دراسة اقتصادية تؤكد أن قبول اليمن سيكون له نتائج إيجابية على الطرفين
أوضحت دراسة اقتصادية أعدها الباحث اليمني منصور علي البشيري مدير عام الدراسات الاقتصادية بوزارة التخطيط والتعاون الدولي حول العلاقات التجارية بين اليمن ودول مجلس التعاون الخليجي أن المستقبل سيكون أفضل في ضوء الإرادة السياسية والفهم المتقارب بين الطرفين.وتقول الدراسة إن قرار قمة مسقط الثانية والعشرين لقادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية الذي تضمن موافقة دول المجلس على الانضمام الجزئي لليمن إلى عضوية المجلس من خلال الانضمام إلى عضوية كل من مكتب التربية والصحة والعمل والشئون الاجتماعية ودورة كأس الخليج مثل نقطة تحول بارزة في مسيرة العلاقات اليمنية الخليجية والممتدة جذورها إلى الآف السنين بجوانبها واتجاهاتها المختلفة السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية والثقافية، والأمنية، وبالتالي فإنه يمكن القول إن قرار قمة مسقط كان خطوة في الاتجاه الصحيح لنمط العلاقات القائمة في منطقة الجزيرة و الخليج، كما يعزز هذا الاتجاه وجود خطوات أخرى تمت من قبل المجلس ودوله المختلفة وأهمها قبول عضوية اليمن في هيئة التقييس الخليجية واتخاذ قادة دول المجلس في قمتهم الأخيرة (قمة أبو ظبي) قراراً بمساندة وتأهيل اليمن اقتصادياً ودعم تمويل المشاريع التنموية في اليمن والتوجيه لعقد مؤتمر لاستكشاف فرص الاستثمار في الجمهورية اليمنية، فضلاً عن النتائج التي خرج بها اجتماع مجلس وزراء خارجية المجلس في الرياض أوائل شهر مارس 2006 بحضور وزير خارجية اليمن وما تمخض عنه من تبني الأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية ورعايتها مؤتمراً دولياً للمانحين حول اليمن سينعقد في شهر نوفمبر 2006 وذلك بهدف مساعدة اليمن في بناء نهضة تنموية تؤهلها لتكون عضواً فاعلاً يسهم في مسيرة التكامل في المنطقة.وبعد أن عرضت الدراسة للمتغيرات الاقتصادية الإقليمية والدولية ودورها في تسريع جهود التكامل الإقليمي تناولت العلاقات الاقتصادية والتجارية اليمنية الخليجية منطلقاتها وضروراتها مؤكدة أنها تكتسب أهمية خاصة في إطار العلاقات والروابط التي تربط اليمن بدول مجلس التعاون الخليجي، بل يمكن القول أنه خلال السنوات القادمة ستصبح للعوامل والمحددات الاقتصادية بين اليمن ودول الخليج أهمية كبرى قد تفوق العوامل والمحددات السياسية والأمنية. وأشارت الدراسة إلى أن هناك العديد من المميزات والإمكانيات التي يتمتع بها الاقتصاد اليمني يمكن أن تسهم مساهمة إيجابية ومباشرة في مسيرة التكامل الاقتصادي الخليجي وتعمل على تعزيز الروابط والعلاقات الاقتصادية اليمنية الخليجية. وقالت دراسة البشيري إن الاقتصاد اليمني شهد خلال السنوات الأخيرة من القرن العشرين تغيرات هيكلية واسعة ساهمت في استقراره وتحسن مؤشراته المختلفة حيث تراجعت مؤشرات التضخم وعجز الموازنة العامة ومؤشرات المديونية الخارجية واستقرت أسعار الصرف نسبياً، فضلاً عن إيجابية معدلات النمو للناتج المحلي، وهو ما يعني توفر جزء مهم من البيئة الاقتصادية المستقرة. وأكدت الدراسة أن هناك أهمية أخرى من تزايد وتيرة العلاقات الاقتصادية اليمنية الخليجية وصولاً إلى مرحلة التكامل الاقتصادي تتمثل في تعزيز جهود الإصلاح الشامل سياسياً واقتصادياً واجتماعياً ولا غرابة في ذلك كون نجاح التكامل الاقتصادي الإقليمي يتطلب قدرا من التماثل الاقتصادي والسياسي على الأقل بين الدول المكونة للتكتل. ويعتقد الباحث أن المكاسب المنعكسة على الإصلاحات ستنطبق أيضاً على كل من اليمن والدول الخليجية حيث يتطلب انضمام اليمن إلى مجلس التعاون لدول الخليج العربية تنفيذ مجموعة واسعة من الإصلاحات وبالذات بالنسبة لليمن حيث يتطلب الأمر قيام الحكومة بتنفيذ برنامج شامل للإصلاحات خصوصاً في الجانب الاقتصادي حتى تتمكن اليمن من الوصول إلى مستوى تنموي مقارب لمستوى التنمية المتحقق في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية وعرضت الدراسة التجارة الخارجية لليمن التي شهدت خلال السنوات 2003 - 2005 تطورات إيجابية حيث توضح الإحصاءات أن حصيلة الصادرات قد نمت بمتوسط سنوي يصل إلى 20.7% حيث ارتفعت من 3924.4 مليون دولار في عام 2003 وبنسبة 33.2 % من إجمالي الناتج المحلي وحوالي 52.5 % من إجمالي التجارة الخارجية لليمن إلى 6379.8 مليون دولار أي ما نسبته 37.9 % و60.7 % من الناتج المحلي والتجارة الخارجية على التوالي في عام 2005 وبالمقابل ارتفعت قيمة الواردات من 3557.4 مليون دولار في عام 2003 مشكلة حوالي 30.1 % و47.5 % من إجمالي الناتج المحلي والتجارة الخارجية على التوالي في عام 2003 إلى 4124.1 مليون دولار أي ما نسبته 24.5 % و39.3% من الناتج المحلي والتجارة الخارجية عام 2005 وبمتوسط نمو سنوي بمقدار 10.3 %، ونتيجة لنمو الصادرات بمستوى أكبر من النمو المتحقق في الواردات فقد تزايد الفائض في الميزان من 367 مليون دولار عام 2003م إلى 2255.7مليون دولار عام 2005م.وتشير الدراسة إلى أن الدول الخليجية تمثل شريكاً تجارياً مهماً بالنسبة لليمن حيث تستحوذ على النصيب الأكبر من واردات اليمن من السلع المختلفة كما تشكل سوقاً مهمة للصادرات اليمنية غير النفطية وبالأخص من السلع الزراعية والسمكية، حيث احتل مجلس التعاون الخليجي المرتبة الأولى خلال السنوات 2000 - 2005 قائمة الكتل التجارية المصدرة إلى اليمن، ووصلت قيمة الصادرات الخليجية إلى السوق اليمنية خلال عام 2005 إلى 331 مليار ريال وبنسبة 35.6 % من إجمالي واردات اليمن تليها مجموعة البلدان الآسيوية غير العربية ثم المجموعة الاقتصادية الأوربية ثم مجموعة البلدان الأمريكية ثم بقية الدول العربية، أما في مجال الصادرات اليمنية فإن مجموعة البلدان الآسيوية غير العربية ما تزال تحتل المرتبة الأولى خلال نفس الفترة حيث بلغت قيمة الصادرات اليمنية إليها حلال عام 2005 حوالي 831 مليار ريال وبنسبة 77.3 % ثم مجلس التعاون الخليجي بقيمة للصادرات تصل إلى 90.4 مليار ريال وبنسبة 8.4 % من إجمالي صادرات اليمن.وعلى الرغم من تواضع الصادرات اليمنية إلى دول مجلس التعاون الخليجي كنسبة من إجمالي الصادرات إلا أنها تكتسب أهمية خاصة من حيث كونها أهم الأسواق الخارجية استيعاباً للصادرات اليمنية غير النفطية والمتمثلة في المنتجات الزراعية والسمكية على عكس الأسواق الآسيوية التي يمثل النفط الخام السلعة الرئيسية المصدرة إليها وبالتالي فإن الإمكانيات متاحة أمام اليمن لزيادة صادراتها غير النفطية بشرط العمل على تطوير وتحسين جودة المنتجات المصدرة والاهتمام بتوفير الخدمات الأساسية اللازمة لعملية تصدير هذه المنتجات وعلى رأسها توفير المؤسسات اللازمة لإعداد المنتجات وتجهيزها بالصورة المناسبة من تغليف وتعبئة وفرز فضلاً عن توفير خطوط النقل المختلفة (برية بحرية جوية) اللازمة لنقل هذه المنتجات. كما تجدر الإشارة إلى أهمية الاستفادة من اتفاقيات منظمة التجارة العالمية وبالأخص أن دول الخليج أعضاء في هذه المنظمة، كما أن اليمن تسعى إلى الانضمام للمنظمة في القريب العاجل وعليه فإن التعقيدات السياسية والإدارية والمعوقات الموضوعة أمام انسياب التجارة البينية من الممكن أن تنتهي خلال السنوات القليلة القادمة والأهم من ذلك هو إعداد المنتجات القابلة للتصدير إعداداً جيداً يتيح لها القدرة على المنافسة في السوق الخليجية بما يعمل على تعظيم مكاسب دول المنطقة. ومن ناحية ثانية وعند دراسة مؤشرات التبادل التجاري بين اليمن والدول الخليجية ومن خلال تتبع الإحصائيات الرسمية يلاحظ غلبة الواردات اليمنية من الدول الخليجية على حجم صادراتها وبالتالي اختلال الميزان التجاري وبصورة كبيرة لصالح الدول الخليجية. أما من خلال مؤشرات أهمية كل دولة من دول المجلس بالنسبة لليمن في مجال التبادل التجاري فيلاحظ أن كلاً من الإمارات والسعودية والكويت وسلطنة عمان كانت من أهم عشرين دولة لليمن في تبادلها التجاري ويمكن توضيح ذلك من خلال الإحصاءات الرسمية التي تشير إلى أن دولة الإمارات العربية المتحدة كانت الشريك التجاري الأول لليمن في مجال الواردات خلال الأعوام 2000 - 2005 وتراوحت نسبة الاستيراد منها ما بين 10 % إلى 18.6 % من إجمالي الواردات اليمنية وهذا يدل على أهمية الإمارات العربية المتحدة كشريك تجاري لليمن ومن الأهمية بمكان تطوير العلاقات التجارية معها في المستقبل وبالشكل الذي يسهم في تعزيز وتقوية العلاقات بين البلدين، كما تظهر البيانات أن السعودية كانت الشريك التجاري الثاني لليمن في مجال الواردات خلال الأعوام 2001-2005 والشريك الأول عام 2000م وتراوحت حصتها من إجمالي الواردات اليمنية ما بين 8.8 % - 13.8 %، وكذلك الكويت والتي كانت تحتل المرتبة الثالثة أو الرابعة خلال الفترة وتراوحت نسبة الواردات اليمنية منها ما بين 4.7 % 7.11 %، أما عمان فقد قفزت من المرتبة التاسعة عشرة عام 1999م إلى المرتبة الثالثة عشرة عام 2000م ثم المرتبة الحادية عشرة للأعوام 2002-2001م وتراوحت حصتها ما بين 1.9% - 3.26 % من إجمالي الواردات اليمنية. أما من حيث أهمية دول التعاون بالنسبة للصادرات اليمنية (لا تشمل إعادة الصادرات) فيلاحظ أن كل من دولة الإمارات والسعودية والكويت كانت من بين أهم عشرين دولة صدرت إليها المنتجات اليمنية. وتؤكد الدراسة أنه على الرغم من تواضع قيمة ونسبة الصادرات اليمنية إلى دول مجلس التعاون الخليجي مقارنة بقيمة ونسبة وارداتها إلا أن هذه الصادرات تمثل أكثر من 90% من صادرات اليمن غير النفطية، بمعنى أن السوق الخليجية هي السوق الأولى المستقبلة للصادرات اليمنية غير النفطية نظراً للقرب الجغرافي والتواصل والتقارب الاجتماعي بين اليمن والخليج وبالتالي فإن هناك فرصة كبيرة لزيادة الصادرات اليمنية إلى هذا السوق مستقبلاً، مع العلم أن الفرص المتاحة للتبادل التجاري بين اليمن ودول مجلس التعاون لدول الخليج العربية خلال السنوات الماضية وبالأخص خلال السنوات العشر الماضية والتي شهدت فيها اليمن استقراراً سياسياً واقتصادياً كان من الممكن أن تكون أكبر مما كانت عليه لولا التحديات والمعوقات التي واجهت وما تزال تواجه انسياب الحركة التجارية بين الجانبين. وعند الحديث عن مستقبل العلاقات الاقتصادية اليمنية الخليجية أكدت الدراسة أن إغلاق ملفات الحدود لليمن مع جيرانها الخليجيين (عمان والسعودية) قد عمل على إزالة ما كان يسود العلاقات اليمنية الخليجية من مد وجزر، وساهم مساهمة إيجابية في قبول الطلب اليمني بالانضمام إلى عضوية مجلس التعاون لدول الخليج العربية جزئياً، الأمر الذي يمكن أن يعزز من فرص التعاون الاقتصادي اليمني الخليجي مستقبلاً، وخصوصاً هناك اتجاهاً عاماً لدى كل من اليمن والدول الخليجية للانتقال من مفهوم الجيرة إلى الشراكة وقد بدا ذلك جلياً في القرارات التاريخية التي تم اتخاذها في قمة قادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية عام 2005 (قمة زايد) وما تبعها من اجتماعات ولقاءات تشاورية عديدة على مستوى وزراء الخارجية أو اللجان الفنية المشتركة وما نتج عنها من دعم خليجي للتنمية في اليمن خلال انعقاد مؤتمر المانحين حول اليمن في نوفمبر 2006. وخلصت الدراسة إلى أن قبول اليمن في عضوية مجلس التعاون الخليجي سيكون له نتائج إيجابية في المجال الاقتصادي ليس لليمن فحسب وإنما لدول الخليج أيضاً، إلا أن تحقيق ذلك مرتبط بتوافر مجموعة من المتطلبات الضرورية اللازمة لعملية الاندماج للاقتصاد اليمني في الاقتصاد الخليجي سواء التي يجب توفرها من قبل اليمن أو من قبل الدول الخليجية. وأشارت الدراسة إلى أن إعداد الاقتصاد اليمني للاندماج في الاقتصاد الخليجي يتطلب جهوداً جبارة وتهيئة مسبقة وعملاً دؤوباً من قبل الحكومة والقطاع الخاص في اليمن كما يحتاج أيضاً إلى مساعدة وتحفيز من قبل الحكومات الخليجية وخصوصا في مجال تهيئة مناخ استثماري ملائم في اليمن، وتطوير القدرات البشرية اليمنية ورفع مهاراتها، و زيادة حجم ونوعية الدعم الإنمائي الخليجي لليمن، وتدعيم التجارة البينية بين اليمن ودول المجلس، وإقامة المشاريع الاستثمارية المشتركة بين القطاع الخاص في اليمن والدول الخليجية.