مشوارك عظيم يا سالم الأعظم


بدلاً من الاستسلام لموجعات الواقع البائس المعاش كنت أحسده على قدرات الصمود والجسارة، لم يكن عنوداً البتة وله قدرات عجيبة على خلق جو من الود والمرح والمزاح المحسوب بدقة الاتزان .. لقد عشنا فترات متقلبة بها من الرغد ما بها والبؤس ما بها رغم شح المدخول المالي استطاع أن يعلمنا أن نغتنم كل سانحة لنروح عن أنفسنا .. تميز بقدرات الصبر على مثالب ومواقف لا تطاق، وعندما يكتنفه الضيق يعتزل برهة مع صوت عبدالوهاب .. الجندول .. ساعة ما باشوفك جنبي ولكنه في ساعة المرح لا تفارق أذنيه نبرات صوت فيروز .. لا أنسى قوة شكيمته واعتزازه بذاته وحب وخدمة الناس .. لديه القدرة أن يبيت جائعًا وبكل سرور مقابل أن يعطي طعامه لطفل وأم جائعة أو متسول.
لقد كنت يا سالم تحب الحياة وها هي الأقدار تجبرك على مغادرتها .. ولكن بعد أن سطرت على وجه البسطاء ملامح حياة حافلة بمعنى الانسانية ـ الانسانية النقية حقًا .. فسلام عليك يوم ولدت وسلام عليك يوم ودعتنا إلى عالم الخلود وإلى اللقاء القريب إن شاء الله يا سالم يا بن الفراص.
ليلة البارحة داهمت مسامعي مهاتفة ليلية مزقت ما تبقى من نياط القلب المكلوم دومًا .. كان مصدر مهاتفتي العزيز/ أرسلان آدن أمين سر (14 أكتوبر) الصحيفة كما يحلو للبعض تسميته.
ألو أخي أحمد، سالم الفراص توفى .. هكذا دون مقدمات تمهيدية رشقني بنصال تعبيراته المنتحبة .. ظللت لثوان لا أقوى على الرد .. برهة حتى تلعثمت بكلمات مرتبكة ثم أغلقت الجهاز مرددًا أيعقل ما سمعت موقنًا أن الموت حق حتمي وهو الوجه الآخر من رحلة الترحال بين الدنيا الفانية والعالم الآخر وها هو سالمنا يشد الرحال باكرًا ليسبقنا إلى حياته هناك تاركاً لنا تاريخاً من رحلته الحياتية المفعمة بأريج الوفاء والتسامح والمواقف الرجولية .. حياة جمعتنا سوية لنتذوق معًا جرعات البؤس والفقر والانجلاد بسوط الخذلان والخداع والتهميش والتشرد في الشوارع الخلفية ورمال الشواطئ لسرقة وهنات من النوم بعيدًا عن الأنظار .. كان سالم أصغر مني سنًا ولكنه أكثر مني ذكاء وجسارة وصموداً لمواجهة ترهات الحياة البائسة، كان دائمًا يقرأ ونحن نقتسم ونلتهم كسرة الخبز الجافة وبطريقة يلهمني أنها هنية طالما لم تسلبها من فم أحد .. كان يقرأ وهو على متن السيارة وعلى ضوء الفانوس والشموع أحيانًا وعندما يشعر بضجري يبادرني: عليك أن تصنع لنفسك ما يفيدك غدًا واغتنم فرصة القراءة لتنسى مواجعك الحياتية وتنمي قدراتك الفكرية.