لا يوجد إنسان معاق.. وإنما يوجد مجتمع يُعيق!
تقرير / ماجد الأعور الإعاقة ظاهرة عالمية، تعاني منها كل دول العالم بنسب متفاوتة؛ بيد أنها تتفاقم كلما اتجهنا صوب البلدان النامية. وهي مشكلة تؤرق وتقلق كل فئات المجتمع، أفرادا وأسرا، منظمات حكومية وغير حكومية، حتى غدت تحتل مركزاً مهما وحيويا في الخطط المستقبلية والبرامج التنموية والاستراتيجيات الوطنية النوعية على كافة المستويات، بهدف معرفة أسبابها، آثارها، وطرق علاجها وانعكاساتها على المجتمع. اليمن إحدى هذه الدول الآسيوية النامية، وهي تعاني كغيرها من الدول من مشكلة الإعاقة، ومن تزايد نسبتها وتعقد نوعيتها، خاصة في ظل الأحداث التي شهدتها، والتي أثرت بشكل مباشر على تزايد أعداد المعاقين. حيث خلفت تلك الأحداث أكثر من 27 ألف معاق، ناهيك عن تفشي الفقر والجهل والمرض الذي يمثل بيئة خصبة لانتشار الإعاقة في أوساط اليمنيين. هذا بالإضافة إلى الحوادث المرورية التي تسجل أعلى نسبة في أسباب الإعاقة.وما يزيد من تفاقم مشكلة الإعاقة في اليمن، واتساع رقعتها وتعقد نوعيتها، انتشار الفقر؛ فأكثر من 60 % من اليمنيين يعيشون تحت خط الفقر، وارتفاع نسبة الأمية خاصة في الأوساط الريفية، فتصل بين النساء إلى 70 %؛ وهو ما يزيد من صعوبة التعامل مع الحالات المرضية التي تتحول إلى إعاقة دائمة بسبب غياب الإرشاد والتوجيه الكافي ووقوف الأسر عاجزة أمام تطور حالات الإعاقة، ما أفرز أرقاما مخيفة لتزايد أعداد المعاقين. وبحسب إحصائية للاتحاد العام للمعاقين في اليمن، فإن معدل الإعاقة يبلغ حاليا ما يقرب من مليونين و300 ألف حالة، تتنوع بين إعاقات جسدية وذهنية. ناهيك عن ضعف الدور الحكومي وغياب الجانب المعرفي لدى الجهات الرسمية وصناع القرار بحقوق المعاقين؛ فهذه أمور ضاعفت من معاناة المعاق. وعلى الرغم من إصدار بعض القوانين والتشريعات والقرارات التي كفلت للمعاقين الحصول على حقوقهم الدستورية والقانونية؛ إلا أنها مازالت حبرا على ورق. فهي بنفسها وُجدت معاقة حركيا، وبالتالي لم ينتج عنها أي تحرك لتمكين المعاقين من المشاركة في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية كضرورة للدمج المجتمعي، وإتاحة الفرصة للاستفادة من الطاقات والخبرات التي يمتلكها الكثير من ذوي الإعاقة. وهنا ظهرت العديد من المؤسسات والجمعيات الإنسانية لمحاولة سد الفجوة بين حجم الإعاقة وعدد المعاقين، وبين مستوى الخدمات المقدمة من الحكومة. لكن عراقيل كثيرة وقفت أمام جهود هذه المنظمات؛ منها موقف المجتمع السلبي من الإعاقة خاصة إعاقة المرأة، والتي مازال ينظر إلى إعاقتها بشيء من النقص والعار، بدءا من الأسرة التي تحاول أن تخفي ابنتها المعاقة وتعاملها بشيء من الدونية وتحجبها عن الضوء لتواجه مصيرها بعيدا عن الأنظار، مرورا بالمجتمع الذي ينظر للإعاقة على أنها جريمة، وللمعاق كمذنب يعاقب بالحرمان والإقصاء من الأعمال الرسمية. فالتصور السائد هو أن المعاق لا يمكنه أن يقدم شيئا لأهله ووطنه. ومن هذا الحكم الخاطئ يتم التعامل مع المعاق. من المشاكل أيضا ندرة وجود مراكز ومعاهد لتنمية القدرات والطاقات الجسمية والعقلية لدى المعاقين، وتوفير الاحتياجات اللازمة لتأهيلهم وتمكينهم من تنمية واستثمار هذه القدرات والطاقات في عملية التعلم واكتساب المهارات، للمشاركة في الحياة الاجتماعية وفي عملية التنمية، والاستفادة من التطورات العلمية والتكنولوجية الهائلة التي أحرزتها كثير من الدول المتقدمة والنامية على حد سواء في استراتيجيات وأساليب وسياسات التأهيل والأجهزة التعويضية المساعدة، بحيث تبدأ عملية التأهيل بالتدخل والإدماج المبكرين وتنتهي بالحصول على فرص العمل والدخل المناسب، والمساعدة على الاستقرار الفعلي في العمل والحفاظ على مصادر الدخل، مع محاولة إبراز نماذج من القدرات المتميزة لدى الأشخاص المعاقين الذين توفرت لهم فرص التأهيل والعمل، وبعض الطرق المتبعة في إبراز الجدوى من تأهيل وتشغيل المعاقين.وعلى الرغم من التحديات والصعوبات التي تواجه المعاقين في اليمن؛ إلا أن شخصيات ومؤسسات برزت وكان لها الأثر الكبير في تحدي الإعاقة والوصول إلى قمم النجاح. فكانت مؤسسة التحدي ورائدتها الأستاذة جمالة البيضاني (رحمة الله تغشاها) قبلة للمعاقين والمعاقات من مختلف الأعمار من ذوي الإعاقات الذهنية والجسدية، حيث قدمت أروع الأمثلة في تحدي الواقع وشيدت صرحا آمنا للمعاقات وجدن فيه دفء الأم وحنان الأسرة وحياة المجتمع، نشأة وتربية، تأهيلا وتدريبا، ومناخا إبداعيا لتنمية القدرات والمهارات. فبرز من المعاقات متميزات في مجالات عدة. ولا عجب في ذلك، وهن ينظرن إلى الأم الأولى والمعلمة القدوة وهي تحلق في سماء الإبداع والتميز، بعد أن حولت محنتها إلى منحة أهدتها لكل فتياتها وبنات جيلها. فسطرن الكثير من قصص النجاح والتغلب على الإعاقات المتنوعة؛ ليظل الإنسان اليمني، ذكرا أو أنثى، قادرا على صنع المستحيل إذا ما توفرت له الإمكانيات.