سطور
نحن اليوم متخلفون في كل شيء، لأننا لم نبدأ اتصالنا بالحضارة الحديثة إلا منذ فترة قصيرة، لذا لم نستوعب معنى الحضارة الحديثة استيعاباً كافياً.. لذا نحن نسير نحو الطريق الذي يواكب الحضارة الحديثة سيراً سريعاً يكاد يشبه الطفرة من بعض النواحي، ربما إن صح أن أقول، أننا تقدمنا في السنوات الماضية في المجال الإعلامي كثيراً، بنتيجة تطور القنوات الفضائية الإعلامية والثقافية، واستطعنا الإطلاع على الأحداث الساخنة في العالم وما حدث من تطور ثقافي وفني وسياسي، ولكن هل هذا يكفي.. عام جديد أطل علينا ماذا يخبئ لنا هذا العام الجديد؟ هل نستطيع القول أننا أصبحنا في عداد الشعوب المتقدمة حضارياً.. الواقع أن أمامنا طريقاً طويلاً، والمشاكل التي تواجهنا مستعصية ولكنني مع ذلك أشعر بالتفاؤل بعام جديد يحمل لنا الخير والسعادة، فنحن بدأنا بالسير نحو طريق الحضارة الحديثة ركزنا اهتمامنا على نوعين من الدراسات تلك التي تخص العلوم الطبيعية والتقنية من جهة، والإعلام والأدب والشعر واللغة من جهة أخرى.. أما الدراسات العلمية والتكنولوجية فقد ضاعت بين هذه وتلك. إن هذا اللوم ليس لومي لوحدي، بقدر ما يشاركنا فيه الكثير من المعنيين لشدة اهتمامنا بهذه المواضيع أكثر مما ينبغي.. وقد وصنا فيه إلى حد التخمة.. وكان الأولى بنا في هذه المرحلة أن نقلل الاهتمام بهذه المواضيع بدلاً من زيادة الاهتمام. العامل الثاني في أسباب التخلف الذي ساد دراساتنا الثقافية والأدبية والعلمية، الاكتفاء بالدراسة النظرية، وعدم النزول الميداني إلى الواقع والتعرف على هموم وقضايا الناس. إن على الباحث عدم الاكتفاء بحمل القلم والورقة والنزول إلى الشارع وسؤال الناس عن أوضاعهم الاجتماعية أو عاداتهم وتقاليدهم، حيث لن يلقى منهم سوى الكذب أو النفاق والمراوغة والبعض يقول الحقيقة كما هي لأنهم لا يدركون معنى الدراسة الميدانية، فالدراسة في نظرهم هي في الكتب وليس في المقاهي والشارع.. وأحيانا تأتي الدراسة من الواقع الذي يعيشه الباحث أو الكاتب.. وهنا أتذكر حياة الكاتب تور جنيف الذي كان يكتب باستمرار عن واقعه الاجتماعي، وقد انحدر هذا الكاتب من أصل ريفي وبرع في الكتابة، وعاش حياة متعددة الألوان، لذا نرى اليوم قصصاً مختلفة تروى عنه، وعدداً متنوعاً من سيره الذاتية، ومع ذلك فإن بريشت قول ( إننا لا نستطيع الجزم بصحة المعلومات المدونة عن حياة تور جنيف بصورة أكيدة في مختلف اللغات التي كتبت بها لحد الآن ). لقد كانت أعمال تور جنيف الأدبية سهلة المثال، بالنسبة لأولئك الذين يحسنون الإنجليزية، أما كتاب ( المتوحش الظريف ) فقد أغناهم مؤخراً بالمزيد من المعرفة بالمؤلف المهمل، وأصبحت معرفتهم كاملة بالمؤلف ونتاجاته الأدبية معاً.. لقد كان تور جنيف يكتب عن حياة الفلاحين التعيسة تصويراً حقيقاً بحيث جعلت القيصر الكسندر الثاني يحرر عبيد الأرض، وقد جاءت دقة الأحداث من تأثير البيئة القوي على المؤلف نفسه، الذي كان يبلغ الرابعة والثلاثين حينذاك، بينما كانت الثلاثون عاماً التي بقيت من عمره مكرسة لإتقان نظريته الشخصية والذاتية المميزة ونزعات الفرد السلوكية والعاطفية. وهكذا نرى أن الباحث والكاتب يسعى باستمرار نحو الواقع المعيشي في مجتمعه.. وهناك فروق بين الشخصيات العربية، وهي فروق لابد منها في كل مجتمع كبير كالمجتمع العربي، يشغل رقعة واسعة من الأرض تمتد من المحيط الأطلسي إلى الخليج العربي، فكل قطر من الأقطار العربية قد مرت به أحداث واعترته ظروف في تكوين الشخصية المجتمعية لكل قطر.. وفي رأيي أن هذه الفروق غير جوهرية ، لأن الأساس الذي يقوم عليه المجتمع العربي واحد.