في أعمالها شيء إنساني خاص، بسيط رائق فرح، جامع بين فرح التعبير بكارثة التقليدية وهندسة البناء العقلي الحذر للأشكال، في صياغتها المتعددة جمعاً لانستطيع أن نتبين فيه أين تبدأ القصد وماهي حدود المصادفة.الفنانة التشكيلية لمياء حزام عبده زيد من مواليد عدن 21 / 7 / 1980م، حاصلة على دبلوم معهد الفنون الجميلة بعدن، شاركت في عدة معارض فنية محلية، بدأت مشوارها برسم ماشاء لها من موضوعات بدءاً بالبحر والنورس والأزهار والجبال وحتى تكدس الناس والأسماك والأهلة والنخيل كرموز تبنى عليها تراكيب معقدة .. حسبها فقط أثناء الفعل الفني أن يظل النبض الإنساني حاضراً بقوة، سواء جاءت النتائج ذات ملامح هندسية ساكنة مجردة، أو عضوية تعبيرية هادرة أي أنها وببساطة شديدة قد فهمت وبوعي أن الفن لغة إنسانية بسيطة وبليغة معاً، تخاطب العقل الإنساني، تتفرد صياغاتها بمخاطبة الوجدان برقة ما تحمله من مشاعر وما تطرحه من موضوعات، ثم ترسم بذلك في لوحاتها الفنية الرائعة، أعمالاً شديدة الرقة حتى وإن كان ارتطم فيها الضوء بالقتامة أو تناقضت فيها الألوان الباردة، بالنهارية الساخنة، أو حتى تباينت يها معالجات السطوح بين الخشونة والنعومة، لأن المضمون فيها بدا إنسانياً بسيطاً دائماً.[c1]مفهوم طازج للفن[/c]ولا شك في أن الفن بذلك المفهوم هو الذي بقي على مر التاريخ مؤثراً وطازجاً، مهما تقادمت تواريخ إنتاجه، أو تغيرت ظروف عصره، لأنه لم يأت مرهوناً بظرف تاريخي أو مقيداً بطرح رأي موقوت، وإنما يأتي مجرداً عن المباشرة، مرتبطاً فحسب بإنسانية الإنسان وبمشاعره وأحلامه وبصياغات بسيطة رائقة وحاذقة معاً.وهو ما نرى أن الفنانة التشكيلية لمياء حزام عبده زيد تعمد دائماً إلى فعله، فالموضوعات بسيطة العناصر والمظهر مهما تعقدت مضامينها والصياغات التقنية تجيء لديها دائما مواكبة في أسلوبها للموضوع المطروح، دون تقيد بأسلوب أدائي محدد ومتكرر ـ كما يفعل بعض الإنصاف الذين يتصورون أن ثبات طرائق الأداء والصياغة هي تأكيد للشخصية الفنية بينما الأمر ليس كذلك.لم تتقيد يوماً واحداً بما حققته من نجاح خلال مشوارها الفني القصير، وإنما هي تسعى باستمرار نحو التجديد في عملها الفني وتقديم ماهو أفضل من لوحات فنية حققتها في معارضها الفنية ونالت إعجاب جمهور الفن التشكيلي اليمني، وقد تحررت الفنانة التشكيلية لمياء حزام من أسر الثبات في حرية الواقعية الشخصية نحو التجريد ومن تعقيد البناء الهندسي للأشكال ذات البعد المنظوري إلى بساطة التسطيح، بل ومن تراكيب اللمسات اللونية الكثيفة وتكدس العناصر إلى تجاور الزخارف وانتشارها على سطوح منبسطة مسالمة.وهي في هذا تقودنا إلى حالة جديدة من رؤية الواقع وعناصره وتكويناته ورؤاه، فهي تسعى بعفوية مستندة عندها إلى مرجعية ثقافية وفلسفية عميقة، إلى وضع الواقع موضع تساؤل، مؤكدة في ذلك أن الأشياء كل الأشياء، والناس كل الناس، والوجوه كل الوجوه هي بالضرورة، كما تراها حواسنا، وكما تتلمسها الإبصار منافي حالات متعددة في التفكير والتصور والحالة الإبداعية، وفي مجمل أعمالها الشخوصية وأشكالها الوجهية وتكويناتها الزخرفية نزعت لمياء حزام نحو فعل التحرر البصري، بحيث أطلت على العالم وعلى عناصر العالم وعلى إشارات العالم وهواجسه من زاوية تصورها الخاصة المسربلة بمكونات فضائنا البصري وبعناصر بساطنا العربي ورقشنا وزخارفنا ذات المرجعية التراثية الإنسانية متفوقة في إطلالتها هذه على حارس العقل الذي من مهنته الحفاظ على شكل وشعور موضوعيين وعقلانيين تجاه الأشياء والناس والعلاقات والرؤى.لذا فإننا في حالات فعلنا التأملي العميق للرسوم نقاد إلى حلم اليقظة الشاعري كاسرين بذلك ـ تضامناً معها ـ حاجز الأمان منحين لانطباعاتنا أن تتحرك بحرية جيئة وذهاباً في الزمن والمكان تواكباً مع قانونها التحرري البصري.بتعير أدق، فإن من الأهداف الواضحة الإبداعية والتشكيلية والفلسفية هو وضع المقبول والواقعي من الأشياء والأشكال موضع التساؤل، كذلك صار الوجه (وجه الإنسان والأرض) بالضرورة عندها انعكاساً لهذه الفلسفة الإبداعية الطريفة.ومن المحتمل أن المساحات الخافتة لتأثير الفعل الرمزي بالنسبة لبعض الحالات أشخاصاً هي صاحبة الجاذبية في الصورة الأساسية عندها.[c1]المحصلة[/c]إن المتأمل الواعي لأعمال الفنانة التشكيلية اليمنية لمياء حزام ولزخارفها ولحالاتها التصوفية الشكلية والواقعية واللونية والحركية يصل إلى الإدراك العقلاني لدور الزخرفة عندها في التعبير عن مشاعرها الإنسانية وارتباطها بحب الوطن وتاريخه وعن التزامها بالوطن والتراث والتقاليد والقيم وغيرها من العادات والتقاليد اليمنية عبر مفهوم جديد لكل هذا. وهي من وراء ذلك ـ أي اعتمادها على الأشباح بالزخارف ـ تقودنا إلى إدراك ومعرفة ما لايمكن معرفته بالبساطة وبالتلقي المباشر. إذ إن كل لون من ألوانها لانقصدها بمعانيها الواسعة ومضامينها الأكاديمية فهي تشير من خلال نزوعها لإضفاء التعبير على إطلالتها اللونية إلى تبني موقفاً إبداعياً يمكن لنا رؤيته بسهولة. ويمكن لنا حتى تلمس أبعاده وانعكاساته على الأشياء والناس والطبيعة وهي في هذا تكثف استثمارها للعديد من التجارب الإنسانية بدءاً من الفن البدائي وفنون الكهف وانتهاء بالفنون التجريدية المعاصرة ومروراً بفنون الأطفال والفنون الطبيعية والتطبيقية وفن المنمنمات الإسلامية.ببساطة فما عنيناه بتعبيراتها ماهو إلا الدلالة على التجربة الروحية الإنسانية المختزلة لكل جماليات التجارب العفوية والصادرة عن ذات مرهفة موحدة تجاه الصوت الإنساني الخالد.لذلك، فما يهمنا من تجربة الفنانة التشكيلية لمياء حزام هو تلك الصور والمساحات والرسوم التي تختزن شحنة عالية من الإحساس المحبوس فيها والتي ستبرز من ثنايا التدفق العام لانطباعاتها اليومية والمرصودة من قبل حدسها وحواسها الخمس التي اختزلتها ساعة بساعة ولحظة بلحظة من عملية تواصلها مع جماليات اللحظة المعيشية من الحياة والمكونة لومضة جديدة هي لوحة قادمة.
|
رياضة
التشكيلية اليمنية لمياء زيد ونهاية التقاليد الفنية
أخبار متعلقة