[c1]مقدمة[/c]قامت الجمهورية على الديمقراطية وسيادة القانون، واحترام الحقوق والحريات العامة والتعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة.. إلخ وتجلى ذلك في الدستور وأكدته كافة التشريعات المنظمة للمجتمع.وتأسيساً على ذلك تشهد اليمن تشكل مجتمع جديد، ويعد القانون أهم تجلياته، بل التعبير الأَمثل عن طبيعته، بوصفه - القانون - المعبر عن المصالح المختلفة في المجتمع.وتبرز أهمية القانون لا بوصفه أهم مكون من مكونات الحكم الرشيد، فحسب بل لدوره في تفعيل منظومة الحكم الرشيد من خلال تحقيق الإنصاف والمساواة والحرية.[c1]أهداف الدراسة:[/c]تهدف هذه الدراسة إلى خلق فضاءات لدراسة التشريع اليمني ومقاربته مع معايير إدارة الحكم الرشيد ومحدداته الداخلية والخارجية وأبعاده التقنية والسياسية والاجتماعية.[c1]المطلب الأولمفهوم الحكم الرشيد ومعاييره[/c]تعد إدارة الحكم الرشيد واحدة من أهم الآليات التي تؤمن تحقيق مستويات راقية من التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وبالتالي توفير الرفاهية المادية التي تتطلع لها الشعوب من خلال تحسين المستوى المعيشي، الزيادة في دخل الأفراد، التحرر من الفقر والحرمان، توفير مناصب الشغل اللائقة، تحسين الانسجام والاستقرار الاجتماعي وتخفيف التوترات والنزاعات الاجتماعية وكبح الانتهاكات المختلفة التي تتعرض لها حقوق الإنسان، وبغياب إدارة الحكم الجيد يأخذ الأفراد مكان المؤسسات في اتخاذ القرارات، ونصبح في اللاحكم (الحكم السيئ) ويتجسد ذلك من خلال : - عدم تطبيق مبدأ سيادة القانون أو حكم القانون. - الحكم الذي لا توجد فيه قاعدة شفافة للمعلومات أو توجد فيه قاعدة ضيقه لصنع القرار. - انتشار الفساد والرشوة وانتشار آلياتهما وثقافتهما وقيمهما. - ضعف شرعية الحكام وتفشي ظاهرة القمع وهدر حقوق الإنسان. - عدم التفرقة بين المال العام والمال الخاص وبين المصلحة العامة والمصلحة الخاصة. - الحكم الذي لا يشجع على الاستثمار ويدفع إلى الربح الريعي والمضاربات .وبصرف النظر عن المفهوم الضيق الذي تستخدمه أدبيات البنك الدولي ولجنة المساعدات التنموية والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية الذين اعتمدوا على فكرة الإدارة الرشيدة بدلالة النمو الاقتصادي عند الحديث عن التنمية، فإن المفهوم الواسع للحكم الرشيد يرتقي إلى مستوى السياسة فيعالج العلاقة الموجودة بين الحكم وعامة الناس والإدارة الحاكمة، بمعنى أن مفهوم الحكم الرشيد لا ينطوي فقط على إبعاد مؤسسية وتنظيمية، ولكنه ينطوي على أبعاد قانونية وأخلاقية يمكن إيجازها في الآتي:(المشاركة، حكم القانون، الشفافية، الاستجابة، بناء التوافق، المساواة والتضمين، الكفاءة والفاعلية، المحاسبة والمساءلة، الرؤية الإستراتيجية).وترتبط فرص نجاح الحكم الرشيد بعدة عوامل هي :1 - بناء الثقة بين الحكومات والمجتمع المدني، وترجمة هذه الثقة في بيئة تشريعية وسياسية مؤاتية.2 - بناء شراكة فاعلة بين الأطراف.3 - اللامركزية.4 - بناء قدرات المجتمع المدني.[c1]معايير الحكم الرشيد:[/c]تمثل قضية تعريف (الحكم الرشيد) وتميزه عن الحكم السيئ قاسماً مشتركاً بين العديد من الأدبيات النظرية في دراسة النظم السياسية وكذلك الأدبيات الصادرة من الأمم المتحدة وكذلك البنك الدولي والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية.. إلخ.وقد اختلفت التعاريف للحكم الرشيد, غير إن هناك معايير لا يمكن القول بالحكم الصالح بدونها, فقد ركزت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية على المعايير الآتية:1 - دولة القانون.2 - إدارة القطاع العام.3 - السيطرة على الفساد.4 - خفض النفقات العسكرية. وركزت الدراسات الصادرة عن برنامج الأمم المتحدة على المعايير الآتية:1 - المشاركة 2 - حكم القانون 3 - الشفافية 4 - حسن الاستجابة 5 - التوافــق 6 - المساواة (خاصة في تكافؤ الفرص) 7 - الفعالية 8 - المحاسبة 9 - الرؤية الاستراتيجية.وفي ضوء ما سبق, يمكن القول إن عناصر الحكم الرشيد تبلورت على النحو الآتي: - ديمقراطية حقيقية توفر المشاركة وتمثيل الشعب, ومحاسبة الحكومة. - تشجيع وحماية حقوق الإنسان (بموجب تعريفها في العهود والمواثيق الدولية واحترام المعايير المعتادة وعدم التمييز). - احترام حكم القانون وإدارة العدالة (كما في الأطر القانونية وآليات النزاع القانوني, وحق التقاضي, واستقلال القضاة والمحامي). - استقلالية المجتمع المدني وفعالية دوره في الحياة العامة. - إدارة حكومية سليمة وخاصة إدارة الأموال العامة , وجود إدارة حكومية تتسم بالاحترافية والحيادية. - سلطات غير مركزية لحكومة محلية فعالة، وبمشاركة تامة من قبل السكان المحليين.[c1]الإِصلاح القانوني :[/c]إثر تعديل الدستور اليمني في سبتمبر 1994م تبلورت فكرة الإصلاح القانوني في الجمهورية اليمنية، وبدأت أولى الخطوات العملية للإصلاح القانوني مع بداية عام 1995م في ضوء برنامج الإصلاح الاقتصادي والمالي وبدأت الإجراءات للإعداد الفعلي للإصلاح القانوني عندما اتفقت الحكومة مع البنك الدولي على إعداد برنامج تنفيذي للإصلاح القانوني.وعقدت أول ندوة موسعة لمناقشة مشروع برنامج الإصلاح القانوني في صنعاء بتاريخ 23 / 4 / 1995م بالتعاون مع البنك الدولي من جهة، ووزارة الشئون القانونية وشئون مجلس النواب وعدد من الخبراء ومن ممثلي مختلف الجهات ذات العلاقة في الجانب الحكومي والقطاع العام والقطاع الخاص إلى جانب عدد من القضاة والمحامين وأساتذة الجامعة.وحققت الندوة نجاحاً كبيراً، بل شكلت محطة لانطلاق عملية الإصلاح القانوني في الجمهورية اليمنية، وذلك تؤكده موافقة الحكومة على توصيات الندوة بإصدار القرار رقم (191) لعام 1995م الصادر في 9 / 8 / 1995م وفي أواخر 1997م أقرت الحكومة خطة للإصلاح القضائي أعدت من قبل وزير العدل، وشملت الخطة إعداد مجموعة من القوانين واللوائح التنفيذية الهادفة إلى تطوير أوضاع السلطة القضائية وفي ضوء هذا التوجه تم عقد ندوة لإصلاح السلطة القضائية بمشاركة خبراء من البنك الدولي.واهم مجالات الإصلاح القانوني في برنامج الحكومة هي: 1 - إصلاح القضاء 2 - الإدارة المحلية 3 - المنظمات غير الحكومية4 - حقوق الإنسان. [c1]إصلاح القضاء:[/c]أصبح موضوع إصلاح أوضاع القضاء بصورة شاملة لجميع هيئاته مطلباً مهماً وقضية وطنية تفرض تضافر جميع المؤسسات الدستورية بل واحتل صدارة اهتمام القيادة وبرنامج الحكومة، ويتأكد ذلك من خلال رسالة رئيس الجمهورية التي أرسلها إلى الحكومة بتاريخ 29 / 6 / 1997م ويمكن تحديد المعالم الرئيسية لخطة إصلاح القضاء بحسب ما جاء في خطة وزير العدل على النحو الآتي:1. الإصلاح الهيكلي لنظام السلطة القضائية وتصويب المفاهيم والممارسة العملية.2. تصويب مسار الأجهزة الرئيسية المعنية بالإصلاح في ضوء المفاهيم الصحيحة .3. حماية استقلال القضاء.4. القاضي.5. النيابة العامة.6. تنظيم وضوابط العلاقة بين السلطة القضائية وجهات الضبط القضائي.7. المحاكم.8. المحاماة.9. التوثيق والسجل العقاري.10. الخبرة أمام المحاكم.11. الطب الشرعي.12. الاجتماع بالسجون ومراكز الحجز الاحتياطي والتفتيش عليها..ووفقاً لخطة الإصلاح القضائي، فإن مجمل التشريعات المطلوب إصدارها وذلك حسب تسلسل ذكرها في الخطة هي:1. مشروع قانون السلطة القضائية.2. اللائحة الداخلية لمجلس القضاء الأعلى.3. اللائحة الداخلية للمحكمة العليا.4. اللائحة التنظيمية لوزارة العدل.5. لائحة التفتيش القضائي.6. اللائحة المالية لميزانية السلطة القضائية.7. لائحة صندوق دعم القضاء.8. مشروع قانون المعهد العالي للقضاء.9. لائحة تنظيم وضبط العلاقة بين السلطة القضائية وأجهزة الضبط القضائي.10. اللائحة التنظيمية للمحاكم.11. اللائحة التنفيذية لقانون الرسوم القضائية.12. اللائحة التنفيذية لقانون التوثيق.13. مشروع قانون المحاماة.14. اللائحة التنفيذية لقانون السجل العقاري.15. مشروع قانون تنظيم الخبرة أمام المحاكم.16. مشروع قانون الطب الشرعي.17. مشروع صندوق بناء وإصلاح المحاكم.18. مراجعة وتعديل بعض النصوص في القوانين الموضوعية والإجرائية.[c1]علاقة القانون بالحكم الرشيد:[/c]يتضمن القانون مختلف القواعد المحددة والمنظمة للعلاقات في المجتمع بحسب مجالاتها المتعددة والمتنوعة، فوجود بنية قانونية مستقرة مع وجود هيئة قضائيه مستقلة يمكن الاعتماد عليها، ذلك من شأنه إعلاء الديمقراطية ويساعد على تطبيق مبادىء الحكم الرشيد. ومن هنا تبرز أهمية إصلاح النظام القانوني بوصفه مكوناً من مكونات الحكم الرشيد.ويتطلب إصلاح النظام القانوني مراجعة وتحديث القوانين النافذة واستحداث قوانين تتلاءم مع المتغيرات الداخلية والخارجية. ولا يتوقف الإصلاح القانوني على ما سلف بل تشكل القدرة على تطبيق القوانين بعداً آخر من أبعاد الإصلاح القانوني بغية ردم الفجوة بين النصوص القانونية وإشكالية تنفيذها.[c1]المطلب الثانــي[/c]مدى التوافق بين التشريع اليمني والحكم الرشيد[c1]أولاً: الدستور:[/c]سادت الحياة الدستورية اليمنية سمة عدم الاستقرار منذ قيام الثورة وحتى تحقيق الوحدة اليمنية حيث شهدت السنوات المنصرمة تعديلين ودستورين ومشروع تعديل ثالث ويشير ذلك إلى غلبة الاستخدام الأدائي للدساتير وضعف الوازعات الدستورية لدى الصفوة السياسية الحاكمة.ويجب على أية تعديلات دستورية البحث عن عقد اجتماعي جديد يتناسب مع ما تصبو إليه اليمن ويقوم على أساس تصحيح العلاقة بين الأطراف صاحبة المصلحة على الساحة السياسية والاقتصادية والاجتماعية.ذكرت خطة الإصلاح القضائي السابق الإشارة إليها أن الدستور في بلادنا قد حسم بحكمة بالغة الأمر المتعلق بتركيب البنية الأساسية للشق القضائي، بأخذه بمبدأ وحدة القضاء، إن أي إصلاح قضائي يرفض (القضاء المزدوج) يفقد كل مبرراته وأهدافه باعتبار أن القضاء الموحد صار اثراً بعد عين ولذلك يجب الإسراع بخلق القضاء الإداري اليمني بكامل هياكله المعروفة في كل العالم ومنها الدول العربية بوصف أن القضاء الإداري قضاء لحماية المشروعية وصيانة الحقوق والحريات العامة ضد تصرفات الإدارة القانونية والمادية المخالفة لقواعـد القانون فالقضاء الإداري ضرورة لا تحتمل التأجيل، لأن مفهوم الدولة القانونية لن يتحقق ويتأكد إلا بميلاد القضاء الإداري اليمني، وهذه الدعوة يشاطرني إياها كلَّ المهتمين والباحثين في القانون والمشتغلين في القضاء .[c1]ثانياً: قانون بشأن محاكمة شاغلي وظائف السلطة التنفيذية العليا :[/c]أصدر المشرع اليمني (قانوناً رقم 6 لسنة 1995م بشأن إجراءات اتهام ومحاكمة شاغلي وظائف السلطة التنفيذية العليا في الدولة) وقد حدد القانون في الفصل الثاني (أنواع الجرائم) وهي - أي الجرائم - منصوص عليها في قانون العقوبات رقم 12 لسنة 1994م والسمة التي تجمعها هي أن الفاعل موظف عام بغض النظر عن درجته في سلم الوظيفة العامة. فلا أجد مبرر لهذا القانون، ذلك من جهة ومن الأخرى المتأمل في إجراءات وآليات الاتهام يتأكد له استحالة تفعيل هذا القانون بمعنى أن تحققت الأفعال الموجودة فاجراءات المحكمة تقف سداً منيعاً، ناهيك عن أن القانون سلب المتهم درجات التقاضي بل قل حصن الدائرة الدستورية في المحكمة العليا بوصفها الجهة المختصة بإغلاق باب الطعن وربما قراءة أخرى من قبل المختصين في القانون الجنائي تتوصل إلى مقاربة أكثر عمق.[c1]ثالثاً : تشريعات الخدمة المدنية:[/c]إن نقد القوانين ومراجعتها بغية إصلاح أي خلل لا يكفي وحده، لأن الخلل لا يكمن فقط في قصور القوانين، وإنما يكمن ايضاً في القصور في تنفيذها وهذه هي المشكلة في الجمهورية اليمنية، غير أن ذلك لا يعفينا من محاولة إبراز بعض الملاحظات على قانون الخدمة المدنية رقم 19 لسنة 1991م على النحو الآتـي:1 - ينص قانون الخدمة المدنية في المادة (34) على جواز التعيين بصورة مؤقتة بعقود خاصة عند الضرورة القصوى .. وهذا خروج عن فكرة دائمية الوظيفة العامة، كما نصت المادة (51) من اللائحة التنفيذية للقانون في الفقرة (ب) على أن تضع الوزارة نظاماً خاصاً بالتعيين لشغل الوظائف المؤقتة يتضمن القواعد والشروط والإجراءات المتضمنة لذلك . ولكن لم يصدر النظام المشار إليه.مما سلف ثمة مصطلح ( العقود الخاصة) ( والتعيين المؤقت ) وتلك ازدواجية، ليس هذا فحسب بل هناك إشكالية فيما يتعلق بالاشتراكات التعاقدية وحالة عدم التسديد من قبل الموظف المؤقت. وأخيراً ما هي الضرورة القصوى الواردة في النص.وفي حدود علمنا إن فكرة أو اصطلاح ( الوظيفة المؤقتة) اصطلاح يمني صرف إذ أن نظام الوظيفة المؤقتة غدت وسيلة للتعيين الدائم بمعنى أنها الخطوة الأولى لعدم الالتزام بنظام التوظيف المحدد قانوناً والخلاصة فتح نافذة للفساد .2 - حدد قانون الخدمة المدنية السلطة المختصة بالتأديب ومنها مجالس التأديب غير أن قرارات مجالس التأديب لا تعد نافذة إلا بمصادقة رئيس مجلس الوزراء بالنسبة لمجلس التأديب الأعلى، ومصادقة الوزير المختص أو رئيس الوحدة الإدارية بالنسبة لمجلس التأديب العادي.ونرى أن هذا المسلك غير محمود لأن مجالس التأديب تهدف إلى توسيع الضمانات وهذا لن يتحقق الا بإعطاء قراراتها صيغة النفاذ بمجرد صدورها .3 - تنص المادة (17) من قانون الخدمة المدنية على انه (لا يجوز توقيف الموظف أثناء فترة التحقيق الا إذا اقتضت مصلحة التحقيق أو العمل ذلك، وبموافقة الوزير المختص أو رئيس الوحدة الإدارية ) وفي الفقرة (ب) من المادة ذاتها ينص على أن (يتقاضى الموظف راتبه أثناء فترة التحقيق إذا استمر في عمله أما إذا تم توقيف الموظف فانه يتقاضى نصف راتبه أثناء فترة التحقيق التي لا يجوز أن تتعدى (4) أشهر).ونرى أن تكون خاتمة النص (وإذا تجاوزت فترة التحقيق مدة 4 اشهر يعود الموظف إلى وظيفته أو أي وظيفة أخرى) .. لان التحقيق ولأسباب عديدة يتجاوز السنة أحيانا وتضطرب أحوال الموظف المادية والنفسية وتتوقف ترقيته .. إلخ ويصبح التوقيف الاحتياطي وكأنه جزاء.4 - من أهم عناصر (الدولة القانونية) خضوع كافة أعمالها للرقابة القضائية ولذلك فان حصر الرقابة القضائية على (عقوبة الفصل من الوظيفة) كما تنص المادة (115) من قانون الخدمة المدنية والمادة (211) من لائحته التنفيذية الصادرة بالقرار الجمهوري رقم 122 لعام 1992م فيه إهدار للضمانات القانونية، ثم ما المانع من منح الموظف المعاقب بأية عقوبة من العقوبات التأديبية حق الطعن أمام القضاء بوصف أن حق التقاضي حق دستوري?.5 - ينص قانون الخدمة المدنية في المادة (5) الموسومة (صلاحيات الوزارة) على أن تتولى وزارة الخدمة المدنية والإصلاح الإداري الإشراف على تطبيق قانون الخدمة المدنية، ولها في سبيل ذلك الصلاحيات التالية: - إصدار فتاوى مسببة فيما يثور من إشكالات عند تطبيق هذا القانون وتكون فتاواها ملزمة وتوضح اللوائح التنفيذية الإجراءات اللازمة والمتبعة في هذا الشأن، إن الإشكاليات في تطبيق القانون بحسب تعبير قانون الخدمة المدنية هي من اختصاص القاضي بوصفه الحارس الطبيعي للقانون ولحماية المشروعية وهو كذلك قائم على حمايتها ضد محاولات الدولة المساس بتلك المشروعية . إن منح الفتوى للسلطة التنفيذية نسف لمبدأ فصل السلطات، بل خروج عن أصول القانون المتعارف إليها منذ جون لوك وشارل دي منتسكيو.وتجب الإشارة إلى أن النص المذكور تكرر في قانون قضايا الدولة رقم 30 لسنة 1996م.6 - إن تجربة المشرع اليمني بتقنين المخالفات التأديبية قمينة بالإشادة إذ نصت المادة (193) من اللائحة التنفيذية لقانون الخدمة المدنية على انه (يتعين على كل وحدة إدارية إعداد قوائم تفصيلية بأنواع المخالفات الإدارية وما يقابلها من العقوبات التأديبية المحددة في المادة (191) من هذه اللائحة وفقاً لطبيعة وخصوصية نشاطها وبما لا يتعارض مع أحكام هذه اللائحة ويتم عرضها على الوزارة للموافقة عليها قبل إصدارها). وبحسب المادة (194) من اللائحة (يصدر بنظام الضبط وأنواع المخالفات الإدارية والعقوبات المحددة لكل منها قرار من الوزير المختص). وفي الاتجاه نفسه صدرت لائحة الجزاءات والمخالفات المالية والإدارية بقرار مجلس الوزراء رقم 27 لسنة 9981م لسنة 1998م وتعد هذه اللائحة (لائحة استرشادية) لوحدات الجهاز الإداري للدولة للاستفادة منها عند إعداد لوائحها وفقاً لطبيعة وخصوصية نشاطها، وعلى الرغم من ذلك لم تصدر إلا اللوائح الآتية:1 - لائحة الجزاءات التأديبية لكادر السلك الدبلوماسي والقنصلي بقرار وزاري رقم (152) لسنة 1991م.2 - لائحة المخالفات والجزاءات الإدارية لعمال وموظفي شركة مصافي عدن بقرار وزاري رقم (25) لسنة 2003م.3 - نظام الضبط الإداري لموظفي بنك التسليف التعاوني والزراعي الصادر في 6 / 4 / 1996م.ويمكن الإشارة إلى إن عدم الالتزام بنصوص التشريعات المنظمة للخدمة المدنية فيما يخص إصدار لوائح الجزاءات المالية الإدارية، يمكن أن تضاف إليها مسألة تتعلق بوجود الهيئات الإدارية وهي اللوائح التنفيذية وكذلك اللوائح التنظيمية حيث أن العديد من الأجهزة الإدارية وغيرها من المؤسسات الحكومية لم تصدر لوائحها التنفيذية والتنظيمية. [c1]رابعاً : قانون الإجراءات الجزائية رقم 13 لسنة 1994م[/c]تقتضي الأمانة العلمية الإقرار بان الدستور اليمني المعدل أحاط المواطن بسياج من المبادئ التي تضمن حماية حقوقه واحترام حرياته العامة، ومنها تلك المتعلقة بحقوق المتهم وذلك في المواد (47 إلى 53) وهذه المبادئ والضمانات الدستورية جاءت كذلك في قانون الإجراءات الجزائية في الباب الثاني الموسوم (المبادئ والمهام الأساسية) المـواد (3 إلى 20).وتكمن الإشكالية في الفجوة الكبيرة بين هذه النصوص وما يجري في التطبيق العملي، ويتجلى ذلك في المناشدات التي تنشرها الصحف اليمنية سواء الرسمية أو الأهلية أو الحزبية، وجل هذه المناشدات المرفوعة إلى الأجهزة التنفيذية المعنية بتطبيق العدالة سواء وزير العدل أو النائب العام، بل مناشدات إلى رئيس الجمهورية تتعلق بمعاناة المواطنين من عدم احترام تطبيق القانون، كأن يتم اعتقال الأَب بدلاً عن ولده وهذا إهدار لمبدأ المسئولية الجزائية الشخصية المنصوص عليه في الدستور والقانون الإجرائي. أو إن يتم التحقيق دون حضور المحامي أو الإدلاء بأقوال بطرق تخالف قواعد ا لقانون أو تمديد فترة الحبس الاحتياطي دون وجه حق وبما يخالف النصوص بل إن بعض المناشدات تتعلق ببقــاء من أنهى مدة عقوبة السجن دون إطلاقه .. إلخ، هذا ناهيك عن السجون الخاصة التي أثارتها (مجلة القسطاس) في العدد (19) يناير 2000م أو قضية تعذيب الشاب الكوكباني في المحويت ومقتل الصبري في قسم شرطــة الروضة أو قضية المغترب الضحية عبد الله العسكري كما ورد ذلك في (مجلة القسطاس) في الصفحة الثانية المعنونة (تعذيب) العدد (14) يوليو 1999م أو قضية الرميم التي تعود إلى سبتمبر 1993م حيث وقعت معركة في مذبح حول قطعة ارض ولقي أحد الشباب مصرعه ولم يكن الرميم طرفاً في النزاع ولم يشهد المعركة (الرميم باع ارضاً وأصبح النزاع بشأنها بين طرفين آخرين) لكنه احتجز بتهمة القتل وقدم للمحكمة التي قضت بإعدامه ثم نقض الحكم في الاستئناف وحصل على البراءة ثم أعيد اتهامه.. وبعد مضي ثمان سنوات في السجن ينتظر عقوبة الإعدام تقرر الإفراج عنه.وكذلك قضية احمد الفراصي من أهالي الحيمة والذي بدأت محاكمته وكلف القاضي محامياً للدفاع عنه وكان الفراصي نزيل السجن المركزي بالعاصمة منذ أن تم القبض عليه عام 1981م وقضي 17 عاماً دون أن توجه له تهمه أو يحال أمره إلى القضاء.. إلخ. وكذلك إغلاق السجن غير القانوني في مديرية التحرير التابع لإدارة البلدية الذي أغلق بعد مطالبة تقدمت بها وزير الدولة لحقوق الإنسان واثر ذلك تم الإفراج عن 16 محتجزاً في سجن البلدية معظمهم من الأطفال، وفي سجن نيابة إحدى مديريات الضالع قتل متهم بالقتل أواخر مارس 2000م حيث أن شرطة المديرية أحالت المتهم إلى النيابة إلى التي أودعته سجنها إلا أن حراسة السجن تركته فجاء مسلحون ودخلوا السجن وأطلقوا النار على المتهم واردوه قتيلاً. وأسفر تفتيش أجرته نيابة الأمن والبحث بمحافظة صنعاء على حجز إدارة البحث عن كشف مخالفات للقانون منها التجاوز في مدة الحبس القانوني ووجد أشخاص وصلت مدة حبسهم إلى أربع وعشرين يوماً بدلاً عن المدة المحددة قانوناً بأربع وعشرين ساعة، بينما احتجز آخرون مدة أسبوع، ووجد في حجز البحث الجنائي أثناء التفتيش شخصان محتجزان بدلاً عن ولديهما أحدهما متهم بالسرقة والأخر متهم بالشروع في القتل - هذا وكان التفتيش بتاريخ 24 يوليو 200م . كما داهم مسلحون إدارة أمن المنطقة الأولى بأمانة العاصمة وأفرجوا عن سجين واختطفوا جندياً.[c1]خامساً : قانون السلطة القضائية المعدل رقم السنة 1991م[/c]لا اعتقد إن ثمة موضوعاً في اليمن قُتل بحثاُ وتقييماً ونقداً كالقضاء، بل لم يتفق اليمنيون على شيء كاتفاقهم على ضرورة إصلاح القضاء، فوضعت خطط لإصلاحه كمشروع قانون السلطة القضائية المقدم من المنتدى القضائي في أغسطس 1996م وخطة الإصلاح القضائية المقدمة من قبل وزير العدل.إن بناء دولة يمنية حديثة، لن يتحقق إلا بسيادة القانون واحترام وتعزيز وترقية مبادئ الدستور التي تقرر استقلال القضاء واحاطته بضمانات لحماية الحقوق والحريات العامة بوصف أن استقلال القضاء حجر الزاوية في أي نظام ديمقراطي.وقد صدر قانون السلطة القضائية عام 1991م وتعدل بموجب القانون رقم (3) لسنة 1994م والتعديل الآخر بموجب القانون رقم (15) لسنة 2006م، غير أن هذه التعديلات لم تمس النصوص التي تتصادم وتتعارض مع المبدأ الدستوري في استقلال القضاء بل و تمنح السلطة التنفيذية صلاحيات واسعة للتدخل في شئون القضاء كالتعيين والترقية والندب وتبعية هيئة التفتيش القضائي.وبحسب الدعوى المقدمة من قبل أعضاء النيابة العامة بشأن عدم دستورية قانون السلطة القضائية والمرفوعة إلى المحكمة العليا ممثلة بالدائرة الدستورية فالمواد المطلوب الحكم بإلغائها لعدم دستوريتها هي (16 / ف ب، 39، 54، 59، 60، 65ب، 67، 68، 69، 70، 72، 73، 85، 87، 89، 90، 91،92، 93، 94، 97، 99، 104 / 2 / 6، 106، 108 ب، 111 / 2).[c1]سادساً : قانون الجرائم والعقوبات[/c]أود في البداية الإشارة إلى ضرورة التفريق بين الشريعة والفقه، فالشريعة هي حكم الله تعالى، والفقه فَهْم هذا الحكم ومعرفته ولذلك تُجمع كتب الفقه على تعريفه بأنه (معرفة أحكام الله المتعلقة بأفعال المكلفين، فأحكام الله هي أوامره سبحانه، وهو عز وجل المشرع أو الشارع (اسم فاعل من شرع) والفقه هو عمل البشر، وهذا العمل معرفة الحكم).وكان الفقهاء يعرفون ذلك ويقدرونه، فلم يسبغ أحد منهم القداسة على فهمه أو فقهه وإنما كان كل منهم يقول : (قولنا صواب يحتمل الخطأ، وقول غيرنا خطأ يحتمل الصواب). وكانوا جميعاً ينهون عن التقليد.وبحسب المادة (3) من دستور الجمهورية اليمنية المعدل (الشريعة الإسلامية مصدر جميع التشريعات( وليس الفقه )الذي تعامل مع عصور مضت، وواقع يرجع إلى الوراء مئات السنين مع احتفاظنا بثرواتنا الفقهية لنستأنس بها ولنبني عليها، لا أن نقف عندها).وإضافة لما سبق، أكدت اليمن في المادة (6) من الدستور، على العمل بميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان وقواعد القانون الدولي المعترف بها بصورة عامة. كما صادقت الجمهورية اليمنية على معظم المواثيق الدولية لحقوق الإنسان وذلك يعد اعترافاً وإقراراً بهذه المواثيق والاتفاقيات، وبهذا الاعتراف أصبحت طرفاً فيها، وملتزمة بما تضمنته هذه الاتفاقيات، ولا يجوز لليمن التذرع أو التمسك بالقانون الداخلي(الوطني) كسبب لعدم الالتزام وعدم التنفيذ، لان التصديق يجعل من هذه المواثيق جزءاً من التشريع الداخلي (الوطني) .ر بمــا كانت تلك المقدمة ضرورية للحديث عن قانون الجرائم والعقوبات رقم (12)لسنة 1994م الذي بحسب أحد الباحثين تتعارض بعض نصوصه مع المواثيق التي صدّقَت عليها اليمن والمواد المشار إليها هي (42، 56، 68، 59، 81، 100، 101، 232). ومثال ذلك المادة (42) التي تنص على أن (... ودية المرأة نصف دية الرجل وأرثها مثل الرجل إلى قدر ثلث دية الرجل ويُنَصف ما زاد).[c1]خاتمة:[/c]تبيّن مما سلف، حاجة اليمن لإصلاحات قانونية وقضائية، وتجلـــى ذلك، من خلال مشاريع الإصلاح سواء المقدمة من الحكومة أم غيرها، بصرف النظر عن أن تلك المشاريع ما برحت مشاريع فقط، إذ أن العديد من القوانين لم تصدر، ناهيك ، عن أن بعض القوانين تتطلب إعادة النظر فيها وتعديلها لتتواءم مع المواثيق الدولية وغيرها من المستجدات، كما تبين أن ثمة فجوة شاسعة بين القوانين وتطبيقاتها.ومما تقدم، يجب تضافر جهود كافة الأطراف، فالقضاء لا يعمل في جزيرة منعزلة عن المجتمع، ولذلك تتأكد أهمية إصلاحه لان إصلاحه سينعكس ايجابياً على جميع أجهزة الدولة والمجتمع، والعكس صحيح. [c1] أستاذ القانون العام المساعد
|
دراسات
الحكم الرشيد والتشريع اليمني
أخبار متعلقة