ســطــور
كتب/ عبداللطيف الوراريفيما انصرفت الأنظار إلى الروائي الياباني هاروكي موراكامي، وتكهنت بنيله لها هذا العام، ذهبت جائزة نوبل للآداب إلى الأقل منه شهرة، وهو الروائي الصيني مو يان (1955 ) حتى وإن كان هو نفسه ضمن قائمة المرشحين.وهذه هي المرة الثانية التي يحصل فيها صيني على الجائزة، بعد أن نالها في العام ألفين مواطنه غاو سينجيان، إلا أن إعلام الصين الرسمي كان أكثر احتفاء بنوبل مو يان، وعده (أول مواطن صيني) ينالها؛ وهو الذي انخرط مبكّرا في الجبهة الثقافية الرسمية، ولم يكن كاتبا (منشقاً) أو معارضا لدودا لنظام الحكم، مثل كثير من أبناء جيله.وجاء في حيثيات الإعلان عن الجائزة أن مو يان (يدمج، بواقعية مذهلة، قصصا شعبية في التاريخ والحاضر)، كما أنه أقام (من خلال مزجه بين الخيال والواقع وبين البعد التاريخي والاجتماعي، عالما يذكرنا في تعقيداته بعوالم كتاب أمثال وليام فولكنر وغابريال غارسيا ماركيز، عدا جذوره التي تضرب بأطنابها في الأدب الصيني القديم وتقاليد الحكاية الشعبية)، وبالتالي فقد (استلهم أفكاره من الخلفية الخاصة به) بأسلوب يميزه.لم يصدر أول كتاب لمو يان، وهو لقبه المستعار الذي استبدله باسمه الأصلي غوان موييه، إلا عندما كان في الثلاثينيات من عمره، وهو روايته السير ذاتية (الفجلة البلورية) (1986) التي تحكي عن طفل يرفض الكلام ويروي الحياة في الريف كما عاشها الكاتب نفسه في طفولته. ثم توالت رواياته من قبيل (أنشودة الثوم الفردوسي) (1988)، و(بلد النبيذ) (1992)، و(فينغرو فيتون) (1996)، و(ضفادع) (1910)؛ إلّا أن روايته (الذرة الرفيعة الحمراء) (1987) التي تحكي تاريخ الثورة البطولية لقرية ضد الغزو الياباني بقدر ما تعكس المصاعب التي تحملها المزارعون في السنوات الأولى من الحكم الشيوعي، وقد حولت إلى فيلم ذاع صيته في العالم الغربي وفازت بجائزة الدب الذهبي في مهرجان برلين عام 1988، تظلّ هي الأهم والأشهر بين نظيراتها.وتتسم مجموع رواياته التي زادت عن عشر، بحسب دارسي نتاجه الأدبي، بطابعها الواقعي الذي لا يخلو من قسوة وسخرية ونقد لاذع في تناولها للتغيرات المفاجئة التي شهدتها الصين، سواء قبل الحقبة الشيوعية، أو إبان الاجتياح الياباني، أو أيام الثورة الثقافية المشهودة، أو في فترات أخرى من تاريخها المضطرب في ظل النظام الشيوعي. ومما يرويه من ذلك التاريخ أنه اضطر خلال المجاعة التي ضربت بلاده خلال الخمسينيات، إلى أن يقتات من غبار الفحم ولحاء الشجر والأعشاب ليسكت جوع معدته.ويدين مو يان في لهجته الحكائية لرائد الأدب الصيني الحديث لو شيون (1881 - 1946)، قبل أن يتأثر تاليا بأساليب الواقعية السحرية التي هبت من أميركا اللاتينية، وتوافقت مع محكياته التي فيها الكثير من حكايات الريف الصيني وأساطيره المليئة بالجن والأشباح. وبفضل تقنيات الكتابة التي استوحاها من أجواء هذه الواقعية، استطاع مو يان أن يتحايل على مقص الرقابة النشط للغاية في الصين.ويصدق على مو يان الذي ينحدر من بلدة غاومي في مقاطعة شاندونغ الواقعة شرقا لعائلة مزارعين، القول بأن الطفولة التعيسة التي عاشها كانت مصدر إلهام لا ينفد؛ فقد عمل في المزرعة حتى بلغ السابعة عشرة من عمره، يتكفّل بالحيوانات ومحاصيل الذرة الرفيعة والثوم، ويرى في المناظر الطبيعية حوله شكلا من أشكال العزاء.وفي شبابه التحق مو يان بصفوف جيش التحرير الشعبي، وتخرج من الكلية العسكرية برتبة ضابط، ثم انتمى إلى الحزب الشيوعي. وبعد أن برزت موهبته وحقق نجاحا أدبيا، اختير نائبا لرئيس اتحاد الكتاب الصينيين. وهو ما يفسر صمته أو تحرّجه من أن يتعرض لنقد النظام أو أن ينشقّ عنه، بل يؤاخذ عليه احتفاؤه بخطاب ماو تسي تونغ، ومسايرته لنظام غير ديموقراطي وهو يروج لمصالح الحكومة من خلال كتابة الخطاب، بعيدا عن أن يستخدم تأثيره ككاتب مؤثر للدفاع عن مجايليه من المثقفين والسجناء السياسيين.وكما في أغلب المرات، قد يكون واقعا أن الجائزة لم تعدم توجّهها السياسي، حتى وهي تمنح للأدب الصيني غير المنشقّ، وكأنّها تريد أن تنفض الغبار عن أعوام طويلة من الحصار الذي ضرب على هذا الأدب منذ الثورة الثقافية التي أطلقها زعيم الصين الأكبر ماو تسي تونغ في العام 1966.ترجمت روايات مو يان، أو (فوكنر الصيني)، إلى لغات عالمية كثيرة بصفته رائدا من رواد الأدب الصيني المعاصر، ما جعله في مصاف كتاب الرواية الأكثر تأثيرا في عالمنا اليوم، لكن ولا واحدة من رواياته نقلت إلى العربية.وعدا بعض الشذرات التي خصته بها جريدة (أخبار الأدب) المصرية قبل ثلاث سنوات، يظل مو يان مجهولا لدى قرّاء العربية.هكذا، بفوزه الذي خيب توقعات الرأي السائد، سوف تشغل صور مو يان وحواراته وشذرات من حياته وأدبه الصفحات الثقافية لكبريات الصحف والمجلات لأيام وأسابيع تعرف قراءها المنتشرين في المعمورة عليه ليس ككاتب من الشرق فحسب، بل ككاتب صيني إشكالي (غير منشق) بالضرورة، وضع رواياته المعاصرة لزمننا في التأريخ لمسار التحولات المادية والروحية العميقة التي شهدتها أرض تعج بالمتناقضات والأساطير والتحديات مثل الصين؛ ذلك التنين الأحمر حالا ومآلا!