لو تمعن أحدنا في مغزى التسامح لوجد أن المتحلي بهذه الفضيلة الإنسانية الرفيعة يحتفظ برأيه لنفسه وفي الوقت نفسه يسمح بمساحة للرأي الآخر المختلف عنه لكي يعبر في تلك المساحة عن رأيه بشكل مغاير وهذا السلوك هو الأسلوب الديمقراطي الذي يذكرنا بسلوك أحد زعماء الثورة الفرنسية القائل: “قد أختلف معك في الرأي ولكني على استعداد أن أضحي برأيي من أجل أن تقول رأيك بحرية”.
فما أحوجنا هذه الأيام لمثل هذا السلوك الحضاري المتسامح.
ولو تمعن أحدنا أيضاً في مغزى نكران الذات لوجد أن المتحلي بهذه الصفة والخصلة الرفيعة يقدم مصلحة الوطن العليا قبل مصلحته الفردية الضيقة .. فما بالك لو جمع هذا الفرد أو غيره بين التسامح مع الآخر المختلف عنه وبين نكران الذات فإنه عندها سيكون محبوباً لدى الجميع ومقبولاً لديهم بل ومرضياً عنه ويمكن أن يختاره الجميع ليعبر عن روح الجماعة ويكون خير من يمثلهم أو ينوبهم لأنه عنصر توفيقي بينهم.
كذلك فإن المتحلي بفضيلة التواضع والذي يؤثر الآخرين على نفسه ولا يعرف الكبر والغرور ولا تأخذه العزة بالإثم ويؤمن بنسبية المعرفة وعدم الإحاطة بكل شيء ويستشير المختصين ولا يستغني عن توجيهاتهم ولا يصر على رأيه وتصلبه وعناده، فهذا من الذين يقبلون الحوار والنقاش والمداولة والجدال بالحسنى لأنه شخصية مرنة في تفكيرها وسلوكها ويمكن الاستفادة منها في هذه المجالات الحوارية والإصلاح بين الناس خاصة إذا جمعت هذه الشخصية بين النظرة والرؤية الشاملة والتكاملية للأمور وبين بعد النظر والأفق الواسع ولا تنظر للمسائل نظرة ضيقة من زاوية واحدة أو من منطقة ضيقة أو من جزئية صغيرة.
ومن خصال المحاور الناجح أيضاً اتصافه برحابة الصدر في تقبل الآراء دون تشنج أو عصبية بل يتقبلها بروح رياضية مما يدلل على فهمه وسعة اطلاعه على أمور الحياة وفقه الواقع وقدرته على الجدال والمحاججة ودحض الدليل بالدليل والبرهان بالبرهان وامتلاكه مقدرة إبداعية في تحليل وتشخيص المسائل والقضايا واستنتاج النتائج واستنباط الحلول وامتيازه بالواقعية في التفكير عندما يلامس قضايا الناس ومشاكلهم وهمومهم حتى يصلح أن يكون معبراً عن تطلعاتهم وآمالهم وليس ممن يتصف بالخيالية والرومانسية والفنتازيا، ويعيش في كوكب آخر غير كوكب الأرض وله أفكار شاذة خاصة به مختلفة عما تعارف عليه الناس وكأنها من واقع آخر غير واقعنا.
المحاور المناسب هو الذي لا يسخر من محاوره أو يحاول الانتقاص منه أو تسفيه أفكاره أو يحول قضية الحوار الوطني الموضوعية إلى مسألة شخصية لإبراز مواهبه الفردية وكأنه يمتدح نفسه وكأن قضية الحوار هي مسألة مهزوم ومنتصر. المحاور الحقيقي الصادق مع الله ومع الناس ومع نفسه، الذي دائما ما تجد لديه إحساساً بالمسؤولية هو ذلك المحاور الذي همه الأول والأخير هو البحث عن الحقيقة وإيجاد الحلول المناسبة للقضايا والمشاكل حتى وإن كانت قد وردت على لسان محاوره المختلف عنه لأنه يعتبر قضيته هي قضية الإصلاح والتنمية ورفاهية الإنسان وأمنه واستقراره وما الحوار إلا وسيلة من الوسائل الحضارية وليس غاية في حد ذاته.
من أخلاقيات ثقافة الحوار
أخبار متعلقة