فيض الخاطر
تفي كل لقاء يجمعني بالفنان التشكيلي الحداثي الكبير الأستاذ احمد عبدالعزيز أجدني اكتشف على الدوام بأنها كانت لقاءات مع أكثر من شخصية واحدة . فالرجل مثقف متعدد الجوانب واسع الاطلاع على معظم الثقافات الإنسانية وإبداعاتها لا ينفك عن القراءة الواعية والمستمرة في الأدب والفن ، ولا يمكن أن تراه يمر من أمامك في الشارع إلا وفي يمينه مجلة أو كتاب أو صحيفة يجيد التخاطب باللغتين الايطالية والانجليزية إلى جانب لغته الأم اللغة العربية . مصور ومخرج سينمائي درس أصول التصوير والإخراج السينمائي في مدينة الجمال والفن روما العاصمة الايطالية أما البندقية ( فينيسيا ) فكانت له مزاراً روحياً أصلت في وجدانه حبه للفن بعد أن تلقاه علماً اكاديمياً في روما وتشبع هو منها بما تكتنزه من قيم جمالية وفلسفية وفنتازيا وإبهار وسكينة وتأمل وبحر لا تمله العين في قنواتها وخلجانها منذ أن شيدت قبل نحو ألف عام أو يزيد قليلاً. وكثيرة هي المرات التي أستأنس برأيه وملاحظاته في فنون التصوير الفوتوغرافي فتعلمت منه اسراراً كثيرة في تقنيات هذا الفن . ساهم كمخرج ومصور في تلفزيون عدن واخرج عدداً من البرامج التوثيقية والتسجيلية ومع كل ذلك لم يحظ بحق استمرارية العمل معهم للاستفادة من علوم فنونه ليسهم في تطوير مفاهيم التصوير والإخراج السينمائي الذي ما زال يمارس بتقليدية. التشكيل عنده بمثابة جذوة الروح التي تمد الإنسان بالحيوية وعالم التشكيل عنده في إصابة ثقافة ، فإنه حين يتحدث عن الفنون التشكيلية إنما يتحدث عن أنها ثقافة بصرية تتغير وتتطور مع مراحل التاريخي والأحداث ووعي المجتمعات أينما كانوا وفي أي زمن هم فيه وأن إشكالية الحداثة في مفاهيمه ( قديمة قدم الزمان منذ أن وعى الإنسان انه سيد الكائنات) وهو في صراع دائم مع بيئته تعمل فيها يد التبديل كيما تخضعها لإرادته واحتياجاته يصنع لها الأفكار والأدوات ثم يعدل من سلوكه ويسعى إلى تحديثه ليتكيف مع تلك الأفكار والأدوات في ثوبها الجديد.. فيعاصرها. يدور في حلقة التأثر والتأثير والأخذ والعطاء ما يسفر عن أنماط الحضارات والثقافات التي ينقل التاريخ سفرها عبر العصور. والثقافة عند الفنان احمد عبدالعزيز أسلوب حياة والحضارة إنما هي احد مقومات الثقافة المادية والمعنوية. وإذا أمعن المشاهد في أعماله التشكيلية فانه يجد فيها ترجمة صادقة لثقافة وفكر الفنان احمد عبدالعزيز ويرى من خلالها أنماط تفكيره ومسلكه الحياتي والفلسفي الملتزم الصارم كفنان مثقف يحترم ذاته وكبرياءه، وبتواضع جم ولا أبالغ لو زعمت أن لوحاته حين تعرض في أي ملتقى أو فعالية فنية أو معرض فإنها تلقى اقبالاً شديداً من محبي هذا الفن رسمياً وشعبياً وكم استمعت إلى أحاديث نقدية من فنانين ومثقفين عرب وأجانب يشيدون بالبناء الفني في لوحاته وبالأفكار المصاغة في مساحاتها وألوانها وخطوطها مهما كبر حجم اللوحة أو صغر. همسة للمعنيين بشؤون الثقافة في محافظة عدن واخصها للأخ العزيز الأديب والمثقف والفنان الأستاذ عبدالله با كدادة مدير عام مكتب الثقافة لما عهدناه راعياً وصديقاً لكل المبدعين واهتمامه بإزالة منغصات إبداعهم وعطاءاتهم أن يولي اهتماماً خاصاً بهذا المبدع وتحقيق حق له قديم في التوظيف رغم طول أمد انتظاره دون أن يبدي تبرماً أو امتعاضاً.