احتياجات الأطفال الموهوبين... ومشكلاتهم
كتب/ أ . فارس قايد الحدادللأطفال الموهوبين شأنهم شأن غيرهم من الأطفال العاديين بعضُ الحاجات الشخصية؛ مثل الحاجة إلى الحب، والأمن، والتقبل، بالإضافة إلى ذلك، فإن لهم بعض الحاجات الخاصة التي أسماها (ماسلو Maslo 1954): حاجات المرتبة العليا، وهذه الحاجات هي: (المعرفة، والقيم، وتحقيق الذات).كذلك للأطفال الموهوبين حاجات أخرى؛ مثل حاجاتهم إلى أن يُعامَلوا كأطفال لا كرجال بالغين، وحاجاتهم إلى التقدير لكونهم أطفالاً، وليس لكونهم يستطيعون القيام ببعض الأعمال بدقة وامتياز.ويحتاج الطفل الموهوب أيضًا إلى فرصة لتطوير الهوية وتدعيم الإحساس بالأمن، وتزويد القدرة الثقافية والنوعية بتعميق فهم الآخرين لهم، كما تشمل الحاجات الخاصة بالأطفال الموهوبين ما يلي:الحاجة إلى مزيد من الإنجاز؛ ليناسب ما لديهم من قدرة عالية ودافعية نحو ما لديهم من قدرات وإمكانات،وإلى مزيد من تقدير الآخرين، ليناسب ذلك ما يشعر به الموهوبون نحو أنفسهم، وما تؤكده إنجازاتهم، إلى جانب الرعاية والاهتمام والتوجيه؛ ليتناسب مع دقة المهمات والمنجزات المنوط إنجازها، ولكيلا يشعروا بالإهمال في المنزل أو المدرسة أو مكان العمل، حيث هم بحاجة إلى برنامج دراسي خاص، وتفريد التعليم؛ لأن الموهوب سيشعر بالملل والضجر إذا ما انخرط في برنامج دراسي عادي، ومن جهة إلى مزيد من النشاطات المنهجية واللامنهجية المتعلقة بميوله ورغباته وقدراته؛ مثل الزيارات الميدانية، والعمل المدرسي الإضافي؛ وذلك بسبب قدرته الفائقة على الإنجاز.وفي الأخير الموهوب بحاجة إلى الاندماج الاجتماعي؛ ليوفر الأصدقاء والعمل المتعاون مع الآخرين، ولكيلا يشعر بالغربة والفردية.[c1]مشكلات الأطفال الموهوبين[/c]تواجه الأطفالَ الموهوبين مجموعةٌ من المشكلات، مثلها مثل المشكلات التي تواجه أقرانهم من الأطفال العاديين أثناء نموهم، ولكن بالإضافة إلى ذلك فإنهم يواجهون أنواعًا أخرى من المشكلات الخاصة والنوعية، والتي لا يواجهها أقرانهم من الأطفال العاديين، ولا ترجع هذه المشكلات إلى امتيازهم وعبقريتهم، بقدر ما ترجع إلى موقف الآخرين منهم واستجاباتهم لمواهبهم، وبالتالي إلى موقف هؤلاء الأطفال نحو أنفسهم، وشعورهم نحو عبقريتهم، ولا بدَّ لكي نساعد هؤلاء الأطفال الموهوبين لكي يحافظوا على مواهبهم وتنميتها، يجب علينا أن نقف على هذه المشكلات، ونحاول الوقوف على طبيعتها وفهمها، كما يجب العمل على مواجهة هذه المشكلات، أو على الأقل التخفيف من حدتها، كما يمكن تحديد أهم المشكلات التي يواجهها الأطفال الموهوبون فيما يلي:[c1]مشكلة تدني الإنجاز والأداء [/c]ويقصد بذلك أن يكون أداء الطفل دون مستوى ما يملكه من الاستعدادات والإمكانات؛ ولهذا الأداء المتدني مظاهر وعلامات عديدة تدل عليه؛ منها انخفاض مستوى تحصيل الطفل، ومستوى مهاراته في أداء الأشياء التي كان يؤدِّيها بسهولة من قبل، وتعدُّ مشكلة تدني الإنجاز واحدة من أكثر مشكلات الموهوبين حدوثًا؛ مما جعلها محل نقاش وبحث على نطاق واسع، الأمر الذي أدَّى إلى التوصل إلى أفضل طريقة للتعامل معها، وهي أن نكتشف أسباب ضعف مفهوم الطفل الموهوب عن ذاته، ونعمل على علاج هذه الأسباب.[c1]الطفل الموهوب في المدرسة[/c]تتعدَّد وتختلف مشكلات الطفل الموهوب داخل المدرسة؛ حيث إنها تبدأ عندما تحاول المدرسة وضع هذا الطفل في قالب تقليدي، دون أن تضع في الاعتبار اختلافه عن الآخرين، ولا تقدر المدرسة هذا الاختلاف؛ حيث إن الطفل الموهوب من الممكن أن يُنهِي واجباته المدرسية بسهولة وسرعة؛ مما يولد عنده وقتًا كبيرًا من الفراغ يعاني منه الطفل الموهوب، كما أنه يستوعب المواد الدراسية بسرعة؛ مما يؤدي إلى إحساسه بالملل والضجر داخل الفصل، ويولد داخله نوعًا من النفور والكراهية للمدرسة.كما يؤدي عدم قدرة المدرس على فهم حاجات الطفل الموهوب فهمًا جيدًا، وتقديره، وتقبله، ومطالبته بالقيام بنشاط أقل من مستواه العقلي بكثير - إلى تأخير الطفل الموهوب في تعلم القراءة الكتابة، ومن ثَم يتأخر دراسيًّا عن باقي أقرانه، ولا يرجع هذا التأخير الدراسي إلى نقص في القدرة العقلية أو التحصيلية للطفل الموهوب، كما يتبادر إلى ذهن بعض المسؤولين عن تعليمه، أو كما يعتقد والدا هذا الطفل، ويجعلهم ينعتون طفلهم بالغباء والإهمال واللامبالاة؛ حيث إن معظم الناس يقيسون القدرة العقلية بمقدار ما يحرزه الطفل من نجاح في حياته المدرسية، ولكن هذا لا ينطبق على الطفل الموهوب؛ حيث إن تأخره الدراسي إنما يعود إلى الظروف التي وُضِع فيها، وعدم ملاءمتها لحالته العقلية العالية ومستوى ذكائه المرتفع.وهناك مشكلات أخرى يعاني منها الطفل الموهوب داخل المدرسة؛ مثل صعوبة التكيف سواء مع المدرسين أو زملائه داخل الفصل، كذلك عدم قدرة المدرسة بكل ألوان النشاط التي تمارس فيها تفجيرَ طاقاته، وتوجيه مواهبه، وتطويرها بالشكل الذي يظهرها ويصقلها، ويجعله أكثر امتلاكًا لها.[c1]عدم اهتمام المنزل بالطفل الموهوب[/c]ربما كان من أهم الأخطار التي قد يتعرَّض لها الطفل الموهوب هو عدم اكتراث والديه بمواهبه العقلية أو الفنية، وقد يصل الأمر بالوالدين إلى حد خنق هذه المواهب أو قتلها، وفي بعض الأحيان لا يشعر أولياء الأمور إطلاقًا بتلك المواهب التي لدى طفلهم، ولكن في كثير من الحالات يخشى أولياء الأمور أن يَحُول نبوغ الطفل دون استمرار تفاهمهم معه، دون أن يفلت زمامه من أيديهم، فلا يستطيعون بعد ذلك كبح جماحه، وهناك أسباب أخرى من أجلها يخشى الآباء الاعتراف بمواهب طفلهم ومساعدته على تنميتها، فقد يتصور البعض أن امتياز الطفل في مواهبه قد يَحُول دون تكوين علاقات طيبة وصداقات بينه وبين الآخرين، وكذلك خوف بعض الآباء من اعتقادهم بوجود علاقة وثيقة الصلة بين النبوغ والجنون، وأن الموهوبين أكثر تعرضًا للأمراض النفسية من الأفراد العاديين، وثمة عدد قليل من الآباء لا يشجِّع طفله على تنمية قدراته؛ وذلك لأنه يشعر نحوه بالحسد والغَيرة، ومهما تكن حقيقة الأسباب، فإن كل محاولات الآباء في الإبقاء على أطفالهم الموهوبين في حظيرة المتوسطين والأسوياء كما يظنون، سوف تحمل هؤلاء الأطفال على السأم والملل والاستهتار، وقد يؤدي هذا أيضًا إلى أن يمتلكهم الشعورُ بالفشل وخيبة الأمل والإحباط، أو يؤدي إلى القلق النفسي الذي قد يلازمهم طيلة حياتهم. [c1] معاناة الطفل الموهوب المعاق[/c]قد يكون الطفل الموهوب يعاني من إعاقة معينة قد تكون بصرية، أو سمعية، أو انفعالية، أو اجتماعية، والتي من أعراضها اضطراب العلاقات الشخصية، أو الاتجاه نحو العدوان، أو الانطواء على النفس، أو عدم الانضباط؛ ولذا يجب تحديد هؤلاء الموهوبين المعاقين، ورعايتهم رعاية متكاملة، تشمل رعاية الموهبة التي لديه من ناحية، ورعاية الإعاقة التي يعاني منها من ناحية أخرى.ولكن هناك الكثير من الموهوبين المعاقين استطاعوا أن يتغلبوا على إعاقتهم وعلى مشكلاتهم، ونبغوا في مجالات الحياة المختلفة، ومن بين هؤلاء:1 - إديسون: مخترع المصباح الكهربائي، كان فاشلاً دراسيًّا، وقد يكون لديه بطء أو صعوبة في التعلم، قدَّم معادلته المشهورة، ومع ذلك أصبح من أهم المخترعين.2 - أينشتاين: أيضًا كان فاشلاً دراسيًّا ولم يَجْتَز المرحلة الإعدادية، ومع ذلك طور النظرية النسبية، ونشر أبحاثًا في الفيزياء، وأفاد بأن الطاقة والكتلة متكافئتان، وقدم معادلته المشهورة (الطاقة = الكتلة + مربع سرعة الضوء)، وأكدت نظريته قنبلتا هيروشيما وناجازاكي في اليابان، ونال جائزة نوبل في الفيزياء.3 - شاتو بريان: الذي كان يميل للعزلة والوحدة، وقد يكون من أطفال التوحد، ولكنه أصبح مؤلفًا وأديبًا وكاتبًا، وقربه بونابرت، وأشهر رواياته (مذكرات من وراء الضريح، الشهداء، رحلة من باريس إلى القدس).4 - فرانكلين روزفلت: رئيس الولايات المتحدة الأمريكية الأسبق وكان مصابًا بشلل الأطفال..5 - هيلين كيلر: المرأة المعجزة التي كانت تحمل ثلاث إعاقات؛ هي: الصمم، وكف البصر، والخرس، ومع ذلك أصبح لها شأن في الأدب وكتابة القصة، وحصلت على شهادة الدكتوراه، ولها العديد من المؤلفات أشهرها: قصة حياتي.6 - لويس برايل: كفيف، وهو الذي اخترع طريقة برايل للمكفوفين.7 - ستيفن هوكنج: وهو مُقعَد وأبكم، وأُطلِق عليه أينشتاين القرن العشرين، وقد تعامل مع الحاسب الآلي واكتشف نظرية تاريخ الكون، وعمل محاضرًا بجامعة كمبردج، ويلقي محاضراته عن طريق الحاسب الآلي، واكتشف الثقوب السوداء في الكون وإشعاعاتها.8 - ماركوني: كان أعور العين، ويميل للانطواء وقد يكون توحديًّا، وهو مخترع اللاسلكي، ومُنِح جائزة نوبل في الفيزياء عام 1909م، ونال ميدالية ألبرت من الجمعية البريطانية، وواصل أبحاثه في تحسين اللاسلكي.[c1]الاختلاف الثقافي بين الأطفال الموهوبين[/c]يمثل الأطفال الموهوبون القادمون من خلفيات ثقافية مختلفة، فئة أخرى من المشكلات الخاصة بالموهوبين، فهم أولئك الأطفال القادمون من أسر بعيدة عن النمط الثقافي المميز للطبقة الوسطى من عامة الشعب؛ مثل الأمريكان البيض، أو الزنوج، والمتحدثين بالإسبانية، والهنود والأمريكان، وغير ذلك من المجموعات الأخرى التي لا تملك إلا قدرًا ضئيلاً من حرية الوصول إلى الموارد والمصادر المتاحة؛ بسبب قصورهم المالي، وبسبب عوائق جغرافية، وعلى آباء هؤلاء الموهوبين مواجهة هذه المشكلة، من خلال توجيه قدرات أطفالهم ودعمها وتقويتها في ضوء الموارد المتاحة له.[c1]كبت الموهبة لدى الطفل [/c]حيث إن الموهبة وممارستها تتضمن حتمًا الاستقلال في التفكير، والانسلاخ من القالب التقليدي الذي تفرضه الجماعة، وهذا الانشقاق لا بد وأن يعرض الأطفال الموهوبين - وخاصة الطفل الموهوب ذا الموهبة الرفيعة - لمواجهة كثير من المشكلات غير العادية، وبهذا كان عليه - أي: الطفل الموهوب - إما أن يضحي بموهبته، أو يكبت حاجاته الإبداعية، وكبت هذه الحاجات قد يؤدي إلى الصراع العصبي وانهيار فعليٍّ للشخصية، وكذلك يؤدي إلى مشكلات أخرى؛ مثل تكوين مفهوم خاطئ أو غير محدد عن الذات، وحدوث قصور في التعليم، وأيضًا بعض المشكلات السلوكية، وسوء التكيف، وعدم التوافق.[c1]الموهوبون ذوو الطابع التطوري[/c]هناك مشكلات يعاني منها الموهوبون، وهذه المشكلات تتخذ طابعًا تطوريًّا بمعنى أن بعض هذه المشكلات أو الأزمات قد يبرز في مرحلة عمرية أو دراسية معينة، وقد يرتبط بعضها بالذكور أو الإناث، وكلما ازدادت درجة التفوق والموهبة، ازدادت احتمالات أن تشتد الأزمات والمشكلات، وقد تمكَّن بعض الباحثين من تحديد عدد من المشكلات والأزمات التطورية التي يحتمل أن يواجِهها الموهوبون، وخاصة الطلاب منهم خلال مراحل نموهم المعرفي والنفسي المختلفة.[c1]الانعزالية عند الطفل الموهوب[/c]غالبًا ما يعاني الطفل الموهوب من الشعور بالغربة، وعدم الانتماء، والعزلة في عالم مختلف تمامًا عن أفكاره وقيمه وعالمه الخاص، وأكثر الموهوبين شعورًا بذلك هم الأطفال ذوو الموهبة المرتفعة؛ حيث إنهم يرون أن ما يحيط بهم غير منطقي، وأن الذين لديهم قوة للتغيير - أي: البالغين - ليس لديهم القدرة الكافية على التفكير السريع، كما أن تصرفاتهم في غاية السخف، ومن هنا يعتقد الطفل الموهوب بأنه مسؤول عن إصلاح هذا العالم، وهو ما لا يستطيع أن ينهض بحمله، فيقع ضحية للحزن والانطواء على ذاته؛ لأنه يجد نفسه شخصًا منعزلاً عن هذا العالم، ويصبح غير راغب في الحياة التافهة، هذا مع قلة الأصدقاء الذين يشعرونه بصحبته وبقيمة الحياة. [c1]مشكلة نقص التزامن[/c]ويقصد بها عدم التوافق بين نضج الموهوب ونموه الاجتماعي والعاطفي والجسدي، بحيث نستطيع أن نرى طفلاً في العاشرة يتحدى رجلاً من الثلاثين في ممارسة الألعاب العقلية، ويتفوق الموهوب عليه في هذا المجال، وقد يكون عمر الطفل العقلي (12 سنة) في حين أن عمره الجسمي (7 سنوات) فقط، وهو في هذه الحالة يتمتع بعمر طفل في السابعة من حيث الجسم، وبعمر الطفل في الثانية عشرة من عمره من الناحية العقلية؛ أي إن قدراته الجسمية غير منسجمة مع قدراته العقلية، أو لا تتزامن معها، الأمر الذي يخلق له مشكلات اجتماعية في البيت والمدرسة وفي كل مكان يذهب إليه.