للقصيدة عيون لاتغفو أبداً
كتب/ فيصل الرحيل :عندما تكون للقصيدة عيونٌ تطل بها علينا من نافذة الأفق، تقتحم عوالمنا، وتستبيح كوامننا، تعبر عن فرحنا وحزننا، خوفنا وأمننا، حبنا وكرهنا، هي اللغة التي لا يفقهها الكثير، من يتقنها يغدو لها أسيرا، هي ابتهالات الروح، في محراب البوح، آيات من السحر والجمال، وتحفة من أجمل الخصال، تبوح بما يعجز عنه اللسان، في أي زمانٍ ومكان، وهي كما قال ابن القيم: (إن العيون مغاريف القلوب بها يعرف ما في القلوب وإن لم يتكلم صاحبها) فالعيون طبيعتها عميقة وأنيقة، كالنسمة الرقيقة، تفضح أسرار العشاق، من كثرة الحنين والأشواق، فعندما تتعطل لغة الخطاب والكلام، من فرط الحب والهيام، تهب العيون إلى نجدتنا وتتبادل أطراف الحديث، فتكون أبلغ بكثير من الكلام كما قال أمير الشعراء - أحمد شوقي - في قصيدته يا جارة الوادي:وتعطلت لغة الكلام وخاطبت عيني في لغة الهوى عيناكفالعيون هنا ليست من أجل النظر فقط إنما للتواصل أيضا، وبلغة خاصة بها هي لغة الهوى، وحينما ننظر إلى نصوص الحب والعاطفة نكاد نراها لا تخلو من وصف العيون أو التحدث عن العيون بطريقة أو بأخرى، ولننظر إلى فاروق جويدة حينما قال إن الأرض الوحيدة التي لا تخون هي عيون محبوبته في قصيدة (عيناك أرض لا تخون): لو خانت الدنيا .. وخان الناس .. وابتعد الصحاب ..عيناك أرض لا تخون .. فلقد شد الرحال يبحث عن عيون محبوبته خلف موج الليل وعواصف الحياة العاتية، بحثا عن عيون حبيبته، الأرض التي لا تخون من يحبها، الأرض التي تشعره بالدفء وهو بين ربوعها وتحتويه بكل ما تحمل من حب وعشق، أما العاشق الدمشقي نزار قباني فنراه يستجدي الله سبحانه ويتمنى لو أنه أطال بعمره يومين، ولكن لماذا؟!لا أطلب أبدا من ربي ..إلا شيئين ..أن يحفظ هاتين العينين ..ويزيد بأيامي يومين ..كي أكتب شعراً .. في هاتين اللؤلؤتين ..فهو يطلب ويتمنى من الله أن يطيل بعمره كي يكتب شعرا بعيون حبيبته، كي يقضي ما تبقى له من العمر وهو منكب على الكتابة بهذه العيون، فأي عيون كانت تلك ..! وهو الذي قال أيضا:يسكن الشعر في حدائق عينيكفلولا عيناك لا شعر يكتب قام بنفي الشعر واقصائه تماما من الوجود لو لم تكن عيون هذه المحبوبة، فالشعر يقبع في حدائق عينيها، يرتوي من دموعها وينام على جفنيها وتظلله رموشها، فلولا هذه العيون ما وجدت الشعر يكتب على هذه الأرض، أما المثير للجدل (أدونيس) فإنه يخبرنا ما بين عيني من يحبها وبينه في نصه (بين عينيك وبيني): حينما أغرق في عينيك عيني ..ألمح الفجر العميقا ..وأرى الأمس العتيقا ..وأرى ما لست أدري ..وأحس الكون يجري ..بين عينيك وبيني ..لم يستطع أدونيس مقاومة أمواج عينيها العاتية، فأخذ مركبه يترنح يمينا وشمالا، حتى صرعته هذه الأمواج وغرق في بحرها، فنجده يلمح الفجر العميق وما يحمله له ويبصر الأمس العتيق، ويا لهذا البعد الزماني بينهما، فيضيع بينهما ويشعر بأن الكون يجري في فلك عينيها، هكذا هي القصيدة أحيانا كثيرة تغرق في العيون فنمعن النظر بها وأحيانا أخرى تكون هي العيون التي تنظر إلينا وتفضح ما بداخلنا وتكون لنا عالمنا لا تنتهك خصوصيته بتاتا يسير بنا نحو عالم من الحب والهيام .*نقش بعض العيون ملاذها الحب .. وكل الحب ملاذه عين واحدة كريمة!.