كتب/ أحمد أبو مطرالشاعر والباحث المحقق المصري حسن توفيق غني عن التعريف، فقد أثرى المكتبة العربية حتى الآن بعدد هائل من المجموعات الشعرية والنثرية وكتب الدراسات والتحقيق. صدر له ستة عشر ديوانا شعريا، كان أولها (الدم في الحدائق) عام 1969 وآخرها (لا مكان للشهداء) عام 2012. وفي محاولة فريدة منه لإحياء فن المقامات العربي، صدر له كتابان أو مقامتان هما: (مجنون العرب بين رعد الغضب وليالي الطرب) عام 2004، و(ليلة القبض على مجنون العرب) عام 2005، وفي ميدان الدراسات والتحقيق، صدر له أحد عشر كتاباً، كان أولها (اتجاهات الشعر الحر) عام 1970، وآخرها (الأعمال الشعرية للدكتور إبراهيم ناجي) عام 2003. وعلاقة حسن توفيق البحثية مع بدر شاكر السياب ليست حديثة العهد، فقد سبق أن درس عناصر وملامح من ريادته في كتابه (اتجاهات الشعر الحر) 1970، ثم أصدر عنه كتابه (شعر بدر شاكر السياب- دراسة فنية فكرية)، 1979، وأعقبه بطبعة جديدة لديوانه “ أزهار ذابلة” بعنوان (أزهار ذابلة وقصائد مجهولة للسياب)، 1980.جديد حسن توفيق عن بدر شاكر السياب، يتمثل في كتابه الصادر حديثا عن وزارة الثقافة والفنون والتراث في قطر، ضمن ما يطلق عليه (كتاب الدوحة) الذي يصدر مع عدد من أعداد مجلة (الدوحة) الثقافية الشهرية التي عادت للصدور بعد توقف طويل، وهذا التوزيع شبه المجاني يجعل الكتاب في متناول جميع قراء مجلة الدوحة وبسعر يقترب من الرمزي قياسا بأسعار الكتب في المكتبات العربية التي تفوق القدرة الشرائية لغالبية القراء. هذا الكتاب الجديد صدر بعنوان:(بدر شاكر السياب: أصوات الشاعر المترجم... مختارات من قصائده وترجماته لأشعار ستة عشر شاعرا أجنبياتقديم حسن توفيق)يبدأ حسن توفيق تقديمه الذي جاء في ثمانٍ وثلاثين صفحة بـ(إطلالة على عطائه الشعري) موردا قائمة دقيقة بدواوين السياب الشعرية حسب سنوات صدورها، أولا النتاج الشعري الذي صدر في حياته في عشرة دواوين، بدءا بديوان (أزهار ذابلة) الذي صدر في القاهرة عام 1947، و آخرها ديوانه (شناشيل بنت الجلبي)، 1964 قبل وفاته بأيام قليلة. هذا النتاج الشعري الهائل لشاعر توفي وعمره ثمانية وثلاثون عاما فقط. ثم يورد الدواوين الشعرية التي صدرت للسياب بعد وفاته من خلال تجميع أو توليف وتركيب دارسين وباحثين عراقيين وعرباً، حيث بلغت ستة دواوين لكن المشكلة فيها هو التكرار للعديد من القصائد التي وردت في الدواوين التي نشرت في حياة السياب ما يضع القارئ أو الناقد في ارتباك شديد عندما يريد رصد التطور الحاصل في آلية بنية القصيدة عند السياب. ويؤيد هذا التكرار المربك رصد حسن توفيق لصدور مجموعة شعرية تحتوي على قصائد مختارة للسياب وهي (أزهار وأساطير) - لم يؤرخ صدورها، وإن كنت أعتقد - اعتقادا أقرب إلى اليقين - أنها صدرت سنة 1963. وهذه المجموعة تتضمن ست قصائد من ديوان (أزهار ذابلة) بعد أن قام الشاعر بتنقيحها وتعديل نصوصها تعديلاً كبيراً، كما تتضمن كذلك ثلاثا وعشرين قصيدة من ديوان (أساطير)، وقد صدرت المجموعة عن منشورات مكتبة دار الحياة، التي قامت في سنة 1969 بإعادة طبع ديوان (أنشودة المطر). تقديم حسن توفيق لترجمات السياب قصائد شعراء عالميين من عدة أقطار، جاءت في ثمان وثلاثين صفحة، موردا فيها العديد من الملاحظات المهم التمعن فيها، ومنها:1 - الملاحظة التي تعزز ما ذكرته حول الارتباك الذي يسبّبه تكرار نفس القصائد في عدة طبعات من دواوينه خاصة التي صدرت بعد وفاته، حيث يقترح حسن توفيق لدراسة ( مراحل تطور الشاعر - ألا نتقيد بتواريخ صدور دواوينه، وخاصة تلك التي صدرت بعد وفاته. وإنما أن نتتبع تواريخ كتابة قصائده، ما أمكن هذا، فإن لم يتيسر - وهذا ينطبق بالتحديد على قصائد ديوان (أنشودة المطر) - فليكن تتبعنا لهذه القصائد وفقا لتواريخ نشرها في الجرائد والمجلات العربية التي نشرتها في حينها، وبالذات مجلة (الآداب) ومجلة (شعر). ومن أجل هذا قمت بإصدار كتاب أزهار ذابلة وقصائد مجهولة، الذي ضمنته ضمن ما يتضمن ترتيبا تاريخيا لجميع قصائد الشاعر، وفقا لتواريخ كتابتها - في سائر شعره - ووفقا لتواريخ نشرها). وهذا الترتيب في حد ذاته جهد هائل يضاف لانجازات حسن توفيق في ميدان البحث والتحقيق والتدقيق.2 - الملاحظة التي يمكن أن يستنتج منها كم تمّ استغلال النتاج الشعري للسياب لمزيد من الطبعات والتكرار الذي ربما لم يكن الهدف منه الترويج لنتاجه الشعري بقدر ما هو وسيلة للربح المادي من قبل دور نشر معينة. وهذه الملاحظة هي التي يشير فيها حسن توفيق لصدور ديوان للسياب باسم (الهدايا) عام 1974 عن دار العودة بالاشتراك مع دار الكتاب العربي في بيروت. حيث يقول الناشران كما يوثق حسن توفيق أنها (قصائد متفرقة تعود لمراحل مختلفة من حياة الشاعر، وقد جمعناها من مصادر مختلفة). بينما يؤكد حسن توفيق أنّ هذا الديوان (يتضمن عشر قصائد لم يكتف الناشران بجمعها من المصادر المختلفة- كما أشارا- وإنما نقلا الهوامش والتعليقات التي كتبت تحت كل قصيدة نقلاً واضحاً وصريحاً دون إشارة ولو واحدة إلى المصدر الذي استقيا منه تلك الهوامش والتعليقات). ونفس التكرار غير المنضبط يتكرر أيضا من خلال ديوان (البواكير) الذي صدر أيضا عام 1974 أي بعد وفاة الشاعر وعن نفس داري النشر السابقتين، وكما يلاحظ حسن توفيق (وهو يشتمل على ثلاثين قصيدة، نصفها بالضبط يمثل قصائد القسم الثاني من ديوان (إقبال)، التي أسقطت - كما ذكرت - من ديوان (إقبال وشناشيل ابنة الجلبي)، وتبقى خمس عشرة قصيدة بعد ذلك، إحدى عشر قصيدة منها لم تجمع من قبل، أما القصائد الأربع الباقية فهي منقولة عن ملحق عيسى بلاطة في دراسته للشاعر). فهل كل هذا التكرار وإعادة الطبع، كان للترويج لأشعار السياب؟ ومن استفاد ماليا من ذلك؟ دور النشر أم ورثة السياب إن كان بإمكانهم ملاحقة كل ماصدر بعد وفاته؟.3 - إعادة التذكير بتجربة السياب الشيوعية التي أعتقد أنه لا يعرفها الكثيرون ممن قرؤوا بعض القصائد فقط للسياب، هذه التجربة التي انتهت بفصله من الحزب الشيوعي واعتباره مرتدا عن مبادئ الحزب، مما دفعه لكتابة مجموعة من المقالات في جريدة الحرية العراقية، تحت عنوان (كنت شيوعيا)، وأعادت نشرها دار الجمل عام 2007. وأعقب فصله من الحزب أن رفع شعار (يا أعداء الشيوعية اتحدوا) على غرار الشعار الشيوعي (يا عمال العالم اتحدوا). وضمن سياق عدائه المستجد مع الشيوعية والشيوعيين العراقيين ونتيجة الوضع الاقتصادي الصعب الذي مر به، يقول حسن توفيق أن السياب قام بـ(ترجمة كتابين أمريكيين ومراجعة كتاب ثالث كتب له مقدمة بتكليف من مؤسسة (فرنكلين) الأمريكية! فقد ترجم رواية (الجواد الأدهم) التي ألفها والتر فارلي، كما ترجم كتاب (مولد الحرية الجديد) الذي ألفته فرجينيا أيفرت، فضلا عن قيامه بمراجعة ترجمة جاسم محمد لكتاب (توماس جفرسون) الذي ألفه فنسنت شيان. وكان السياب قد وافق على تلبية دعوة منظمة حرية الثقافة لحضور مؤتمر الأدب العربي الذي سيعقد في روما). ويورد الباحث المزيد من المعلومات عن العلاقة السيابية مع الشيوعيين حيث وصلت حد الاتهامات والهجومات العنيفة على بعض ترجمات السياب لشعراء يعتبرهم الشيوعيون مرتدين لدرجة الجواسيس.4 - ملاحظة الباحث صاحب التقديم حول تأثر السياب بقصائد الشعراء الذين ترجم لهم، وإيراده نماذج لذلك، وتركه الباب مفتوحا لغيره من الباحثين لدراسة هذا الموضوع، رغم غوصه فيه وذكره لتفصيلات عديدة.مؤلف الكتاب حسن توفيقمن المسئول الناشر أم الباحث صاحب التقديم؟لفت انتباهي أثناء تدقيقي في الكتاب، أنه يحتوي على تناقض لا أعرف هل هو مجرد خطأ من الباحث صاحب التقديم والدراسة الذي هو الشاعر حسن توفيق أم الناشر الذي هو مجلة الدوحة الثقافية القطرية؟. لقد ورد في ثنايا التقديم تسميته للكتاب (قصائد مختارة من الشعر العالمي الحديث) و أنه (يشتمل على عشرين قصيدة لعشرين شاعراً ينتمون لجنسيات مختلفة). ويورد تصنيفا لتلك القصائد العشرين على أن ثمانية منها ترجمها السياب مباشرة من لغتها الانجليزية، بينما القصائد الاثنتي عشرة الأخرى قد تمت ترجمتها من لغاتها الأصلية إلى الإنجليزية التي ترجم عنها السياب القصائد إلى اللغة العربية. هذا بينما يأتي على غلاف الكتاب تسميته (بدر شاكر السياب، أصوات الشاعر المترجم، مختارات من قصائده وترجماته لأشعار ستة عشر شاعرا أجنبيا). فمن المسؤول عن هذا التناقض في عدد القصائد المترجمة، و التغيير الحاصل في عنوان الكتاب كما ورد في ثنايا التقديم و على الغلاف المنشور؟. إن نظرة فاحصة لهذا التناقض يمكن أن تشير إلى أن هذا التصرف من قبل الناشر الذي اعتمد فقط ست عشرة قصيدة من بين العشرين التي يوردها الباحث صاحب التقديم، وما يؤيد اجتهادي هذا أنّ عنوان الكتاب كما ورد في التقديم (قصائد مختارة من الشعر العالمي الحديث) أكثر دقة من العنوان الوارد على غلاف الكتاب المنشور (أصوات الشاعر المترجم) فلم أتمكن من فهم ما هو المقصود من هذه الأصوات؟ وهي صوت واحد لشاعر واحد قام بترجمة قصائد لشعراء عالميين مضفيا عليها بعض ألحان ونغمات صوته الخاصة.وهناك أمر آخر أود أن أشير إليه وهو أن الكتاب يشتمل على باقة مختارة من شعر السياب وهي - كما يذكر حسن توفيق - اثنتي عشرة قصيدة، لكننا نكتشف أن القصائد المختارة ليست اثنتي عشرة قصيدة وإنما تسع قصائد، وهذا أمر عجيب وغريب أرجو أن نجد له تبريرا أو تفسيرا، سواء من المحقق أو من الناشر.وتكمن أهمية الكتاب والتقديم الدقيق الذي كتبه الباحث والشاعر حسن توفيق، أنه أعاد للضوء والذاكرة جهد السياب ضمن قائمة المترجمين العرب للأشعار العالمية وهم كثيرون، ونادرا ما كان السياب يذكر ضمنهم. أما القصائد المترجمة فمن يرغب بالإطلاع عليها فلا مفر من العودة للكتاب ليلاحظ بعض الاقتباسات منها في قصائد السياب التي أشار الباحث صاحب التقديم إلى بعضها.
|
ثقافة
حسن توفيق وإضاءات جديدة جريئة على شاعرية السياب
أخبار متعلقة