أكده كتاب الثقافة السكانية الصادر عن مركز التدريب بجامعة صنعاء
إعداد / بشير الحزميذكر كتاب الثقافة السكانية الصادر عن مركز التدريب والدراسات السكانية بجامعة صنعاء أن الأضلع الرئيسية لمثلث الحراك السكاني الرئيسية في اليمن وهي (الولادات ـ الوفيات ـ الهجرة) أو ما تسمى بعوامل التغيير الديموجرافي مازالت تشكل الشغل الشاغل للدارسين والباحثين وصانعي القرار منذ بداية النصف الثاني من القرن العشرين كي تتمكن هذه العوامل الثلاثة من مواكبة برامج التنمية وتسير معها بتنسيق تام بما يحقق العدل والرفاهية والعيش الكريم بأبعاده المختلفة للإنسان خليفة الخالق على أرضه أينما كان، ولأن إدراك الإنسان في غالب الأحيان لم يستطع حتى الآن ضبط هذه المواءمة بقيت هذه العوامل في تضارب تام حتى يومنا هذا خاصة في البلدان النامية ومن ضمنها بلادنا.وأوضح الكتاب أن النمو السكاني الذي يمثل الفرق بين الولادات والوفيات ما يزال عالياً في كثير من بلدان العالم ومن بينها اليمن التي ما يزال النمو السكاني فيها 3.2 % وهو ما يعني انه من أعلى معدلات النمو في العالم، كما أن الهجرة في اليمن رغم قدمها وتأصلها في جذور الشعب اليمني شكلت في النصف الثاني من القرن العشرين مشكلة سكانية كبرى لبرامج التنمية في البلد، حيث إنها ازدادت بوتيرة عالية وخاصة الهجرة الداخلية والهجرة الإجبارية (الوافدة) إلى اليمن سواء من القرن الأفريقي أو من دول عربية وأجنبية أخرى.ولفت الى أن اليمن في القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين عانت من الفاقة والعوز والضائقة الاقتصادية، وحدوث الكوارث الطبيعية وانتشار الأوبئة مثل الحمى الصفراء والكوليرا والطاعون والجدري وغيرها، الأمر الذي دفع اليمنيين إلى البحث عن أماكن جديدة للعيش تتوفر فيها مقومات الحياة الطبيعية والعيش الكريم.وكان احتلال مدينة عدن في عام 1839م من قبل الانجليز المنفذ الأول للهجرة اليمنية اولاً كهجرة داخلية من مختلف المدن والقرى اليمنية إلى مدينة عدن، من عدن نفسها إلى أصقاع العالم خاصة إلى أوروبا وأمريكا وجنوب شرق آسيا.وأشار إلى أنه مع ظهور النفط والبترول في الجزيرة العربية والخليج في بداية القرن العشرين كانت الحاجة قد ظهرت للطاقة البشرية في تلك البلدان وجاء هذا متوازناً تماماً مع النمو السريع المطرد للسكان في اليمن دون أي تطور ملموس في نواحي التنمية للموارد الطبيعية في البلد.ولفت إلى أن الهجرة الدولية اليمنية إلى الجزيرة والخليج شكلت ملاذاً مناسباً لليمنيين وللإخوة في الجزيرة والخليج كحل لمشكلات كل منهما، فقد وفرت فرص عمل لليمنيين الأمر الذي عاد بالفائدة في تحسين المستوى المعيشي للأسرة اليمنية من خلال تحويلات المغتربين للعملة الصعبة إلى اليمن، رغم ما رافق ذلك من قصور في انحسار الرقعة الزراعية للمواد الغذائية الأساسية والزيادة المطردة في زراعة شجرة القات الضارة على الإنسان والبيئة. أما بالنسبة للإخوة في الجزيرة والخليج فقد شكلت الهجرة اليمنية إلى جانب كونها قوة بشرية هائلة للبنية التحتية لعجلة التطور انسجاماً تاماً مع عادات وأخلاقيات ومعتقدات شعوب دول الجزيرة والخليج.ومن ناحية أخرى شكلت تحويلات المهاجرين اليمنيين أحد الأسباب الرئيسية للهجرة الداخلية إلى المدن، حيث تمت بشكل كبير عملية السمسرة والمتاجرة بالأراضي في المدن ونزوح السكان من الريف إلى المدن طالما وقد بدأت تتوفر وسائل العمل والعيش الأفضل مع تطور الحركة التجارية والعمرانية.وأشار الكتاب في مدخله العام الذي كتبه الأستاذ الدكتور/ أحمد محمد الحداد المدير التنفيذي للمركز إلى أن الهجرة الخارجية انعكس تأثيرها بشكل سلبي على الهجرة الداخلية التي كانت تعني نزوح مئات الآلاف من المواطنين ذكوراً وإناثاً من الأرياف إلى المدن، حيث أن العامل المشترك لدوافع الهجرة الداخلية هو انخفاض المستوى المعيشي والاقتصادي وعدم الرضى عن البيئة الأصلية في الريف اليمني، حيث شكلت الهجرة الداخلية إلى أمانة العاصمة وحدها ما نسبته (49 %) من مجمل الهجرة الحياتية على مستوى البلد.وشكلت الهجرة الداخلية الحياتية إلى مدن صنعاء - عدن - الحديدة فقط ما نسبته (75 %) من مجمل الهجرة الحياتية الداخلية.وعلاوة على ذلك فقد شكلت الهجرة الوافدة الإجبارية من دول القرن الإفريقي وخاصة الصومال الشقيق عبئاً إضافياً جديداً أثر تأثيراً سلبياً في برامج التنمية وخاصة في المدن الساحلية من المخا إلى المهرة.وأوضح أن الهجرة بمكوناتها الرئيسية الخارجية - الداخلية - والوافدة قد شكلت جانباً سلبياً خطيراً في المسألة السكانية ليس فقط من حيث النمو السكاني ولكن وهو الأهم جوانب التغيير الاجتماعي لهؤلاء المهاجرين وتأثير ذلك على الأوضاع الاقتصادية والصحية والتعليمية والثقافية، الأمر الذي فاقم فعلاً المشكلة السكانية في اليمن.وأكد أن بلادنا مثلها مثل بقية دول العالم الثالث لديها فعلاً مشكلة سكانية خطيرة تتمثل في عدم المواءمة بين مثلث الحراك السكاني: الولادات والوفيات والهجرة والتنمية بأبعادها المتشعبة، وفي الوقت نفسه، غير قادرة على مواجهة ذلك نظراً لإمكانياتها المحدودة من الثروات الطبيعية وبرامج التنمية المختلفة فقد ظهر للعيان فعلاً اختلال في عملية التوازن السكاني بين النمو السكاني والتنمية وأصبح من الضروري مواجهة ذلك بوضوح ومعالجتها من خلال المجالات الرئيسة الثلاثة وهي: المجال الديموجرافي، المجال الاقتصادي والاجتماعي، والمجال البيئي.