أعداد / القسم الثقافيمنذ الطفولة احتفظت الذاكرة بصورة فريدة ومدهشة للمروج الخضراء للوديان والسهول ومدرجات الجبال الزراعية والشلالات الصغيرة لعيون الماء التي تتميز بها قرى محافظة ذمار، واختزنت تلك الذاكرة أيضاً صور الفلاحين والفلاحات ورعاة الأغنام وصور الأسواق الأسبوعية الشعبية وكل مباهج القرية الساحرة، وكانت سبباً في تحفيز وولادة الموهبة الفنية بعد ذلك في مدارس المدينة الحالمة تعز، حينما اكتشف مدرس الرسم أن لديه في الفصل تلميذاً يتردد كثيراً على الحجرة المخصصة لمادة التربية الفنية ويشارك في المعارض المدرسية باستمرار.وبعد ذلك تم التعرف على الفنان التشكيلي الرائد والمعروف محلياً وعربياً ودولياً هاشم علي رحمه الله من خلال المشاركة معه في معارض فنية سنوية داخل المحافظة والاستماع إلى نصائحه وتوجيهاته الفنية القيمة إلى أن تم الحصول على منحة لدراسة الفنون الجميلة في جمهورية مصر العربية في كلية الفنون الجميلة بالإسكندرية فرع جامعة حلوان تخصص تصميمات مطبوعات أو ما يسمى (جرافيك) بالإضافة إلى دراسة تاريخ وتحسين الخطوط العربية ومن ثم العودة إلى الوطن الأم بتلك الخبرات الفنية المكتسبة نظرياً وعملياً والانخراط أو الاندماج في المجتمع من أجل المساهمة الإبداعية في التنمية الاجتماعية واللحاق بركب الحضارة والتطور.وكان أول عمل هو تدريس مادة التربية الفنية في إحدى مدارس أمانة العاصمة صنعاء ثم الاشتراك في إقامة المعارض المحلية والعربية والدولية، وحصل التلاقح الثقافي والاحتكاك الفني من خلال الالتقاء بالفنانين والنقاد في تلك المعارض وتبادل الخبرات والتقنيات الفنية والجمالية المختلفة والمتنوعة بالإضافة إلى الإطلاع الواسع والقراءة المستمرة لكل ما يتعلق بالفنون والعلوم والمعارف الأخرى. أضف إلى ذلك تعطش الفنان لمعرفة التقنيات الفنية المختلفة على مستوى الشكل والمضامين الفكرية للاتجاهات والأساليب الفنية الحديثة والمعاصرة وممارسة وانتهاج أسلوب التجريب الواعي الذي بدأ بمرحلة التقليد التشخيصي ثم التطلع إلى التحرر من ربقة هذا الأسلوب إلى الاستقلال والتميز النسبي للشخصية الفنية الباحثة عن أسلوب وهوية فريدة ومتميزة بين هذا الكم الهائل من الرسامين في العالم وهذا حلم كل فنان صادق ومخلص لموهبته وأهدافه وطموحاته وتطلعاته أن يصل إلى مرحلة الكشف والرؤية وأن يصل إلى إبداع مشروع فكري وفني خاص به وهذا لن يتأتى إلا بمزيد من الجهد والقراءة والبحث والإطلاع والتجريب والاحتكاك بالمعارض الفنية وبنقاد الفنون والإطلاع على ثقافة العصر والواقع.ومازال الفنان حتى هذه اللحظة يجرب ويبحث ويكتشف ولم يصل بعد إلى ما يحلم به أو يصبو إليه، ويتمنى أن يكون لكل فنان ملتزم بقضايا أمته ومجتمعه هدف وقضية يسعى إلى تحقيقها أو المساهمة في نموها وتطويرها وازدهارها لا يقبع هذا الفنان في برجه العاجي ويعمل فقط على إبداع فن من أجل الفن أو من أجل الترويج التجاري والسياحي والترف الفكري ويجري وراء الضجيج الإعلامي كما يفعل بعض زملائنا الذين يتصدون للحديث عن الفنون التشكيلية في بلادنا ويسمحون لأنفسهم بالكتابة عن كل تجربة فنية وكأنهم أولياء أمور أو أوصياء عليها، وفي الوقت نفسه لا يقبلون أن يتعرض لهم أحد بالنقد وكأنهم فوق هذا النقد أو فوق مستوى الشبهات والبعض منهم يستغل للأسف الوظيفة العامة الممنوحة له من قبل متنفذين غير متخصصين في الفنون وغير مدركين أهمية دور الفنون في حياة الشعوب المتحضرة والمتقدمة ولا يقدرون رسالة الفن والفنانين ولا يعرفون إلا من يتزلف أو يتقرب إليهم أو يظهر عن طريق المجاملات والنفاق الاجتماعي، أو يظهر عبر وسائل الإعلام المختلفة عن طريق الفهلوة والزعم والادعاء بامتلاك الخبرة والذوق الرفيع وفي الحقيقة هم بعيدون كل البعد عن هذا المجال ولا يمتون له بصلة.الحديث عن مسيرة وتجربة أي فنان تشكيلي قد تطول ولا تنتهي ولكن يمكن التركيز هنا على آليات سيكولوجيا الإبداع في تجربة هذا الفنان الذي شعاره التمرد والاشتراط بامتلاك الثقافة والمعرفة إلى جانب الموهبة والخبرة لأن الفن العميق وراءه فنان واعٍ ومثقف وصاحب موهبة وخبرة عملية ورؤية وهدف فكري محدد.الفنان الذرحاني يستلهم موضوعاته من خبراته التراكمية ومن الفكر الإسلامي والإنساني عموماً ومن ثقافته الشعبية ومحيطه الاجتماعي ومن التراث والفلكلور ومن قضايا وهموم الناس والعصر والواقع، ومن الفلسفة يلتقط الفكرة ثم يبدأ بوضع تكوينات أو تصميمات أو رسوم أولية للشكل المتخيل ثم يبدأ بتعديله أو الإضافة إليه أو تحويره أو الحذف منه حتى يصل إلى التكوين المقصود أو المقبول الذي يفضي إلى تكوين متوازن خارجياً ينعكس على نفسية الفنان فيمنحها رضا وتوازناً داخلياً..
|
رياضة
إضاءة على تجربة التشكيلي علي الذرحاني
أخبار متعلقة