نحتفي هذه الأيام بمرور تسعة وأربعين عاماً على قيام ثورة الـ 14 من أكتوبر المجيدة التي غيرت مجرى التاريخ اليمني.. هذه الثورة التي فجر شرارتها أحرار اليمن من على قمم جبال ردفان يوم الـ 14 من أكتوبر 1963م ضد الاستعمار البريطاني البغيض الذي جثم على جزء عزيز من وطننا الحبيب لعقود من الزمن، الثورة التي امتدت نيرانها إلى كل مكان من اليمن، وكانت مدينة تعز.. تعز النضال والصمود على مدى التاريخ هي مفتاحها فمنها انطلق الثوار وعلى تراب هذه المدينة شكلوا قيادة لهم وأقاموا معسكرات للتدريب وعبر شرايينها تم إمداد الثوار بالمال والعتاد والرجال، فالحديث عن دور تعز في الانتصار للثورة اليمنية إنما هو محاولة للاقتراب من عمق الحقائق التاريخية، وما أكثرها، فتعز كانت وما تزال حاضرة بقوة في المشروع الوطني الحضاري الهادف إلى بناء الدولة اليمنية المؤسسية الديمقراطية الموحدة الحديثة..دولة النظام والقانون والمواطنة المتساوية، وهذا الحضور في بلدٍ متخلف وتكوينات اجتماعية تعود إلى ما قبل المرحلة الإقطاعية تجد نفسها دائماً في صدارة من يقدمون التضحيات في سبيل هذه التوجهات ويكون أبناؤها أول الضحايا، لأن القوى القبلية والمناطقية والانتهازية تجد بخبرتها مستندة إلى عضلاتها المتمثلة في تماسك تكوينها الاجتماعي ضحية، وينطبق عليها قول أحد أبنائها الشعراء الشباب، (كانت تكنا زمان الحصار بأم البطل وبعد الحصار بنت عبد ربل) ، وفي هذا القول التهكمي الساخر الكثير من الحقيقة كما هو واضح حتى الآن في نتائج الثورة الشبابية السلمية ،بكل تأكيد نحن لا نطالب باستحقاقات لتعز وأبنائها ثمناً لما قدموه من تضحيات ،كما تفعل بعض مراكز القوى التي استطاعت عبر إدعائها النضال والتضحية الحصول على الثروة والنفوذ.. تعز تريد فقط دولة مدنية دولة نظام وقانون ومساواة في الحقوق والواجبات.. تريد النهوض والتطور والرقي لليمن كله، لكن الوعي المتخلف والعقلية الفيدية يعتبر ذلك ضعفاً وبالتالي تصبح تعز وأبناؤها موضوعاً فيدياً لهذه العقلية المدمرة التي لا تستطيع أن تمارس فسادها إلا بعد انتصار مشروعها الصغير بإقصاء وتهميش “ الحالمين من أبناء الحالمة “ الذين آن الأوان ليفيقوا من حلمهم ويتعاطوا مع الواقع كما هو دون أن يتخلوا عن مشروع الدولة المدنية، دولة المواطن الذي لا مكان فيه للضيم والظلم والفساد “العسقبلي” الذي أوصل اليمن ووحدته وأمنه واستقراره وحاضره إلى ما نحن عليه اليوم .
لقد كانت تعز تتصدر الدفاع عن انقلاب سبتمبر الذي بفضل أبنائها وأبناء المحافظات المدنية تحول إلى ثورة، وكانوا في صدارة من أعدوا ومهدوا لثورة 14 أكتوبر وفي صدارة الثورة الشبابية الشعبية السلمية، وسيكونون كذلك لأن هذا قدرهم ، ولكن بوعي جديد أستوعب دروس الماضي القريبة والبعيدة وإن لم يكونوا كذلك سيكونون كما كانوا دائماً “ شقاة “ يعانون الإقصاء والتهميش، فلا يكفي أن تثور في وجه الظلم، بل عليك أن تمسك بزمام الثورة ،وهذا هو المطلوب، الدولة المدنية المؤسسية القادرة على النهوض والبناء والتقدم والتطور..!
تعز والثورة اليمنية
أخبار متعلقة