لم يصدق باراك أوباما عينيه وهو يقرأ رسالة ايرانية وضعها على مكتبه وزير الخارجية جون كيري الذي تسلمها من السفير العماني في واشنطن.انها «فرصة العمر». سيكتب عنه التاريخ انه الرئيس الذي انهى التدخل العسكري في العراق ويوشك على انهائه في افغانستان، وها هو الطريق ينفتح امامه لحل نزاع مع دولة تقلق الولايات المتحدة والعالم منذ 33 عاما. ابتلع اوباما الطعم بسهولة.بعد بدء المفاوضات الثنائية السرية في مسقط، استجاب «المايسترو» خامنئي لضرورة طمأنة المستمع الاميركي، فطرد «قارع الطبول» احمدي نجاد ، وسلط الضوء على «عازف البيانو» روحاني، فنال هذا 17 مليون صوت في انتخابات كانت معروفة النتائج سلفاً في واشنطن.ولم يكن مفهوما وقتها لماذا علا فجأة صراخ الاسرائيليين الذين صاروا يهددون بشن حرب على ايران بمفردهم، الى ان بدأت التسريبات عن المفاوضات، قبل ان تؤكد واشنطن رسميا حصولها، وينضم اليها الاوروبيون والروس. لكن الدول الاربع الكبرى وألمانيا، اي باستثناء الاميركيين، تفاوض فقط في الملف النووي. اما سائر القضايا فيتولاها «اليانكيز» وحدهم.كان الايرانيون يعرفون ان في قبالتهم رئيسا اميركيا يتوق الى تمييز نفسه عن اسلافه ليس فقط بسبب اختلافه العرقي، بل لانه خدم مصالح بلده افضل من القادة البيض الذين سبقوه، فاعتبروا ان بإمكانهم استغلال هذه الرغبة الى اقصى حد.ولهذا وضعوا اوباما امام خيارين كلاهما يصب في مصلحة طهران: اذا رغب في «صفقة شاملة»، فهذا يعني ان عليه الاعتراف بالنفوذ الايراني في الاقليم واقناع حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة بتخفيف رفضهم لدور طهران في مقابل موافقتها على تقليص محسوب لنشاطها النووي. اما اذا اراد حصر التفاوض بالملف النووي، فهذا يعني انه يعترف ضمناً بطموحات ايران الاقليمية ولن يفعل شيئاً لعرقلتها، وعلى اي حال لن يكون قادراً على فعل شيء لان ذلك قد يطيح الاتفاق النووي ويحبط آمال الشركات الاميركية والاوروبية التي بدأت تفرك ايديها فرحاً بالسوق الجديدة الواعدة.واجهت الرئيس الاميركي الذي اختار التسوية الشاملة مع طهران، عقبتان لم يستطع تجاوزهما حتى الآن: رفض دول الخليج العربية تقديم اي تنازلات لايران على حساب أمنها، على رغم تفهمها للواقع الجيوسياسي الذي يحول دون تجاهل الدور الايراني، لكنه لا يمنع رسم حدود له. والثانية تتمثل في الازمة السورية المفتوحة على كل الاحتمالات، والتي لم تعد اميركا وأوروبا تريان فيها سوى «تهديداً إرهابياً».حاول اوباما خلال زيارته الى الرياض تليين الموقف السعودي والخليجي من التوغل الايراني في المنطقة، فلم يفلح كثيرا. اما في سورية، وبعد امتناعه عن التدخل العسكري، وبعدما اجهضت موسكو وطهران مؤتمر جنيف الثاني، فاختار ان يختبر اقتراحاً ايرانياً يقوم على التجديد لبشار الأسد في السلطة، طالما ان قلق واشنطن من المتشددين يتقدم على ما عداه.وهكذا، تستمر الخديعة الايرانية، لكن برضا اوباما واختياره، سواء عبر دعمه للمالكي في العراق، او بضغطه من اجل «اصلاحات» في بعض دول المنطقة تستفيد منها ايران، او بموقفه المتردد من دعم النظام الجديد في مصر بعد طرد «الاخوان»، او لاعتقاده بأن حرب استنزاف مضبوطة في سورية ستضعف الاطراف جميعاً وتقلص مع الوقت الدعمين الروسي والايراني لنظام الاسد وتجعل التوصل الى تسوية سياسية امراً ممكناً.لكن قبول الاميركيين ايران شريكاً غير معلن في «الحرب على الارهاب» يعني على الارض السماح بنكسات متوالية للمعارضة السورية، والتجديد لنظام المالكي الفئوي في العراق من دون اي ضمانة بأن كل هذا سيجعل الولايات المتحدة وأوروبا أكثر أمنا.
كيف خدع الإيرانيون أوباما
أخبار متعلقة