الإسلامويات الإخوانية في ظل التحولات تعيش صدمات متلاحقة ومتنوعة، فالانتفاضة التي تخلقت من خلال حراك الشباب ليست إلا انبثاقاً ليبرالياً يبحث عن مستقبل مختلف عن العدالة وأشواق الحرية في واقع تقليدي تجسيده الأكثر فاعلية المعيق للتغير الجذري والشامل هو الإسلاموية. مع الاحتجاجات انحرفت الإخوانية باتجاه تبني خطاب ثوري مناقض لطبيعتها، لذا فقد كان الخطاب مشوشاً ومتهوراً وبلا ملامح واضحة، أصابها الذعر من حركة الشارع لأنها القوة الأكثر قدرة على تدمير الماضي والقوى التي تحميه.
حرك الإخوان طاقتهم باتجاه احتواء الفعل الثوري التلقائي والتحكم فيه وتحويله إلى فعل محاصر بآلتها التنظيمية الضخمة ومن خلال إعادة صياغة وجهها بشرعية ثورية، لم يتبن الإخوان عبر مناهجهم فكرة الثورة بل كانوا ضداً لها، ولم تستوعب طبيعة ومغزى الشعارات التي حركت الشباب والقوى الجديدة التي افرزها واقع التحولات الداخلية والخارجية بل إن الإخوانية مناهضة فعلياً للقيم التي أسست للانتفاضة وهذا يفسر طبيعة حكمها اللاحق الاحتجاجات ردود الفعل على سيطرتها من قبل القوى الجديدة لأن الأحداث اللاحقة أثبتت أن الإسلاموية نقيض لطبيعة المسار الذي أنتجته الانتفاضة.
والمراقب سيجد الواقع بعد أن أمسكت بزمام القوة وكأنها تعيد إنتاج الماضي بشكل مضاعف وتقود معركة لمواجهة الجميع ومحاصرة الطاقة الأكثر فاعلية في الفعل الثوري ودخلت في صراعات شتى لمواجهة المقاومة التي أنتجتها سيطرتها وإستراتيجيتها في بناء قوتها، لذا فإن خيارها لتجاوز معضلة كهذه أن تنتج استبداداً مركباً في المجتمع والدولة، ولأن الأمر مستحيل بفعل الحراك المناهض لمعوقات التغيير ونتيجة لتركيبة القوة المتنوعة والمعقدة في المجتمعات وخياراتها المتناقضة مع الإسلاموية فإنها ستجد نفسها أمام خيار أحدث تحولاً في الأيديولوجيا، ولان هذا الأمر يحتاج إلى وقت وتجربة وقد يدخلها في صراعات بينية يفقدها تماسكها الراهن في مواجهة الجميع لهذا ستتحول إلى بؤرة لإنتاج صراعات في كل الاتجاهات وهذا الصراع قد يجعلها ضحية لثورة فعلية قادمة ستنتج عن مخاض قد يأخذ سنوات وربما أكثر.
أما الصدمة التي ستعاني منها باستمرار تتركز بجوهر مطالب الانتفاضات والتي ركزت على حقوق الإنسان وتفعيل دور الفرد كذات فاعلة متحررة من سياق هيمنة الطائفيات بشتى أنواعها، ولأن الإسلاموية الإخوانية بحكم تركيبتها تشكل طائفية متحيزة للتنظيم وأيديولوجيته فقد شكلت قوة مضادة للتغيير المأمول من قبل القوى الجديدة، وأصبح التنظيم معسكراً مغلقاً متحفزاً لخدمة الأيديولوجيا باعتبارها الحق وتحول الأفراد في بنيته إلى فاعلين لمواجهة الآخرين باعتبارهم أعداء مناهضين لله ولرسوله ولشرعه وللمرشد السيد الأول في الدولة والمجتمع.
من جهة أخرى لأن الحراك الذي أنتج الانتفاضة متماهٍ مع الانفتاح على العالم وهو نتيجة لعولمة مكتسحة لمجتمعات مغلقة ومحاصرة في ثقافة مناهضة للحرية والتواصل مع الآخر شكلت الإسلاموية حلقة منظمة وضخمة معيقة لتحول إيجابي باتجاه التغيير الحامل للفكرة الإنسانية وأصبحت الإسلاموية متماهية مع مصالح السيطرة الخارجية لا مع الانخراط في العالم بما يساعد على بناء قوة قادرة على المنافسة بثقة، وأصبح المجتمع والدولة محاصرين بتقليديتها وبأيديولوجية تبرر التواصل مع العالم بما يساعدها على بناء قوتها في مواجهتها مع منافسيها وخصومها، وليس مهماً أن تفقد الأوطان ثقتها وعزتها.
أما صدمة الحرية بالنسبة لها فإشكالية أكثر تعقيداً فالأيديولوجيا الشمولية هي الأشكالية, لا يمكنها أن تنسجم مع الحرية، لأن تفعيلها يقود إلى حصارها وتحرر الأفراد من الأوهام التي تنتجها الأيديولوجيات الشمولية، وتفتح الحرية أفقاً للنقد وهذا سيفكك تماسكها الحالي ويهز عرش خطابها الدعائي الغوغائي المثير لغرائز الجمهور، وكلما تجذرت الحرية تفقد الإسلاموية هيبتها، ولان الحرية طريق العقل لاكتشاف واقعه وتدمير القيود التي تعيق الإنسان من التقدم.
ولأن الأيديولوجيا الشمولية سمها مرتبط بتفعيل الحرية فإنها ستنتج قمعاً للفكرة المحورية لفكرة الثورة والمرتبطة بتأسيس الحرية، مع ملاحظة أن الحرية ترتبط لدى الإسلاموية بالآليات الديمقراطية وهي في سعيها الديمقراطي تنتج نقائضه ناهيك أنها تريد تحويلها إلى طاقة مسنودة بقوة الدولة والتنظيم لفرض هيمنتها كمدخل لإعادة وعي الجماهير بأدوات القمع المتنوعة.
والصدمة الأكثر مثيرة للجدل أن الإسلاموية وجدت نفسها بفعل الحراك تتبنى شعارات القيم المدنية التي أنتجتها التجربة الأوروبية وهي قيم غير منسجمة مع بنيتها الأيديولوجية التي راكمتها خلال صراعها وانتجت جدران عازلة في وعي كتلتها التنظيمية مناهضة لتلك القيم، وفي سعيها من أجل الكرسي تبنتها النخبة ومع الاحتجاجات أصبحت الكتلة التنظيمية مجبرة على التأكيد على القيم الجديدة، ولأن الوعي الإسلاموي المؤدلج معيق لها فقد أربكها وأحدث خللاً مقلقاً لتماسكها، لذا لجأت إلى تبرير التبني بطبيعة المرحلة والصراع، ولكي تتجاوز جدلاً قد يقود إلى تناقضات مؤلمة جعلها تبحث عن أعداء بشكل دائم واندفعت في الصراع السياسي مستخدمة أدوات انتهازية وتبرير كل فعل مناهض للقيمة والمبدأ بمنطق سياسي مبرر دينيا وصياغة وعي كتلتها لصالح صراع بناء القوة بأدوات واقعية غير منسجمة مع القيم المدنية ومتناقضة مع القيم الدينية وهذا ولد انفصاماً لدى أعضائها وأصبحت مشتتة ما بين الأيديولوجية والخطاب الجديد والواقع بتحولاته المذهلة وتناقضاته وصراعاته.
الصدمات التي تواجهها الإسلامويات كثيرة وهذا ربما يفسر انخراطها في إدارة الصراع بمنهج وأدوات انتهازية، وكلما اشتد الحصار عليها وزادت الصدمات تحول أعضاؤها إلى قوة متهورة للسيطرة على الموارد لإشباع حاجاتهم والتعامل مع المسألة باعتبارها إرادة الهيئة للتمكين للفئة المؤمنة.
وما يزيد الأمر تعقيداً أن الأيديولوجيا الإسلاموية لا تملك شروعاً واضحاً، وإنما خطاب عام وشعارات كلية، لذا وجدت نفسها فجأة تمارس واقعية سياسية حولت التنظيم الإسلاموي إلى قوى مصالح يديرها تنظيم مشكل من خلفيات اجتماعية مختلفة تجمعها أيديولوجيا غير منسجمة مع الحركة الاجتماعية التي أنتجها واقع التحولات وهذا الأمر سيحولها إلى ضحية لحركة اجتماعية أقوى منها ولو بعد حين!!
الصدمات الأقوى التي ستواجهها الإسلاموية الإخوانية وغيرها من الإسلامويات لم تأت بعد فالسلوك التصويتي بعد الانتفاضة لصالح الإسلاموية مبني على أمل مخلص للخطاب الديني واعتراض على ماض لم يكن قادرا على الاستجابة لحاجات الواقع ومتطلباته ومع الفشل الذي يتراكم يومياً فإن الخطاب الإسلاموي سيتحول إلى فضاء مدان ومرفوض مع الوقت وستفقد الإسلاموية قدرتها التحشيدية وهذا سيحاصرها في تشكيلات نخبوية قد تتفكك أو تنتج عنفاً أو تتحول إلى جماعة مصالح لخدمة مشروع أقلية مهيمنة على التنظيم الإسلاموي!!
الإخوان وصدمات المرحلة الجديدة
أخبار متعلقة