في مسائية القص الأبيني بجمعية تنمية الثقافة والأدب بعدن
شوقي عوضقرأت منذ ايام في جمعية تنمية الثقافة والادب قراءة قصصية لقصة (رجل المطبات الصعبة) للقاص الابيني والمبدع سالم فرتوت.وقد كانت تلك القراءة انطباعية بحتة وتلقائية شكلاً ومضموناً. كما انها جاءت بناءً على الدعوة التي وجهت من قبل الصديق والزميل القاص المبدع عبدالله قيسان المسؤول الثقافي لاتحاد ادباء ابين الذي قدم هو الآخر ورقة تعريفية بكتاب القصة بمحافظة ابين وعطاءاتهم المتنوعة من ستينيات حتى تسعينيات القرن المنصرم .. بدءاً من كتابها في اوائل الستينيات محمد السباعي، احمد مفتاح محمد صالح حيدرة محمد احمد عيسى مروراً بالسبعينات عبدالله قيسان واواخره سالم فرتوت، احمد سعيد بلعيد.الى جانب من واكبوا وكتبوا في الثمانينات صالح المستدح سعيد عبد الشيخ، والتسعينات ابتسام بازريق احمد سعيد الماس، عيدروس نصر .. الخمشيرة في ذلك السياق الى ما مثلته تلك الابداعات القصصية من توهجات واشراقات على مستوى القصة والساحة الابداعية اليمنية بشكل عام، وما اظهرته تلك التطلعات الابداعية من بروز في مجالات ابداعية شتى في مجال القصة، المسرح، الصحافة... الخ.فيما تحدث كاتب هذه السطور وهو المتداخل الثاني عن اهمية الغوص في الطبيعة الانسانية لفهم طبيعة (رجل المطبات الصعبة) عند القاص سالم فرتوت، وما يمثله ذلك الاسهام من دلالة مهمة للمرحلة الراهنة التي ارتبط بها القاص الذي من خلاله نقرأ تلك الحياة التي يحياها ويتنفس مناخها رجل المطبات الصعبة، ذلك الرجل الذي وضعه القاص امام صياغات تمنحنا الامكانية في متابعة التكثيف الايحائي للصورة السردية منذ القراءة الاولى والاستلطاف في التعامل الموضوعي من ناحية خلق الترابط الموضوعي بين الموضوع وقارئه، وذلك مايدل على قدرة فنية تتعلق بناصية العمل الفني القصصي وشفافية في التركيب السردي، حيث يشير القاص قائلاً:ان الفتى ماكان يعدم ان يعود في كل يوم بمبلغ من الفلوس كان يدخره كما اخبر عنه احد اخوته في صندوق صغير مغلق بقفل صغير، ويضع الصندوق الصغير في آخر اكبر منه، ويغلقه بالقفل، والصندوق الثاني في ثالث اكبر منه وكل ذلك ليصعب على أي من ذويه المساس بماله وعندما يسأل : ماذا ستفعل بالفلوس؟ يجيب مشيراًالى العمارة تلك انه سيبني مثلها ويتزوج امرأة بيضاء كاللبن، كتلك التي بداخلها ولكن واحسرتاه فذات صباح جاء عمال مصلحة الطرق قبله الى مطبه فازالوه جاء هو ولم يعد امام عينيه الا اسفلت جديد قد اتصل بالاسفلت القديم ولك ان تتخيل حال الاعجم وبالمناسبة فان محمد الاعجم (الأبله) هو نفسه ذلك الشخص المتخلف عقلياً وفكرياً الذي حدثنا عنه فرتوت في رجل المهمات الصعبة .. حيث يشير قائلاً:(يبدو ان الاعجم الاصم هو الذي لفت مصلحة الطرق الى ذلك المطب بعد ان اتخذ منه مهنة ابتز بها سائقي السيارات الذين ماكانوا يحسبون انه سيتطفل عليهم دائماً، فعندما قلت عليه العطايا شرع يتسلح بيديه بالحصى يحركها بكفيه بحركات استفزازية منذراً السيارة القادمة بأن تجاوزه يعني رميها ويفعل ذلك بحركة خرقاء مثيرة للاستياء.ماتمتاز به هذه القصة هو ذلك الحوار والوصف للمكان وحالة رجل المطب والتوقع المخيب لاحلامه غير المتوقعة وضياعها في الطريق الاسفلتي علاوة على ذلك فمن حقه ان يحلم وان كان ابله او اعجم او معتوهاً ومتخلفاً عقلياً .. وهذه الاحلام ينطبق عليها القول بانه كان غير راضٍ عن نفسه ووضعه الاجتماعي يريد ان يغير من هكذا وضعية والدليل على ذلك تلك الاحلام التي كان يتمنى ان يحققها كقوله : اريد ان اتزوج بامرأة بيضاء كاللبن وابني عمارة شاهقة ... الخبهكذا وصف يصور لنا القاص سالم فرتوت هذه الواقعة الاجتماعية التي دارت رحاها في مدينة (جعار) ليربط مابين البيئة والمكان وليترك القارئ يعيش بواقعية مع بطل هذه القصة واحداثها بوصفها حجر الزاوية لمحور القصة مكمن الادخار في العطايا والمطبات.والخلاصة العامة والتي يجب ان نقف امامها هي ان هذه القصة جاءت لتفجر لنا وفي كل حال من الاحوال اكثر من سؤال ومشكلة بل وتضيء لهذه التساؤلات من الاسئلة لتطرحها علينا بدون الاجابة عليها سوى التأمل فيها ومن ضمنها تلك الجزئيات من الفلاشات لحالة (رجل المطبات الصعبة) وموقف المجتمع منه وعلى وجه التحديد والدقة سائقو السيارات واصحاب مصلحة الطرقات وضياع ادخاره في هذه الطرقات واحلامه المهدورة والمتمثلة في بناء عمارة شاهقة وحلمه بالزواج من امراة بيضاء كاللبن.وغيرها من الاحلام التي ينطبق عليها قول الشاعر: (ماكل مايتمنى المرء يدركه تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن)على العموم تبقى هذه الملاحظات طبقاً جاهزاً لفتح الشهية النقدية وان اختلفت الآراء النقدية فيها وتباينت وجهات النظر نقداً وتوجيهاً.