




تعز/ 14 أكتوبر/ خاص :
في مديرية جبل حبشي، لا تزال أعراس الزواج تحتفظ بسحرها القديم، الممزوج برائحة التراب وأصداء الفرح التي تتردد في أزقة القرى بمشهدٍ يُجسد قصة تروى، وطقوساً تعكس تلاحم الزمان والمكان، وتُحفظ في ذاكرة الأجيال.
وتحت عبق الفل وأصوات «الطاسة» و«المرفع»، وبمشاركة الأهل والجيران، يتحول الزواج إلى مهرجان شعبي نابض بالحياة، يتجسد فيه التكافل والفرح الجماعي بشكل بهيج لا يوصف.
من النية إلى الخطوبة
وحين يختار الشاب شريكة حياته، يبدأ الطريق باستشارة الأهل، ثم يتوجه مع بعض الوجهاء إلى بيت العروس لطلب يدها، مقدمًا جزءًا من المهر – غالبًا ربع أو نصف المبلغ– كعربون نية وصدق، وتُحدد بعدها جلسة الخطوبة، وقد يُعقد القران في الجلسة نفسها، إذا توافقت العائلتان.
وفي يوم الخطوبة، يُكمل العريس باقي المهر، الذي يصل في بعض مناطق جبل حبشي، كعزلة القحاف، إلى ثلاثة ملايين ريال يمني بالعملة الجديدة، ويقدم لأهالي العروس الحلويات والهدايا، ويُتفق معهم على موعد الزفاف وعقد القران الرسمي.
الاستعدادات قبل الفرح
ومنذ اللحظة الأولى، تبدأ مظاهر الاحتفال بالظهور؛ وتُزيّن البيوت، وتصدح مكبرات الصوت بالأغاني التراثية التي تستمر أحيانًا لأيام تمتد حتى عشرة أيام أو أكثر، بحسب إمكانات الأسرة ومكانتها الاجتماعية، سواء أسرة العريس أو العروس.
ويجتمع شباب القرية والوجهاء في بيت العريس، فيما تجتمع النساء والفتيات في بيت العروس للرقص الشعبي وتنسيق التحضيرات النهائية، كما تُحضَّر الولائم والذبائح، وتُرتب أماكن استقبال الضيوف، في مشهد يعكس تكاتف المجتمع وترابطه.
وفي بعض المناطق، يُعقد القران في يوم الزفاف نفسه، وتُمنح للعريس «النظرة الشرعية» بحضور محرم، مقدمًا هدية رمزية مثل وردة أو خاتم.
ولا تخلو المناسبة من طرافة، إذ تعتاد النساء على «مقالب» طريفة مثل رش العريس بـ«النفّاش» أو إخفاء حذائه، في لحظات تمزج الفرح بالمزاح لكن هذا الأمر دفع البعض لتجنّب النظرة الشرعية أو التحسّب لها مسبقًا.
الليلة السابقة للزفاف
في ليلة الزفاف، تعلو أصوات الأغاني التراثية في القرية، وتتراقص القلوب قبل الأجساد على أسطح منزل العريس، ولا تكتمل الأمسية إلا بالرقص الشعبي على أنغام أغنية فيصل علوي الشهيرة، التي لا يغيب صوتها عن أي عرس.
كما أن بعض الرجال يعملون على ذبح الخراف والأثوار، وتجهيز اللحم للحفل، والذهاب لقطف شجرة القات وإحضارها استعدادًا ليوم الفرح.
صباح الزفاف
مع شروق النهار، يرتدي العريس زيه التقليدي أو البدلة الحديثة، مزينًا رأسه بإكليل من الزهور وعقد من الفل ملفوفا على عنقه، مستعدًا لاستقبال الضيوف.
ويتلقّى منهم النقود أو الخراف والأثوار مجابرة له أثناء عرسه، ويُستقبلون بالزغاريد والألعاب النارية، أما قديمًا فكانوا يستقبلون بإطلاق الرصاص الحي، بمشاركة العريس شخصيًا.
كما تتصاعد الزوامل الشعبية ويرقص الحاضرون رقصة البرع على إيقاع الطاسة والمرفع، فـ«الطاسة» هي إناء نحاسي مغطى بالجلد يُصدر نغمات عالية النبرة ومتزنة، أما «المرفع» فهو طبل ضخم يُحدث نغمة غليظة وثابتة، وتختلف الإيقاعات وأنماط الرقص بين المناطق، ما يظهر التنوع الثقافي في سامع.
الطقوس النسوية
للنساء نصيب كبير من الفرح، حيث يُحضّرن الخبز واللحوح في منازلهن والكعك بمختلف أنواعه، ويقدّمنه لأم العريس، ويهديْنها نقودًا رمزية « ضيافة»، في مشهد يعبّر عن روح التضامن والتكاتف فيما بينهن.
كما يخصص طباخون ماهرون من الرجال يهتمون بإعداد وجبة الغداء التي تتكون عادة من اللحم، والأرز، والفتة، إلى جانب الكعك وفتة الخبز بالتمر.
وبعد الغداء، يُوزع القات على الضيوف بشكل متساو، ومؤخرا بدأت بعض العائلات تقدم الغداء والقات عند وصول الضيوف صباحًا لتفادي الازدحام.
تجهيز العروس
تبدأ العروس استعداداتها قبل الزفاف بثلاثة أيام، حيث تشتري الفساتين وأدوات التجميل، وتجهّز حقيبتها للحياة الجديدة، وتُنقش يداها بالحناء على يد خبيرة، وفي يوم الزفاف تُصفف شعرها عند «كوافيرة». وفي المساء، تحتفل بها الفتيات بالغناء والرقص وتقديم النقود لها «ضيافات»، في أجواء من البهجة والود.
موكب الزفة
مع حلول المساء، ينطلق موكب العريس نحو بيت العروس، يضم رجالًا وثلاث نساء، مع امرأة من الطبقة المهمشة مكلفة بحمل أمتعة العروس.
يرافق الموكب إطلاق الألعاب النارية، والزوامل، والرقصات الشعبية، وعند خروج العروس، تُطلق الألعاب النارية من سطح منزل أهلها، وتُزف على أنغام «منى علي» حتى تصل إلى بيتها الجديد.
وعند الوصول، تُستقبل العروس بالبخور، وتُوضع في طريقها جنبية أو إناء ماء دافئ ممزوج بالملح، في طقس رمزي يعكس البركة والطاعة.
طقوس تختفي
كان في اليوم الرابع يذبح العريس خروفين لإقامة مأدبة لأهل العروس واستقبالهم، وفي اليوم السابع يزور العريس والعروس بيت أهل زوجته ويجلس حتى المساء، إلا أن هذه الطقوس بدأت تندثر تدريجيًا بفعل تغير الحياة، والظروف الصعبة لدى الكثير منهم.
حداثة بضوابط تراثية
في السنوات الأخيرة، بدأت بعض مناطق سامع بوضع اتفاقيات مجتمعية لمنع إطلاق الرصاص الحي، وخفض المهور، وتقليص أيام الزفاف، والاكتفاء أحيانًا بدعوة الأهالي لجلسة المقيل وعدم ضرب الدفوف والطاسة والمرفع وإطلاق الألعاب النارية أثناء استقبال الضيوف فقط.
وعلى الرغم من هذا التحول، بقي جوهر الزواج في سامع محافظًا على روحه الدافئة، محتفظًا بمكانته كحدث اجتماعي وثقافي أصيل، مجسد للهوية.

