محمد فؤادللأبوين دور حيوي مهم في تعويد أبنائهما على التفكير المنظم و القدرة على التخطيط، وبهذه المهارة نستطيع أن نعد أبناءنا للتعامل مع عصر التخطيط والنظام، فالعشوائية في التفكير والسلوك كانت وما تزال آفة الكثيرين منا، وهي السبب في ضياع فرص تقدمنا ونجاحنا أفراداً ومجتمعات.الفوضى في حياتنا هي في نظري انعكاس لحالة الفوضى في بيوتنا، فالنظام والتعود عليه يبدأ أول ما يبدأ في طفولتنا الباكرة داخل بيوتنا. ولو تأملنا في طبيعة التنشئة الاجتماعية في أغلب بيوتنا لوجدنا أنها تعزز الفوضى لدى الطفل وتشجعه عليها، لذلك من الطبيعي أن ينقل هذا الطفل حالة الفوضى التي تربى عليها في بيته إلى الشارع والمدرسة والمسجد وبقية الأماكن التي يذهب إليها.[c1]الالتزام بالوقت[/c]
في بيوتنا ليس هناك وقت محدد للنوم يجب على الطفل أن يلتزم به فتارة ينام بعد صلاة العشاء مباشرة وتارة لا ينام إلا بعد صلاة الفجر. وفي بيوتنا يتعلم الطفل رمي ما بيده في أرجاء المنزل دون أن يلزمه أحد بوضعه في سلة المهملات. وفي بيوتنا لا نعلم أطفالنا ترتيب ملابسهم ووضعها في المكان المخصص لها بل يرميها في كل زوايا وأركان المنزل دون أن يحاسبه أحد. وفي بيوتنا لا يرتب الطفل سريره حين يصحو من النوم، فالأم تقوم بهذه المهمة. وفي بيوتنا لا نعود الطفل على غسل الأواني التي يستخدمها ويعيدها إلى أماكنها. وفي بيوتنا لا نعود الطفل على ترتيب أوقات اللعب والمذاكرة ومشاهدة التلفزيون. وفي بيوتنا لا نعلم الطفل احترام ممتلكات الآخرين بل ربما نشجعه على التعدي عليها. وفي بيوتنا لا نعود الطفل على ترتيب حقيبته المدرسية ووضعها في المكان المناسب. وفي بيوتنا يرمي الطفل أحذيته في أي مكان داخل المنزل ولا أحد يطلب منه وضعها في المكان المخصص لها. وفي بيوتنا لا نطلب من الطفل إعادة ترتيب ألعابه بعد أن يستمتع بها. هذه مجرد نماذج من حالات الفوضى في بيوتنا التي يتربى عليها أغلب أطفالنا ثم نتعجب حين يمارسون الفوضى في مراهقتهم وشبابهم. إذن جذور الفوضى موجودة في بيوتنا أصلا ويتربى عليها الإنسان في بيئته الأسرية منذ الطفولة الباكرة، لذلك من غير المستغرب أن تنتقل ثقافة الفوضى هذه إلى بقية أوجه حياتنا. فالفوضى المرورية وعدم احترام الأنظمة المرورية ورمي المخلفات في الشوارع وإزعاج المرضى في المستشفيات وعدم الانضباط في طوابير الانتظار في المؤسسات الخدمية وتكدس السيارات عند المساجد وإغلاق الشوارع وتناثر الأحذية في أرجاء المساجد وعدم احترام المواعيد وإفساد جدران البيوت واللوحات الإرشادية بالكتابة عليها إنما هي امتداد طبيعي لحالات الفوضى التي نعيشها في بيوتنا منذ الصغر.
هذه الفوضى العارمة في حياتنا تطرح أمامنا من جديد فلسفة الإنجاب في مجتمعنا، فهل نحن ننجب لمجرد الإنجاب وإرضاء توقعات المجتمع والتخلص من أسئلة الآخرين من حولنا؟ أم أن الإنجاب يعني في نظرنا المسئولية التربوية تجاه أطفالنا بحيث نتحمل مسئولية تربيتهم وتعويدهم على السلوكيات الدينية والحضارية التي تجعل منهم عناصر بناء بدلا من إهمالهم ليكونوا عناصر هدم وتدمير؟.من الواضح أن الإنجاب في مجتمعنا هو غاية بحد ذاته للأسف وليس وسيلة لتحمل مسئولية ما بعد الإنجاب من اهتمام ورعاية وتربية. فإنجاب الطفل يعني لدى الكثيرين التفكير وتحمل المسؤولية، والوصول إلى مرحلة المراهقة يعني الإزعاج الذي يحتاج إلى قمع، وهكذا تنشأ أجيال تفتقد إلى التربية السوية ومتمردة على القيم الجميلة في المجتمع وتمارس كل أشكال الفوضى واللامبالاة والاتكالية ... ألم أقل لكم أن فوضى بيوتنا هي سبب الفوضى في خارجها؟ إذن لنقض على فوضى بيوتنا ونعود أطفالنا على النظام ابتداء من بيوتهم وحينذاك أنا متأكد أننا سنقضي على حالة الفوضى في كل أوجه حياتنا.[c1]خطوات التدريب على التنظيم[/c]
1 - الحب المتبادل والاحترام أساس تعليم النظام:فالطفل يطيع عندما يحب، ويعصي عندما يكره، وهكذا فإن النظام مرتبط إلى حد بعيد بالطاعة والمحبة، وهذا ما يظهر لدى كثير من الأطفال؛ حين يهتمون بمادة دراسية أكثر من أخرى، وما ذاك إلا بسبب حبهم للمدرس أو للمدرسة، وبالتالي هم يطمحون إلى نيل رضاهم، وقد قيل: «إن المحب لمن يحب مطيع».2 - يجب ألا يفوق النظام قدرات الطفل:وهذا لكي يكون النظام واقعيا ومقبولاً، وكما نعلم لكل طفل قدراته المختلفة عن الآخر؛ فلا تصح المقارنة بينهم، فلكلٍ ميوله وإدراكه وإمكاناته؛ لأنك إذا كلفت طفلك بإتباع نظام قاسٍ فسيعمد إلى الفوضى المريحة؛ لذلك يجب أن تكون الأوامر مناسبة لإمكانات الطفل، قال تعالى: (لا يكلف اللهُ نفْسا إلا وسعها) (سورة البقرة 286).3 - الابتعاد عن زعزعة مفهوم النظام في أذهان أطفالنا:كما يفعل بعض الأهل؛ فمرة يطلبون تطبيق نظام معين، ويهملون ذلك مرات أخرى، أو أن تطلب الأم إتباع نظام معين، بينما يخالفها الأب، وهذا الاختلاف بين أوامر الأم وأوامر الأب؛ يخلق أضراراً تربوية في نفسية الطفل.4 - القدوة الحسنة:فهي خير وسيلة لتعويد الطفل على النظام؛ إذ الطفل بطبعه يحب التقليد؛ فإعطاؤه دروسا عملية في إطاعة النظام العام، سواء كانت أوامر إلهية أو قوانين اجتماعية يوجد فيه حب النظام.5 - توزيع المهام عليهم:فنكلف كل واحد بما يستطيع من أعمال المنزل؛ ليتعودوا على «أن هذا منزلهم، وهم مسؤولون عن ترتيبه ونظامه»، وبالطبع يجب أن يرتبوا غرفهم قبل كل شيء، وهنا يمكننا مساعدتهم أول مرة بحيث يتعلمون أين يضعون الأشياء، وبعد ذلك يصبح بإمكانهم أن ينجزوا المهمة بدوننا.6 - نناقشهم في جدواها وصحتها وفائدتها لهم:ولا نعتبر ذلك من قبيل التحدي لإرادتنا أو المماطلة، بل من الأفضل أن نعودهم على الطاعة المبصرة وليس الطاعة العمياء، فهذا مما يزيد ثقتهم في أنفسهم مستقبلاً.7 - إفهام الأبناء معنى كلمة النظام:والأفضل استثمار أول فرصة يظهر فيها الطفل قدرا من التزامه (ولو غير المقصود) بأي من هذه العادات؛ لنثني عليه ثناء وصفيا كأن نقول له: «ما شاء الله.. ها أنت قد وضعت حذاءك في مكانه المخصص له؛ وهذا ما يسمى نظاما، أو ما شاء الله منظم، وضع الحذاء في مكانه».8 - الحوافز:ويمكن استخدام طرق جداول الحافز، أو نضع قطعة من الحلوى أو أي مأكول يحبه في صندوق مخصص لذلك لكل التزام للطفل الصغير بالنظام، وهي حركة مرحة يحبها الأطفال، ويمكنه عد ما حصل عليه آخر كل يوم ليعرف تقدمه في كل يوم عن اليوم السابق له.9 - الإشارة إلى الأثر الطيب لهذا السلوك.