صنعاء / سبأ:دخلت الحرب على الإرهاب منعطفاً حاسماً، فقد شكّل مقتل زعيم القاعدة أسامة بن لادن ضربة قاسية للتنظيم الذي يمثل خطراً على كثير من دول العالم. ومن المتوقع أن يقوم أنصار ابن لادن بعمليات انتقامية للتأكيد على وجودهم حتى بعد رحيل قائدهم التاريخي في عملية خاصة نفذتها المخابرات الأميركية بالقرب من العاصمة الباكستانية إسلام آباد، الأمر الذي يشير إلى ضرورة مواصلة الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب.فمنذ عشر سنوات على خوض العالم حرباً لا هوادة فيها ضد (القاعدة) وثمة العديد من الشكوك التي تثار في وجه هذه الحرب التي على الرغم من جنوحها عن هدفها الرئيسي إلا أن الأيام أتثبت أنها حرب ضرورية.وتعد اليمن من أكثر الدول العربية التي عانت - وما تزال- من تمدد تنظيم القاعدة ومن عملياته التي تستهدف زعزعة الأمن والاستقرار، ما جعل الحكومة اليمنية تنضم للجهد الدولي لمحاربة (القاعدة) مبكراً، خصوصاً أن صورة اليمن تشوهت في بداية الأمر نتيجة اعتبارها من منابع الإرهاب وضمن الدول التي يمكن استهدافها من جانب الأميركيين. وفي إطار تصحيح الصورة المشوهة عن اليمن، بادر الرئيس علي عبدالله صالح بالذهاب إلى أميركا في نوفمبر2001، وقد أحدثت هذه الزيارة تحولاً كبيراً في الموقف الأميركي، إذ صارت اليمن حليفاً لأميركا في الحرب على الإرهاب، وهذا سمح بتعديل الصورة المأخوذة عن اليمن، حيث تعرضت هذه الصورة لكثير من التشويه بعد حادثتي المدمرة «كول» في 2000، والباخرة الفرنسية في 2002. ويرى كثير من المراقبين أن الرئيس علي عبدالله صالح تمكن من لفت انتباه أميركا وفرنسا إلى احتياج اليمن لدعم لوجستي يقوض عجزه عن القيام بدور فاعل في مواجهة الإرهاب وبالأخص دعوته لإنشاء شرطة خفر السواحل ليكون من شأنها تقديم خدمات أمنية في خط الملاحة الدولي على السواحل اليمنية الذي منه تعرضت السفن الأجنبية لهجومي القاعدة.والواقع، أن الدعوة آتت أكلها سريعاً، فقائد القوات المركزية الأميركية، الجنرال تومي فرانكس، أعلن بعد 11 يوماً على حادثة ليمبورغ أن أميركا ستساعد اليمن في إنشاء مصلحة خفر السواحل لكون من شأنها، حسب قوله، مواجهة «الاختراقات الإرهابية» بالدرجة الأولى. وعلى الرغم من مساهمة الأميركيين في تدريب وتأهيل قوات متخصصة في مكافحة الإرهاب، واستجلاب دعم للاستمرار في ذلك المنوال، إلا أن الحكومة اليمنية تبنت سياسة واضحة تتمثل برفض التدخل الأميركي المباشر في الحرب على (القاعدة) في اليمن من جهة، والتعاون مع أميركا في ذلك الإطار من جهة أخرى، فبقدر ما ترفض اليمن تدخلاً أميركياً مباشراً تريد دعماً أميركياً لوجستياً لجهودها في مكافحة الإرهاب.وفي سياق تجفيف منابع الإرهاب وتقليص مدى تأثر الشباب بالمد الفكري للقاعدة، عملت الحكومة اليمنية على تنفيذ برامج دينية للمراجعات والحوار مع المنتمين لتنظيم «القاعدة» بغية إرجاعهم عن أفكارهم المتطرفة.وكانت الحكومة اليمنية قامت بإلغاء المعاهد العلمية ذات الصبغة الدينية، وتم ترحيل 80 طالباً من العرب والأجانب الذين يدرسون في المعاهد الدينية، ويقيمون في البلاد بطريقة غير مشروعة عام 2002، في إطار تعقب السلطات اليمنية للمشتبه في انتمائهم إلى تنظيم (القاعدة)، وقد أوضح مصدر مسئول بوزارة الداخلية أن هؤلاء الطلاب يدرسون في معهد دار الحديث بمحافظة مأرب- 170 كيلومتراً شرق صنعاء- وتناقلت مصادر صحفية أن هؤلاء الطلاب الذين تقرر ترحيلهم من بلدان عربية متعددة. ومنذ منتصف عام 2002 بدأت الحكومة اليمنية بالتضييق على عناصر(القاعدة) في اليمن بنشر قوات أمنية متخصصة لملاحقة العناصر الرافضة لمبدأ الحوار والتصحيح الفكري منها. ومن أبرز نجاحات الأجهزة الأمنية إحباط محاولة استهداف السفارة الأميركية في 19سبتمبر 2008. وقد أشار ديفيد بترايوس قائد القوات المركزية الأميركية الوسطى في 29 نوفمبر 2008 إلى إحباط الأجهزة الأمنية للعملية، التي وفقاً لبترايوس جعلت اليمن ضمن ثلاث دول متقدمة في مكافحة الإرهاب.وتسعى الحكومة اليمنية إلى محاصرة تنظيم (القاعدة) الذي تتوجه كثير من عملياته للإضرار بالمنشآت النفطية، وفي هذا السياق تم إفشال هجوم لتنظيم (القاعدة) على منشآت نفطية في محافظة حضرموت العام 2006 في محاولة منه لضرب الاقتصاد كجزء من إستراتيجية إنهاك العدو كما يعتقد. وقد زادت وتيرة الشراكة اليمنية الدولية وخصوصاً الأميركية في مجال مكافحة الإرهاب، بعد إعلان فرعي تنظيم (القاعدة) في اليمن والسعودية اندماجهما في ما بات يعرف «القاعدة في جزيرة العرب» العام 2009، إذ تقاطر مسئولون وخبراء عسكريون وأمنيون أميركيون إلى اليمن، فقد التقى كل من نائب مدير المخابرات الأميركية في مايو من العام نفسه، وقائد القيادة العسكرية الأميركية المركزية الوسطى بالمسئولين في صنعاء، فضلاً عن انعقاد مباحثات عسكرية يمنية أميركية، وكذا الزيارة المهمة لوفد الكونجرس الأميركي برئاسة السيناتور الجمهوري جون ماكين لليمن. وعلى الرغم من الظروف السياسية الصعبة التي تعيشها البلد منذ عدة أسابيع، فإن عملية ملاحقة عناصر تنظيم «القاعدة» ما تزال تجرى على قدم وساق، حيث لا يكاد يمر أسبوع دون حدث يشير إلى ذلك. صحيح أن مقتل بن لادن لا يعني أن (القاعدة) قد هزمت، فرغبة أنصاره في القيام بعمليات ضد أهداف متنوعة داخل اليمن وخارجها ستزيد بكل تأكيد. لكن ذلك سيلقي مسؤولية مضاعفة على الحكومة التي بالرغم من وضعها الصعب، إلا أنها مطالبة بالعمل على مواصلة الحرب على تنظيم (القاعدة) ، وهي تدرك أنه أمر حيوي يجب القيام به.