بين مشاعر الحنين والأنين
كتبت/ دنيا هاني:عام مضى على وفاته وما زال الغائب الحاضر في قلوب جميع من يحبه ويحب كلماته وألحانه وأغانيه، يعد من أبرز الفنانين الذين أعطوا للأغنية الوطنية حقها ومكانتها التي تستحقها ويمتلك رصيداً كبيراً من الأغاني واللحن الجميلين وله صوت وخامة مميزان.كما أنه تغنى بكلمات أهداها لأصحاب الجنوب وهي بعنوان «يا ابن الجنوب» التي كتب كلماتها الشاعر الراحل محمد سعيد جرادة ولحنها وغناها الفنان الكبير المرشدي وتقول: «ابن الجنوب.. أيها الحامل أثقال القيود/ يا أخي في الأسى يا ابن الجنوب يا عديم الذكر في هذا الوجود/ يا حزيناً يوم أفراح الشعوب»..ومن أغانيه الثورية الشهيرة: أخي كبلوني/ وغل لساني واتهموني.. باني تعاليت في عفتي/ ووزعت روحي على تربتي.. فتخنق أنفاسهم قبضتي/ لأني أقدس حريتي..ودائماً كلماته كانت وما زالت معزوفة ألحان تتراقص لها الأبدان فرحاً وطرباً عند سماعها.. التمس فيها هموم الكثير من الناس التي لامست الواقع الاجتماعي الذي يعاني منه المواطن اليمني ودائماً ما كان يمتاز بالروح القتالية للتخلص من المستبدين ودافع عن الثورة بسلاح الكلمة إلى جانب امتلاكه للروح الفنية الراقية. ويعلم الكثيرون أنه عانى الكثير من الصعوبات والضغوطات حتى وصل إلى ما وصل إليه من مكانة عظيمة في وسطه الفني والعام الماضي ومثل هذه الأيام في شهر فبراير خطفه الموت بعد صراع مع المرض وكانت قد شهدت اليمن ومحافظة عدن خاصة دموعاً وأحزاناً على رحيله وفقدانها فناناً يعتبر واحداً من أهم الفنانين الموجودين على الساحة اليمنية، ولا أحد يستطيع أن ينكر أن الفنان المرشدي كان له دور بارز في إحياء التراث اليمني الغنائي ونشره ليس فقط على مستوى اليمن بل على مستوى الجزيرة العربية والخليج خاصة بعد أن ساهمت إذاعة عدن التي تأسست عام 1954م في تقديمه للجمهور، ومع منتصف الستينات تجاوز انتشاره اليمن من خلال مشاركاته الفنية في عدد من دول الخليج العربية..ومن ألحانه الجميلة والناجحة التي لم ينسها ولن ينساها أحد فينا كانت في أغنية علم سيري التي تغنى فيها وقال:علم سيري علم سيري ألا بسم الله الرحمنعلم سيري علم سيري ولا موذي ولا شيطانالا يا مرحبا بش .. و باهلش.. وبالجمل لي رحل بش..****كان أول من غنى الأغنية التهامية وساهم في إخراج الأغنية الصنعانية وتغنى بألوان ولهجات غنائية متنوعة منها اللهجة العدنية والحضرمية واللحجية واليافعية. غير أنه يجيد العزف على آلة العود ولطالما أطربنا بسيمفونياته الرائعة من خلال فرضه نفسه عبر أغانيه وعطائه المتميز في عالم الأغنية اليمنية فقد كان شديد الحرص على انتقاء واختيار الكلمات واللحن المناسبين لصوته ويعتبر صاحب الاختيار الأول للكلمة واللحن معاً.ومن أغانيه الرائعة أغنية إلى متى: إلى متى.. احتار في حبك كذا.. واسأل ظنوني عن هواك وأخاف يضيع عمري سدى قلي بصراحة ايش نهاية حبنا من بعد ذا؟ هي كلمة منك كلمة وحدة.. يا كذا ولا كذا ولا كذا.* إضافة إلى أغنية عليك سمسموني التي يقول فيها فناننا الرائع:عليك سموني وسمسموني وبالملامة فيك عذبونيوجروا المصحف وحلفوني وقصدهم بالنار يحرقونيحلفت ما أحبك فكذبوني وقبل ذا كانوا يصدقونيهم يحسبوني أضمرت في يمينيفقلت الله بينهم وبيني*****ومن كلماته الرائعة أغنية أجمل هوى والتي تقول: كان اللقاء بينك وبينييسعد القلب الكسيركان اللقاء أجمل هوىعشته معاك أجمل مصيرما زلت أحلم به وأتمناهعايش على ذكراه ما بنساهايش با يضر عمر الهوى لو طال قليلايش با يضيرياريت يالمحبوب إلى عندك أطيربأعيش بأعيش بالأمليمكن يرجع الحب الكبير****وفيما ما مضى أرتبط بالحركة الوطنية اليمنية مكافحاً ضد المستعمرين والمستغلين والسماسرة وانتشر صدى أغانيه بين صفوف الشعب يرددونها ويستمدون منها روحاً معنوية عالية تنسيهم ما عانوا منه في الحقبة السابقة.. وفي مقدمتها قصيدة: (أنا الشعب زلزلة عاتية/ ستخمد نيرانَهم غضبتي/ ستخرس أصواتهم صيحتي/ أنا الشعبُ عاصفة طاغية).. وفي أغنيته الشهيرة (نشوان) التي لمس فيها معاناة الشارع اليمني والتي أثارت ضجة واسعة في ذاك الوقت مازال الناس إلى يومنا هذا يدندنون بكلماتها وألحانها فقد عبرت الكلمات التي تغنى بها واللحن الذي تفرد به عما يعانيه المواطن اليمني وتقول كلمات الشاعر سلطان الصريمي التي كتبها وغناها فناننا، «نشوان كم في جعـبتي نصائح/ وكم ورم قلبي من الفضائح/ وكم شسامح لو أنا شاسامح/ أوصـيك لا تهـرب ولا تمازح.. لا تـفـتجـع من كثرة المرازح/ شق الـطريق وظهر الملامح/ حتى تعارك صبحنا تصافـح/ وينتهي الإرهاب والمذابح».كما غنى له مجموعة من الفنانين والفنانات ومن بينهم فنان العرب محمد عبده الذي غنى بعضاً من ألحان فناننا المحبوب محمد مرشد ناجي منها أغنية ضناني الشوق وازدادت شجوني وكثر الدمع قد حرق جفوني.. من اللي حبهم قلبي نسوني.. ولا حتى بكلمه يذكروني.وتعتبر أغنية بين الفل والورد رائعة غنائية جسدها بعمل فني رائع وأداء متميز وصوت راقٍ يدخل إلى القلوب سريعاً من خلال الكلمات.. قـال أبو ناصـر المضنـى فتش ورد نيسان في خدود الغواني.. انس الفل يوم الورد في الزهر.. سلطان حاز كل المعاني.ولا ننسى أن سجل الفنان المرشدي الفني مثلما كان حافلاً بالإنجازات والإسهامات الفنية والوطنية فإن له أيضاً سجلاً سياسياً حافلاً كسجله الفني حيث إنه شغل عدة مواقع في السابق منها عضوية مجلس الشعب طوال فترة الثمانينات وأنتخب لرئاسة اتحاد الفنانين اليمنيين وبعد قيام الوحدة اليمنية عام 1990م أصبح مستشاراً لوزير الثقافة وأنتخب عام 1997م عضواً بمجلس النواب.ومن إسهاماته الوطنية خاصة بعد قيام ثورة يوليو عام 1952م وثورة المليون شهيد في الجزائر وغيرها من الثورات العربية التي أخذت تتوالى تباعاً ليردد فناننا هذه الكلمات الوطنية التي تبعث روح الحماسة إلى كل من يسمعها ويقول:يا بلادي يا نداءً هادراً يعصف بييا بلادي يا ثرى ابني وجدي وأبييا كنوزاً لا تساويها كنوز الذهباقفزي من قمة الطود لأعلى الشهبيا بلادي كلما أبصرت شمسان الأبيشاهقاً في كبرياء حرة لم تغلبصحت يا للمجد في اسمى معاني الرتبيا لصنعاء انتفاضات صدى في يثربيا لبغداد التي تهفو لنجوى حلبيا لاوراس لظى في ليبيا والمغربيا لأرض القدس يحمي قدسها ألف نبييا لنهر النيل يروي كل قلب عربيفاملئي كأسك من فيض دمائي واشربييا بلادي يا بلاد العرب*****الفنان القدير محمد مرشد ناجي (رحمه الله) أستاذ الأغنية اليمنية الأصيلة وهاوي الأغنية العدنية كما أحببت أن أطلقه عليه ولد في محافظة عدن الشيخ عثمان في السادس من ديسمبر عام 1929م وتوفي في السابع من فبراير من العام 2013م وتعتبر هذه هي الذكرى السنوية الأولى على رحيله الذي سيظل حتى بعد انطفائه عن عالمنا شعلة تنير قلوب ومحبي الفن اليمني وستظل أعماله الجميلة تطرب مسامع عشاق ومحبي الفن الأصيل وسيظل من عمالقة الزمن القديم ومن الفنانين الذين تركوا بصمة واضحة خلال مشوارهم الفني والمهني لن تتكرر.وبين مشاعر الحنين والأنين تنحني الكلمات له ونختم معكم بكلمات الأغنية الجميلة أراك طروباً التي تقول كلماتها:أراك طروباً والهاً كالمتيمتطوف بأكناف السجاف المخيمأصابك سهم أم بليت بنظرةوما هذه إلا ســجـيــة مـغــرمعلى شاطئ الوادي نظرت حمامةأطالت علي حسرتي والتندمفإن كنت مشتاقاً إلى أيمن الحمىوتهوى بسكان الخيام فأنعمويختم فيها:ألا فاسقني كاسات خمر وغن ليبذكر سليمى والرباب وزمزموآخر قولي مثل ما قلت أولاًأراك طروباً والهاً كالمتيم