صنعاء / سبأ:يقف اليمنيون في هذه اللحظات الفارقة، على مشارف إنجاز غير مسبوق في تاريخهم المعاصر، متمثلاً بنجاح مؤتمر الحوار الوطني الشامل الذي انطلق في الـ18 من شهر مارس 2013، مجسّداً بنتائجه النهائية عظمةَ هذا الشعب وحكمة أبنائه، وقدرتهم على تجاوز التحديات العاصفة التي اعترضت مسيرتهم الشاقة والمؤلمة نحو التغيير.ويحق للشعب اليمني أن يفخر بأن تضحياته الجسيمة، لم تذهب هدراً، بل شكّلتْ معالمَ طريقٍ واضحةً قادته نحو المستقبل، وألهمته الصواب والرشد والحكمة، ومنحته زاداً للمضي في مسار السلام والوفاق والحوار والتأسيس لنموذج فريد لانتقال السلطة، أثبت من خلاله جدارته في اقتناص الفرصةَ التاريخيةَ التي أومضت في سماء الوطن العربي الكبير، في شتاء 2011، مؤذنةً بربيعٍ استثنائي للتغيير.لقد شق مؤتمر الحوار الوطني، مثله مثل بقية استحقاقات التسوية السياسية التي نص عليها اتفاق المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، في مسار صعب وشائك، تضادت فيه ثم توافقت الإراداتُ، واختبرت كلَّ قدراتها في ترجمة تطلعات اليمنيين وبلورة حلول صائبة لكل القضايا لتغلق بذلك الباب أمام الشعارات المرفوعة التي كانت تقوم على المنطق المتعسف للوقائع وللسياق التاريخي، ونجح الحوار في تجاوز كل التحديات التي اعترضته وما تزال تعترضه حتى اليوم.ومن بين أكثر إنجازات مؤتمر الحوار الوطني تأثيراً وأهمية، التوصل إلى رؤية تجسد إجماع المتحاورين بشأن تفكيك عقدة القضية الجنوبية، تجلت في صياغة وثيقة الحلول والضمانات، التي جرى التوقيع عليها من قبل كافة المكونات الممثلة في مؤتمر الحوار الوطني، وتمت المصادقة عليها من قبل أعضاء مؤتمر الحوار في جلسة التصويت العامة على مخرجات فريق القضية الجنوبية المنعقدة أمس الأول الأحد.وفي هذه الجلسة أيضاً جدد أعضاء مؤتمر الحوار التأكيد على ما تضمنته وثيقة الحل العادل للقضية الجنوبية من تفويض كامل للأخ الرئيس عبد ربه منصور هادي، رئيس الجمهورية- رئيس مؤتمر الحوار الوطني الشامل، بتشكيل لجنة برئاسته لتحديد عدد الأقاليم، يكون قراراها نافذاً، وتتولى دراسة خيار ستة أقاليم- أربعة في الشمال واثنان في الجنوب- وخيار إقليميْن، وأيّ خيار ما بين هذين الخياريْن يحقق التوافق. وأهم ما حمله هذا التفويض أنه منح المتحاورين، ومعهم كل اليمنيين، الأمل في نهاية سعيدة لاستحقاق وطني كبير هو الحوار، وأزاح كل الإشكاليات والتعقيدات التي كانت قد احتشدت في بوتقة القضية الجنوبية، بنيّةِ تعطيل الحوار أو إفشاله في أسوأ التقديرات، تأسيساً على مواقف مغلوطة، ومصالح أنانية متأصلة في أعماق البعض ممن يمتلكون التأثير في المشهد السياسي والاجتماعي والاقتصادي.ومما يجدر التنويه بشأن هذا التفويض، أنه لم يكن منفصلاً عن سياق التحاور، ولا متعارضاً مع الإجراءات التي سلكها المتحاورون وصولاً إلى التوقيع على وثيقة الحل العادل للقضية الجنوبية، بقدر ما كان، في حقيقته إجراءً متسقاً مع نهج التوافق، الذي جسدته المكونات السياسية الممثلة في مؤتمر الحوار، وتعبيراً عن حرصها على إغلاق باب الجدل والمزايدة السياسية حول القضية الجنوبية، وإيمانها بأن قضية كهذه أكثر ما تحتاج إليه هو موقف شجاع ومسؤول ينقلها من حالة انسداد في المشهد الوطني إلى مفتاح حل شامل للإشكالية المزمنة التي أثرت بعمق على أداء الدولة اليمنية طيلة عقدين من الزمن، وكادت أن تطيح بالمكسب الوحدوي العظيم الذي حققه شعبنا في الثاني والعشرين من مايو 1990.ومن بين أبرز مؤشرات نجاح مؤتمر الحوار الوطني، مخرجاته المهمة، ووثيقته الوطنية التاريخية، بما اشتملت عليه من موجهات دستورية، وقانونية وتوصيات، هي خلاصة ما توافق عليه المتحاورون، وأساس الإجماع الوطني، والإطار الشامل للإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي، الذي تطلع إليه اليمنيون بكل الأمل طيلة الأشهر العشرة الماضية.ومن وحي مخرجات الحوار الوطني، سوف يُصاغ العقد الاجتماعي الجديد( الدستور)، الذي ستشرع في كتابته لجنةٌ يصدر بشأن تشكيلها قرار جمهوري، حيث من المقرر أن يتضمن الدستور الجديد، المبادئ والقواعد المتفق عليها بشأن شكل الدولة اليمنية الاتحادية ، وهويتها ونظامها السياسي والاقتصادي، والحقوق والحريات العامة الحاكمة لحياة الناس في اليمن الجديد. ولم يكن مؤتمر الحوار الوطني ليصل إليه ما وصل إلى من نجاحات كبيرة، لولا توفيق المولى عز وجل، وقوة الدفع الهائلة، التي استمدها من إرادة الشعب اليمني، ورغبته الجامحة للسلام والاستقرار تحت مظلة دولة يمنية حديثة وديمقراطية، يسودها النظام والقانون، إرادةٌ أفشلت كل المراهنات على إمكانية تعطيل مسيرة الانتقال السلمي للسلطة، والمضي في مسيرة التحول الديمقراطي إلى نهايتها المنشودة.وكان للقيادة التاريخية الحكيمة والرشيدة للأخ الرئيس عبد ربه منصور هادي، رئيس الجمهورية، أثرها الواضح في إنجاح مؤتمر الحوار وفي مجمل الإنجازات الأخرى عبر مسيرة التسوية السياسية.ومن موقعه على رأس هرم الدولة اليمنية، رئيساً منتخباً بإجماع وطني غير مسبوق، استطاع الأخ الرئيس عبد ربه منصور هادي أن يقود سفينة الوطن، في أحلك الظروف، بمهارة الربان، وحكمة السياسي، وشجاعة القائد، حين تنتدبه الأمةُ في لحظة فارقة من تاريخها.لقد كان دور الأخ الرئيس - خلال العامين ونصف العام الماضية - ملهماً لروح الوفاق الذي ساد البلاد بعد موجة عنيفة كادت أن تقود الوطن إلى ساحة لا نهائية من الصراعات والاحتراب الأهلي والتشرذم والتمزق. وتجلى أثره بصورة أعمق في حسم الخلافات التي نشأت في إطار مؤتمر الحوار الوطني وكادت أن تعطله أو تفشله، وفي مواجهة التحديات المهددة لكيان الدولة اليمنية، ولوجودها في آن معاً.وتجلت قوة الدفع الثالثة التي حظي بها مؤتمر حوار الوطني وغيره من استحقاقات التسوية السياسية، في الدور الضامن للمجتمع الإقليمي والدولي، متمثلاً في دول مجلس التعاون الخليجي الشقيقة، والدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن، والاتحاد الأوروبي، والتي تتشكل منها مجموعة العشر الراعية للمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، بالإضافة إلى الدول المانحة المنضوية في إطار مجموعة أصدقاء اليمن، التي عنيت خلال الفترة المنصرمة وما تزال بتأمين الدعم السياسي والمالي والاقتصادي والإنساني لليمن، بالإضافة إلى منظمة الأمم المتحدة، التي لعب مبعوثها السيد جمال بنعمر، دوراً تاريخياً مؤثراً وحمل رسالة المجتمع الدولي، بأمانة ومهنية واحترافية نادرة، وعبر عن إرادته في إرساء السلام والاستقرار وصيانة ودعم بناء دولة يمنية مدنية حديثة تحت مظلة الوحدة.وها هو اليمن بفضل كل ما تحقق في إطار مؤتمر الحوار الوطني، وعبر المحطات المهمة للتسوية السياسية السلمية، وفي المقدمة منها عملية إعادة هيكلة القوات المسلحة والأمن، وجهود التهدئة الأخيرة على خطوط المواجهات المسلحة في بعض مناطق الوطن، يحظى بفرصة أخرى، للانتقال إلى مستقبل ينعم فيه الشعب بدولة قوية تحتكم إلى نظام ديمقراطي وعادل، ويسودها الأمن والاستقرار وتتمتع باقتصاد قوي ومزدهر.
|
تقارير
نجاح الحوار.. إنجاز تاريخي جديد يتوج مسيرة شعب تسلّحَ بإرادة التغيير
أخبار متعلقة