تقديم وترجمة/ احمد صالح الفقيه تقديم اهتم علماء مسلمون بقضايا الجمال، منهم «الفارابي» و»الأصفهاني» و»ابن عربي» و»الجاحظ» و»التوحيدي» وكانت لهم مقاربات شبه فلسفية أسست ما يشبه فلسفة علم جمال إسلامي، وان كان تأثرهم بفلاسفة اليونان ملحوظا. ومن جهة أخرى كانت الأعمال النقدية قوية وإبداعية بصورة بارزة كما تجلت في أعمال الناقد العظيم عبدالقاهر الجرجاني على سبيل المثال لا الحصر. فهذا ابوحيان التوحيدي يرى أن الجمال الشكلي الإنساني: «كمال في الأعضاء وتناسب في الأجزاء مقبول عند النفس»، أما الجمال المطلق عنده: «فإن الله هو مصدر الموجودات ومصدر كل جمال ومنه تستمد النفس البشرية جمالها». وعن جماليات الأدب يقول: « الجمال يتجلى في التناسب بين اللفظ الحر الخالي من التكلف وبين المعنى الحر . ومتى فاته اللفظ الحر لم يظفر بالمعنى الحر ، لأنه متى نظم معنى حراً ولفظاً عبداً أو معنى عبداً ولفظاً حراً ، فقد جمع بين متنافرين بالجوهر، ومتناقضين بالعنصر »اما الجاحظ فانه يعيد تمييز الجمال إلى العادة والاستحسان فيقول: كانوا يمدحون الجهير الصوت؛ ويذمون الضئيل الصوت؛ ولذلك تشادقوا في الكلام؛ ومدحوا سعة الفم؛ وذموا صغر الفم».ويرى ابن عربي «»أن حضرة الجلال السبحات الوجهية المحرقة، ولهذا لا يتجلى في جلاله أبداً، ولكن يتجلى في جلال جماله لعباده، فيه يقع التجلي، فيشهدون مظهر ما ظهر من القهر الإلهي في العالم» ويقول ابن عربي ايضا: «انقسم أهل الله في حب الجمال إلى قسمين: فمنا من نظر إلى جمال الكمال وهو جمال الحكمة فأحب الجمال في كل شيء لأن كل شيء محكم هو صنعته؛ فمن أحب العالم بهذا النظر فقد أحبه بحب الله وما أحب إلا جمال الله؛ فجمال العالم جمال الله، وصورة جماله دقيقة أعني جمال الأشياء وهو الجمال المطلق الساري. ومنا من ينظر إلى الجمال العرضي فقد يتصف أحدهم بالجمال فيحبه كل من رآه فهذا هو الجمال العرضي الذي تعرفه العامة لا جمال الحكمة». كانت إحدى أجمل النظريات الجمالية الإسلامية مؤسسة على الآية القرآنية الكريمة (وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين) الأعراف172. وتقول النظرية: أن البشر طرا قد شاهدوا وهم بعد في عالم الذر جمال الله وجلاله، وسمعوه عندما أشهدهم على أنفسهم - حسب ما جاء في الآية الكريمة - فكان استحسانهم لكل جميل من المشاهد أو الأصوات من أثر تلكم الرؤية وذلكم السماع. وكنت قد ضمنت هذه النظرية قصيدة لي بعنوان (درة الخلق) قلت فيها:[c1]أي مسٍ من الفتون تراءى مبدع اللون والسنا مهرجاناأنطق الصخر فنه معجزاتٍقد وشاها وصاغها أفناناوشفيف الحروف ثر المعانيوضرام الخيال يندى حناناصفحة ٌمجلوةٌ لم تعاني كدر الكره ظلمة واضطغاناروحه تعرف الجمال المصفىمذ تجلى ودعاها عيانايوم نادى ألست أنت ؟ فقالتبلى! حملت ثمة الأشجاناجبل الحب والصفاء فكانا درة الخلق مبدعا فنانا[/c](المترجم)أما دانتو فإنه يقول في مقالته: إن علم الجمال هو أحد فروع الفلسفة، وهو يهتم بجوهر الجمال، وفهم الجمال والقبح. كما يتعامل علم الجمال مع أسئلة مثل هل للجمال والقبح وجود موضوعي في الأشياء، أم أنهما موجودان في عقل المتلقي؟ وهل أن فهمنا للأشياء يتم من خلال نموذج جمالي، أم أن الأشياء تملك في داخلها صفات خاصة جمالية؟ وتثير الفلسفة كذلك أسئلة عن الفرق بين الجمال والجمال المطلق.ومن جهة أخرى فإن كلا من النقد وعلم نفس الفن، على الرغم من استقلالهما عن بعضهما، فإنهما يهتمان بأسئلة لها علاقة بعلم الجمال. فعلم نفس الفن يهتم بعناصر فنية مثل ردود أفعال الإنسان على اللون والصوت، والخط، والشكل، والكلمات، والطريقة التي تكيف بها العواطف ردود الأفعال تلك.أما النقد فإنه يحصر نفسه في أعمال فنية محددة ويحلل بنيتها، ومعانيها، ومشاكلها، ويقارنها بأعمال أخرى، ثم يقومها.ويرجع الفضل في نحت مصطلح علم الجمال إلى الفيلسوف الألماني الكساندر غوتليب بومجارتن في العام 1753، وإن كانت دراسة طبيعة الجمال سابقة عليه بقرون متطاولة، على يد الفلاسفة الذين انحصرت هذه الدراسة بهم. إلا أن الفنانين قد ساهموا منذ القرن التاسع عشر في هذا الميدان.[c1]النظريات الكلاسيكية[/c]كانت نظرية أفلاطون هي أول نظرية جمالية ذات شأن. فقد آمن أفلاطون أن لكل موجود حقيقي في عالم الواقع أصلاً أو أنموذجاً أصلياً في عالم المثل الذي يقع خارج نطاق حواس الإنسان. وأن الفيلسوف إنما يحاول من خلال فحصه وتأمله لما هو موجود أن يصل إلى الحقيقة التي تمثلها أو تحاكيها هذه الموجودات، وأن الفنان إنما يقوم بمحاكاة ما هو موجود، أو يستعمله كنموذج لعمله الفني، ولذلك فهو مقلد للمقلد.وكان لتفكير أفلاطون هذا بعد آخر مهم. فقد ذهب في كتابه الجمهورية إلى حد إقصاء بعض أنواع الفنون من مجتمعه المثالي، لأنها كانت في رأيه تشجع على الإنحطاط الأخلاقي، أو تعرض قيماً وضيعة. كما رأى أن بعض أنواع الألحان تسبب الكسل، أو تدفع الناس إلى الشطط ومجانبة الاعتدال.وقد تكلم أرسطو أيضاً عن الفن كتقليد أو محاكاة ولكن ليس بالمعنى الأفلاطوني. فالفنان كما يرى أرسطو يقلد الأشياء ويجعلها (كما ينبغي أن تكون) (وأن الفن يكمل ما عجزت الطبيعة عن إكماله). فالفنان يفصل الشكل عن المادة التي يختبرها كالشجرة أو جسم الإنسان، ويفرض ذلك الشكل على مادة أخرى هي مادة التمثال، أو ألوان اللوحة الفنية. إذن والحال هذه، فإن الفن ليس تقليداً لانموذج، وليس استنباطاً للرمز من الأصل، وإنما هو تجسيد لجانب من جوانب الشيء أو الأشياء. ومن ثم فإن كل عمل فني هو محاكاة للكمال الكوني.ولم يكن علم الجمال لدى كل من أرسطو وأفلاطون منفصلاً عن الأخلاق والسياسة. وقد كتب الأول عن الموسيقى في كتابه (السياسة) قائلاً بأن الفن يؤثر على أخلاق الإنسان ومن ثم على النظام الاجتماعي. ولأن أرسطو كان يعتقد بان السعادة هي هدف الإنسان في الحياة، فقد رأى بأن المهمة الأساسية للفن هي توفير المتعة للإنسان. وفي كتابه (في الشعر) وهو مؤلفه المهم في مبادئ الدراما، جادل أرسطو بأن التراجيديا تثير مشاعر الشفقة والخوف التي اعتبرها مشاعر مريضة وغير صحية. ولأن المشاهد يتماهى مع شخصيات العرض، فإنه يتخلص في نهاية العرض المسرحي من هذه المشاعر. وهذا التطهر من المشاعر المرضية يجعل المشاهد أكثر صحة، ومن ثم أكثر قدرة على الشعور بالسعادة.وقد تأثرت الدراما الكلاسيكية الجديدة، منذ القرن السابع عشر، كثيراً بأفكار أرسطو. وكانت أعمال راسين وكورنيل وموليير على وجه الخصوص، تستمد قوانينها من الوحدة بين الزمان والمكان والحدث. وقد طغت هذه المبادئ على النظريات الأدبية حتى القرن التاسع عشر.[c1]مقاربات مبكرة أخرى[/c]ان فيلسوف القرن الثالث أفلوطين قد ولد في مصر، ودرس الفلسفة في الإسكندرية. وعلى الرغم من أنه كان أفلاطونياً جديداً من حيث مذهبه الفلسفي، فإنه قد أولى الفن اهتماماً أكبر بكثير مما أولاه إياه أفلاطون. وقد رأى أفلوطين أن الفن يكشف عن أشكال الأشياء بصورة أوضح كثيراً مما تتيحه الخبرة العادية. وأنه يرفع الروح إلى مستوى تأمل الكلي. ويرى أفلوطين ان اللحظة الصوفية هي أعظم لحظات الحياة، وهي اللحظة التي تتحد فيها الروح في عالم المثل بالإلهي الذي يشير إليه أفلوطين باسم (الواحد). ويقول أفلوطين، بان التجربة الجمالية هي أقرب ما تكون إلى التجربة الصوفية، لأن الإنسان يفقد إنيته اثناء تأمله للجمال.كان الفن في العصور الوسطى في أوروبا تعبيراً دينياً، وكانت مبادئه الجمالية مرتكزة على الأفلاطونية الجديدة إلى حد كبير. وقد أصبح الفن أكثر علمانية خلال عصر النهضة، في القرنين الخامس عشر والسادس عشر، وأصبحت جمالياته كلاسيكية ترجع إلى الفنين الإغريقي والروماني، أكثر مما تستمد مرجعيتها من الدين.وقد حدثت الإندفاعة الكبرى لعلم الجمال في ألمانيا في القرن الثامن عشر. فالناقد الألماني جوثولد أفرايم ليسنج جادل في كتابة (لاكون) عام 1766 بأن الفن يحمل محدودياته في داخله، وأنه لا يمكن الوصول إلى أعلى مراتبه ما لم يتم إدراك تلك الحدود. ثم جاء الناقد وعالم الآثار الألماني جوهان جواكيم وينكلمان ليبعث الفكرة الإغريقية القائلة بان أفضل الفنون هي التي تخلو من النوازع الشخصية. وأن الفن الأفضل هو ذلك الذي يعكس أجمل المقاييس والنسب والتوازن في الاشياء، بدلا من أن يعكس الروح الفردية للمبدع.واعتبر الفيلسوف الألماني جوهان غوتليب فيخته أن الجمال قيمة أخلاقية، لأن الفنان يبدع عالماً يبلغ الصدق والجمال فيه غايتهما، متنبئأً بالحرية القصوى التي هي هدف وغاية الإرادة الإنسانية. والفن عند فيخته فردي وليس اجتماعياً، ولكنه يحقق هدفاً إنسانياً عظيماً.[c1]علم الجمال الحديث[/c]في القرن الثامن عشر، كان الفيلسوف الألماني ايمانويل كنت مهتما بالأحكام والذوق. وافترض أننا نحكم على الشيء بانه جميل، عندما يرضي هذا الشيء رغبة عليا غير متعلقة باهتمامات واحتياجات الإنسان العادية. وينتج من ذلك أن الأشياء الجميلة ليست غرضية ذات هدف محدد، وأن أحكام الجمال ليست تعبيراً عن التفضيلات الشخصية، ولكنها ذات طابع كوني كلي. ومع أن الإنسان لا يمكن له أن يتأكد بأن أحكامه الجمالية تتفق مع أحكام الآخرين، إلا أنه يمكن للمرء القول على الأقل إن الآخرين أيضاً ينبغي لهم أن يروا الجمال الذي رآه. ويكمن أساس استجابة الإنسان للجمال في بنيته العقلية. وأن الفن ينبغي أن يحقق الإشباع السامي الذي يحققه جمال الطبيعة. وأن المفارقة تكمن في أن الفن يمكن له أن ينجز ما لا تستطيع الطبيعة إنجازه، وذلك بالجمع بين الجمال والقبح في شيء واحد، فالرسم المتقن لوجه قبيح يظل جميلاً.وطبقاً للفيلسوف الألماني هيجل في القرن التاسع عشر فإن الفن والدين والفلسفة أساس التطور الأعلى للروح. فجمال الطبيعة هو ما تجده الروح ساراً ومطابقاً لممارستها حريتها الفكرية والروحية. وأن كثيراً من الأشياء في الطبيعة يمكن جعلها أكثر مدعاة للسرور، وهو ما يتعرف عليه الفنان وينجزه ليجعله مصدرا لإرضاء الاحتياجات الجمالية.أما الفيلسوف الألماني آرثر شوبنهاور، فقد آمن أن الأشكال الكونية مثلها مثل أشكال أفلاطون الأزلية، موجودة خارج نطاق عالم التجربة، وان الإشباع الجمالي يتحقق عن طريق تأملها من أجل ذواتها، وكوسيلة للهروب من عالم التجربة اليومية المؤلم.ويقع كل من فيخته وكنت وهيجل في نسق واحد متصاعد. وقد هاجم شوبنهاور هيجلاً ولكنه كان متأثراً بوجهة نظر كنت عن التأمل المتعالي المتجرد من الحاجة والرغبة.وقد اقتفى الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه أثر شوبنهاور في البداية، ولكنه عاد ليختلف معه فيما بعد. وقد قرر نيشته أن العالم مأسأوي، ولكن على المرء أن يتقبل هذه المأساوية بروح مرحة تبلغ ذروتها في الفن. وأن الفن يجابه رعب العالم ويقاومه، ولذلك فهو يخص الأقوياء. وأن الفن قادر على تحويل أي تجربة إلى جمال، وإذ يفعل ذلك يتيح للإنسان تأمل الرعب الكامن فيها بمرح واستمتاع.[c1]علم الجمال والفن[/c]كانت الفكرة القائلة بأن الفن محاكاة للواقع طاغية ومسيطرة على علم الجمال التقليدي في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. وقد قدم الأدباء مثل جين اوستن وتشارلز ديكيز في بريطانيا وكارلو جولدوني، والكسندر دوماس الصغير في فرنسا، صورا واقعية عن حياة الطبقة الوسطى. وكان الرسامون سواء كانوا كلاسيكيين جدداً مثل جين أوجست دومينيك انجرس أو رومانسيين مثل يوجين ديلاكروا، أو واقعيين مثل جوستاف كوربيه، يرسمون موضوعاتهم بحرص شديد على التفاصيل كما هي عليه في الواقع.وكان من المعتقد في علم الجمال التقليدي، أن القطع الفنية ذات فائدة بالإضافة إلى جمالها. فاللوحة يمكن أن تقوم بتخليد ذكرى الحوادث التاريخية، أو أن تشجع القيم الأخلاقية، وأن الموسيقى يمكن أن تهيج المشاعر الوطنية، وأن الدراما وخاصة على يدي دوماس والنرويجي هنريك إبسن، قد تقوم بأداء وظيفة النقد الاجتماعي المؤدي إلى الإصلاح.وفي القرن التاسع عشر، كانت أفكار حركة (أفانت جارد) أو إلى الأمام أيها الحرس، قد أخذت تتحدى وجهات النظر التقليدية. وكان التغيير الذي أحدثته أكثر ما يكون وضوحاً في فن الرسم. فالفنانون الانطباعيون الفرنسيون مثل كلودي مونيه شجبوا الفنانين الأكاديميين، لأنهم كانوا يرسمون ما ينبغي أن يرى لا ما يرونه فعلاً؛ وهي تلك الأسطح ذات الألوان المتعددة والأشكال البراقة التي يخلقها التلاعب بالضوء والظل والتغير فيهما مع حركة الشمس.وفي أواخر القرن التاسع عشر، أصبح ما بعد الإنطباعيين مثل بول سيزان، وبول جوجان، وفينسنت فان جوخ، أكثر اهتماماً ببنية الرسم، والتعبير عن مشاعرهم النفسية أكثر من تقديم الأشياء في عالم الطبيعة. وفي القرن العشرين، تطور هذا الاهتمام البنيوي أكثر على يد التكعيبيين مثل بابلو بيكاسو، وأنعكست اهتمامات التعبيريين في أعمال هنري ماتيس والفافيين الآخرين، وكذلك في أعمال التعبيريين الألمان مثل إرنست لود فيك كيرشنر. وكانت التأثيرات التعبيرية على الأدب المكتوب واضحة في مسرحيات السويدي أوجست ستريندبيرج والألماني فرانك ويدكند. وقد تطابق مبدأ الفن للفن مع هذه الحركات اللاتجسيدية الفنية، وهو المبدأ الذي اشتق من وجهة نظر كانت تقول بأن الفن لديه أسبابه الخاصة للوجود. وقد استخدمت هذه العبارة للمرة الأولى من قبل الفيلسوف الفرنسي فيكتور كوزين في العام 1818. وكان هذا المبدأ الذي دعي في وقت من الأوقات بالمبدأ الجمالي، قد اشتهر في إنجلترا على يد الناقد والتر هوراشيو باتر، وعلى يد رسامي ما قبل الروفائيلية، وعلى يد الرسامين الأمريكيين مثل جيمس آبوت، وماكنيل وسلر. أما في فرنسا، فقد كان مبدأ الفن للفن تعويذة الشعراء الرمزيين من أمثال شارلس بودلير. ويختزل مبدأ الفن للفن معظم أعمال حركة أفانت جراد الغربية في القرن العشرين.[c1]أكبر التأثيرات المعاصرة[/c]كان لأربعة من فلاسفة أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين أكبر الأثر على علم الجمال المعاصر. ففي فرنسا عرف هنري بيرجسون العلوم بأنها موهبة خلق نظام من الرموز التي يفترض أن تصف الحقيقة وفي الوقت نفسه تخدعنا عنها. وأن الفن يقوم على الحدس الذي هو الإدراك المباشر للحقيقة بدون وساطة التفكير. ولذلك فإن الفن يخترق الرموز والعقائد عند الناس والحياة والمجتمع ويضع الإنسان أمام الحقيقة وجهاً لوجه.وفي إيطاليا مجد الفيلسوف والمؤرخ بنديتو كورسي الحدس، ولكنه اعتبره الإدراك الفوري للشيء والذي يمنح هذا الشيء شكله. وأنه إدراك الإنسان للأشياء قبل أن يفكر فيها. وأن الأعمال الفنية هي التعبير المادي عن الشكل وعن هذا الإدراك، أن الجمال والقبح ليسا صفتين للعمل الفني ولكنهما من صفات الروح التي عبرت عن نفسها بالحدس في تلك الأعمال الفنية.أما الفيلسوف والشاعر الأمريكي جورج سانتايانا فقد جادل أنه عندما يحس الإنسان بالسرور من شيء ما فإن ذلك السرور يمكن اعتباره صفة للشيء ذاته بدلاً من اعتباره استجابة ذاتية للشيء، بالضبط كما يقوم الإنسان بوصف عمل إنسان آخر بأنه طيب في ذاته بدلاً من أن يصفه بأنه عمل طيب لمجرد أنه يوافق عليه. ولذلك يمكن للمرء أن يقول إن بعض الأشياء جميلة ليس لأن إحساسه الجمالي بألوانها وأشكالها هو ما دفعه إلى القول بأنها جميلة.في حين أن الفيلسوف ورجل التعليم جون دوي يرى بأن التجربة الإنسانية غير مترابطة، ومجزأة، ومليئة بالبدايات غير مكتملة، وكأن التجارب وسائل متعمدة تستخدم للوصول إلى النهايات. وهذه التجارب المتميزة التي تتدفق من بداياتها إلى نهاياتها الممتعة هي خبرات جمالية. والخبرة الجمالية هي الاستمتاع لأجل الاستمتاع. وهي كاملة ومنطوية على ذاتها، كما أنها عابرة وليست وسيلة إلى أية غاية أخرى.[c1]الماركسية والفرويدية[/c]وقد رفضت حركتان قويتان هما الماركسية في الميدان الاقتصادي والسياسي، والفرويدية في علم النفس، مبدأ الفن للفن، وأكدتا أن للفن أغراضا عملية. فالماركسية تعامل الفن باعتباره تعبيراً عن بنية فوقية للعلاقات الاقتصادية التحتية للمجتمع، ويقول أنصار الماركسية أن الفن لا يكون عظيماً إلا حينما يكون تقدمياً، وذلك عندما يناصر قضية المجتمع الذي يبدع هذا الفن فيه.أما سيجموند فرويد فقد آمن بأن قيمة الفن تكمن في استعماله كعلاج، إذ أن الفنان والمجتمع يستطيعان كشف الصراعات الخفية وتفريغ التوترات. فعندما تدخل الخيالات وأحلام اليقظة إلى الفن، تتحول من عملية هروب من الحياة إلى طريق لمقابلة الحياة، ويستخدم اللاوعي في الشعر والرسم السورياليين كمصدر لمادة الفن. وتيار تقنيات اللاوعي والخيال، في روايات الكاتب الإيرلندي جيمس جويس، لم تكن مشتقة من أعمال فرويد، ولكنها كانت مشتقة جزئياً مما جاء في كتاب مبادئ السايكولوجيا (1890) للفيلسوف وعالم النفس الأمريكي ويليام جيمس، وجزئياً كذلك من الرواية الفرنسية (لن نذهب إلى الغابات) 1887 للكاتب إدوارد دو جاردان التي ترجمت إلى الإنجليزية في العام 1957 .[c1]الوجودية[/c]قام الفيلسوف والكاتب الفرنسي جان بول سارتر بالترويج لشكل من الوجودية يرى فيه الفن كتعبير عن الحرية واختيارات الفرد، وعليه يعرض الفن مسؤولية الفرد عن نفسه واختياراته. فاليأس كما انعكس في الفن ليس نهاية، ولكنه بداية لأنه يمحو الذنوب والأعذار التي يعاني منها الناس عادة، وبذلك يفتح لهم الطريق إلى حرية أصيلة.[c1]جدل أكاديمي[/c]تمحور الجدل الأكاديمي في القرن العشرين حول معنى الفن، فقد ادعى الناقد والسيمانطيقي البريطاني آيفور آرمسترونج ريتشارد بأن الفن لغة، وأضاف يقول: إن هناك نوعين من اللغات، لغة رمزية تنقل الأفكار والمعلومات، ولغة عاطفية تنقل الذكريات والمشاعر والسلوك. واعتبر آرمسترونج الفن لغة عاطفية تشيع النظام والوحدة في الخبرة والسلوك دون أن تحتوي على أي معان رمزية.وكان عمل ريتشارد مهماً أيضاً بسبب استخدامه للتقنيات السيكولوجية في دراسة ردود الأفعال الجمالية. ففي كتابه النقد العملي (1929)، وصف تجارب كشفت أنه حتى الأشخاص الذين نالوا قسطاً كبيراً من التعليم يتكيفون بواسطة التعليم الذي تلقوه، أي أنهم يحملون أفكاراً تم تلقينها لهم كما يتكيفون بالظروف الاجتماعية والعناصر الظرفية في ردود أفعالهم الجمالية. وقد علق كثير من الكتاب على الأثر التكييفي للتقاليد، والموضة، والضغوط الاجتماعية الأخرى، ملاحظين على سبيل المثال أن مسرحيات وليام شيكسبير كانت تعتبر في أوائل القرن الثامن عشر بربرية وساذجة سذاجة الفن القوطي.
|
ثقافة
الجمال ومذاهبه لآرثر إس.دانتو
أخبار متعلقة