه شيوعي وسبق اتهامه في القضية رقم (1163/1959) كلي جنوب القاهرة، وصدر الحكم فيها من محكمة أمن الدولة العليا بتاريخ 4 /6 /61 بالسجن خمس سنوات وغرامة مائة جنيه، كما تم ضبطه في 22 /1 /77 لاتهامه في القضية رقم (100) لسنة 1977م حصر أمن دولة عليا (تنظيمات شيوعية) وأمرت النيابة بحبسه حبساً مطلقاً.
وقد قضت المحكمة بإلغاء القرار المطعون فيه تأسيساً على أن الواقعة الأولى قد مضى على ارتكابها نحو عشرين عاماً، وذلك أنه لا يسوغ الاستناد إلى هذه الواقعة لترتيب أي أثر قانوني عليها بعد مضي هذه الفترة الطويلة خاصة وقد انقضت المدة المقررة قانوناً. لرد الاعتبار بالنسبة إلى الجريمة والحكم الصادر فيها.
أما بالنسبة إلى الواقعة الثانية فهي حبس المدعي على ذمة المحضر رقم (100) لسنة 77 مصر (أمن دولة عليا)، فإن الثابت أنه أفرج عنه بدون أن يشمله قرار الاتهام الذي صدر في تاريخ سابق على الاعتراض على ترشيح المدعي، مما يعني أن النيابة العامة قد افتقدت الدليل على اتهامه أو إدانته، ومن ثم، لا يجوز الاستناد إلى مجرد الاتهام الذي ثبت بالتحقيق وعدم قيام الدليل عليه، لترتيب أثر قانوني، ومن ثم فإن اعتراض (المدعي الاشتراكي) جاء منتزعاً من أصول لا تكفي للقول بقيام دلائل جدية على دعواه، أو اشتراك المدعي في الدعوة إلى مذاهب تنطوي على أفكار الشرائع السماوية، وتتنافى مع أحكامها، وبالتالي يكون القرار المطعون فيه المبني على هذا الاعتراض، الصادر باستبعاد اسم المدعي من الترشيح لعضوية مجلس إدارة اللجنة النقابية لشركة (.....) غير قائم على أساس سليم من القانون، مما يتعين معه الحكم بإلغائه.
3 - حق الترشيح لعضوية المجالس الشعبية:
ونسوق في هذا المقام الأمثلة الآتية:
1 - دعوى أقامها المدعي (.....) بطلب وقف تنفيذ وإلغاء اعتراض (المدعي الاشتراكي) باستبعاد ترشيحه لعضوية (المجلس الشعبي المحلي) عن (دائرة قسم الدقي)، بدعوى قيام دلائل جدية على إتيانه أفعالاً تهدد من حماية الجبهة الداخلية والسلام الاجتماعي.
وقضت المحكمة برفض الدعوى تأسيساً على صحة ما نسب إلى المدعي (.....) من إنشاء منظمة ترمي إلى تقويض النظم السياسية والاقتصادية والاجتماعية للدولة، وكان استعمال القوة ملحوظاً في ذلك بتشكيل منظمة شيوعية باسم (تنظيم العمال الشيوعي المصري)، ومن ثم، فإن ذلك يعتبر من الدلائل الجدية على إتيان أفعال تنطوي على الدعوة إلى مذاهب تنكر الشرائع السماوية، وتتنافى مع أحكامها.
2 - دعوى أقامها المدعي (.....) بطلب وقف تنفيذ وإلغاء قرار (لجنة فحص الاعتراضات) على كشوف المرشحين باستبعاد ترشيحه بصفته عامل ولعدم ثبوت هذه الصفة له.
وقد قضت المحكمة بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه، تأسيساً على أن المادة الثانية من القانون (38) لسنة 1972م في شأن مجلس الشعب، قد أقامت قرينة مقتضاها تحديد صفة المرشح من العمال والفلاحين على أساس الوصف الثابت له في 15 مايو سنة 1971م أو على أساس الوصف الذي رشح به في انتخابات سالفة، وهذه القرينة مؤداها نقل عبء الإثبات على عاتق من يدعي خلاف ما تقرره من حكم، وبمعنى آخر فهي قرينة بسيطة تقبل إثبات العكس وليست قرينة قاطعة. وعلى ذلك فإن تحديد الصفة ليس مانعاً من إمكان تغييرها من عامل أو فلاح إلى فئات متى ثبت أن المرشح قد فقدها، وبناءً على ذلك فإن صفة العامل أو الفلاح ليست مؤبدة لا تنفك عمن اتصف بها، على أن العبرة في تحديد الصفة للمرشح، هي بما يثبت في تاريخ الترشيح. فالثابت من أوراق الدعوى ومستنداتها أن المدعي يتمتع بصفة العامل، ومن ثم فإن قرار لجنة فحص الاعتراضات على كشوف المرشحين لعضوية المجالس الشعبية بمحافظة الدقهلية، باستبعاد ترشيح المدعي، لعدم ثبوت صفة المدعي كعامل يكون قد أقيم على غير سبب صحيح يسانده مما يتعين معه الحكم بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه.
4 - حق الترشيح لعضوية مجلس الشورى:
مثال ذلك الدعوى التي أقامها المدعي (.....) بطلب وقف تنفيذ وإلغاء قرار (لجنة الفصل في الاعتراضات)، بعدم قبول طلبه المرفق به قائمة غير حزبية للترشيح لانتخابات مجلس الشورى، ونعى على القرار مخالفته للدستور والقانون، على أساس أن إجراء الانتخابات لمجلس الشورى، على أساس الانتخابات بالقوائم الحزبية، وعلى أساس الأغلبية المطلقة لعدد الأصوات الصحيحة التي أعطيت في الانتخابات، يخالف نص المادة (8) من الدستور التي تكفل تكافؤ الفرص بالنسبة لجميع المواطنين، وعلى هذا الأساس لا يجوز حرمان أي مواطن من حق الترشيح، سواء عن طريق الانتخاب الفردي أو عن طريق الانتخاب بالقائمة غير الحزبية، فاشتراط القوائم الحزبية يمنع من تكافؤ الفرص بالنسبة للمستقلين.
وقضت المحكمة برفض طلب وقف التنفيذ، على أساس أن الظاهر من المادة الخامسة من الدستور أن النظام السياسي في جمهورية مصر العربية يقوم على أساس تعدد الأحزاب، والحزب هو كل جماعة منظمة تؤسس طبقاً لأحكام قانون الأحزاب السياسية رقم (40) لسنة 1977م، وتقوم على مبادئ وأهداف مشتركة، وتعمل بالوسائل السياسية الديمقراطية لتحقيق برامج محددة تتعلق بالشئون السياسية والاقتصادية والاجتماعية للدولة، وذلك عن طريق المشاركة في مسئوليات الحكم، وإن كان التشريح لعضوية (مجلس الشورى) هو مساهمة في النظام السياسي للدولة فيكون النص الوارد في المادة السابعة من قانون مجلس الشورى باقتضاء أن يكون الترشيح على أساس قائمة حزبية متفقاً وظاهر نص المادة الخامسة من الدستور، ويكون القرار المطعون فيه برفض ترشيح المدعي لعدم إدراج اسمه في قوائم أحد الأحزاب السياسية قد صدر بحسب الظاهر من الأوراق متفقاً وحكم القانون.
ولاحقاً تم تغيير النص الدستوري وترتب على ذلك حكم (المحكمة الدستورية العليا) بعدم دستورية قانون الانتخابات الأمر الذي أدى إلى صدور قرار بحل مجلس الشعب بناءً على دعوى أقامها أحد كبار المحامين المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين وهو (مختار نوح).
الحريات الاقتصادية :
تتضمن الحريات الاقتصادية - كما أسلفنا - حق الملكية والعمل، وحرية التجارة والصناعة.
وقد استقر القضاء الإداري في مصر - بالنسبة لحق الملكية - على أن الملكية الخاصة مصونة ولا يجوز المساس بها إلا في الحدود التي نظمها القانون، ومن ثم، فلا يجوز الحرمان منه أو تقييده إلا في الأحوال التي أجازها القانون، وبالإجراءات التي رسمها.
وبالنسبة لحق العمل، فقد قضت (محكمة القضاء الإداري)، في شأن إلغاء قراري رئيس مصلحة الجمارك بتعديل بعض أحكام تنظيم مزاولة مهنة التخليص على البضائع، بقولها إن القرارين المطعون فيهما تضمنا في جوهرهما ما قد يؤدي إلى الإضرار بمهنة التخليص والإجحاف بحقوق المستخلصين آية ذلك أن القرارين استحدثا شرطاً فيمن يزاول أعمال التخليص الجمركي على الرسائل التجارية هو أن يتخذ مكتباً له بمنطقة الجمرك الذي يزاول نشاطه الرئيسي فيه، كما تطلب من كل مكتب تخليص أداء تأمين نقدي قدره خمسة آلاف جنيه، ولا ريب في أن تكليف المستخلص الذي ليس له مكتب بمنطقة الجمرك، بالبحث عن مكتب خال يستأجره بتلك المنطقة، أو السعي لدى أحد المكاتب القائمة بقبول ائتماني له ومشاركته فيه هو ليس باليسير، فضلاً عما سيؤدي إليه عملاً من احتكار مهنة التخليص الجمركي، بالنسبة لقلة من أصحاب المكاتب القائمة التي ستتمكن في ظل هذه الظروف المستحدثة، من جذب غالبية المستخلصين للانتماء إليها، والعمل لحسابها، مع ما قد يستتبعه ذلك من استغلال وتحكم، وما قد يفضي إليه من تعطيل وبطالة بالنسبة لبعض المستخلصين، كما أن شرط التأمين جاء مجحفاً بحقوق المستخلصين إذ حدده سلفاً بمبلغ خمسة آلاف جنيه، ولم يعد أمر تقديره متروكاً لمدير عام الجمارك، بحسب كل حالة على حدة، وفقاً لحجم معاملات المستخلص، ومدى التزامه بأصول المهنة، ومن ثم، فإن القرارين المطعون فيهما يكونان قد صدرا مشوبين بعيب إساءة استعمال السلطة، لما انطويا عليه من شروط مجحفة بحقوق المستخلصين، ينوء بها كاهلهم، وتنذر بالإضرار بمهنة التخليص في ذاتها، وهو الأمر الذي يجعلهما مخالفين للقانون، حقيقين بالإلغاء.
أما بخصوص حرية التجارة فقد قضت (محكمة القضاء الإداري) بأنه لا يجوز أن يترتب على وقوع حادث جنائي بين قبيلتين، إغلاق السوق بدعوى المحافظة على الأمن، وخاصة إذا كان قد انقضى أكثر من سنة ونصف على وقوع هذا الحادث، دون أن يقع ما يخل بالأمن، وقد كان في مقدور الإدارة اتخاذ الإجراءات الكفيلة بمنع الحوادث، دون الالتجاء إلى إغلاق السوق، حتى إذا ما اضطرتها الظروف إلى اتخاذ هذا الإجراء الشديد، كان هذا بالقدر المناسب ولمدة قصيرة من الزمن، أما استمرار تعطيل السوق - الذي لا يدار إلا يوماً واحداً في الأسبوع - حتى يتم الصلح، فهذا ما لا يصح التسليم به، ويكون القرار الصادر بتعطيل السوق قد جانب القانون، ويتعين لذلك إلغاؤه.
أستاذ علوم القانون الجنائي - جامعة صنعاء
فيس بوك:
بريد إلكتروني:
الموقع الإلكتروني:
(مصر نموذجاً) القضاء حصن الدولة المدنية ( الحلقة الأخيرة )
أخبار متعلقة