صباح الخير
هناك عدد من النظريات التي يمكن توظيفها في تقديم تصور لما ينبغي أن يكون عليه هذا الدور، ومن أهم هذه النظريات: النظرية الواقعية أو التجريبية، ونظرية الضبط الذاتي ونظرية الضبط الاجتماعي. فالنظرية الواقعية أو التجريبية ترى أن يعطى الابن الحرية في الاختيار وأن لا تمارس عليه ضغوط توثر على اختياراته، لأنها عملية تعلم مفيدة في نموه وتطوره، فمن خلالها يتعلم كيف يعتني بنفسه ويشبع احتياجاته، والأضرار المترتبة على ذلك أقل بكثير من الأضرار المترتبة على تحديد خياراته والحيلولة دون وقوعه في تجارب لا يحبذها الآباء. بل تذهب هذه النظرية إلى مدى أبعد وهو أن يعين الآباء الأبناء على إشباع احتياجاتهم بغض النظر عن موقفهم منها ليتمكن الأبناء من ممارستها قريباً منهم وليحولوا بذلك دون استغلالهم من قبل أطراف أخرى.بينما نظرية الضبط الذاتي ترى ضرورة أن يتربى الأبناء على ضبط أنفسهم من خلال عدم الانسياق مع احتياجاتهم والتدرب على حرمان النفس مما ترغب، فالفرد الذي يضعف الضبط الذاتي لديه يكون عرضة للوقوع في الانحراف والجريمة عندما تتوفر له الفرصة، إذ الانحراف والجريمة يأتيان في محاولة الفرد لإشباع بعض احتياجاته. أما نظرية الضبط الاجتماعي فترى أن اندماج الفرد في مجتمعه ومشاركته في الأنشطة الاجتماعية يقوي النزعة الاجتماعية لديه ويوجد لديه ميلاً للتخلي عن تلبية احتياجاته التي لا تتناسب والأعراف الاجتماعية. ويمكن لهذه النظرية أن تسهم في تفسير النزعة الفردية لدى الأبناء وميلهم إلى إشغال والديهم باحتياجات شكلية، فالأبن الذي لا يشغل في الأنشطة الاجتماعية يشغل والديه في أنشطته الخاصة. وهذه النظريات رغم صلتها الظاهرة بتعامل الآباء مع احتياجات الأبناء إلا أنها تتصف بالعمومية، فهي لا تقدم أنماطاً واضحة لهذا الدور الذي يقوم به الآباء. ولهذا أمكن في ضوء الخبرة العملية في مجال الإرشاد الأسري وضع أنماط محددة لتعامل الآباء مع احتياجات الأبناء. وهذه الأنماط هي:1 -الأب المدلل: وهو من يهتم باحتياجات أبنائه أكثر من اهتمامهم بها، ويعمل على تلبية تلك الاحتياجات بنفسه وبشكل لا يتيح للأبناء تحمل مسئوليتهم في ذلك. وهذا الأسلوب يجعل من الأبناء اعتماديين واتكاليين، مما يفقدهم القدرة على تحمل المسئولية ويجعلهم غير قادرين على التعامل مع احتياجاتهم في الظروف التي يفقدون فيها الرعاية الأبوية. ومثل هؤلاء تتسم شخصياتهم بالضعف ويسهل التأثير عليهم واستغلالهم من قبل الآخرين.2 - الأب البخيل: وهو الأب الذي لا يحب العطاء، فتجده ممسكاً في ماله أو عواطفه أو دعمه، فيشعر أبناؤه بالحرمان، وقد يتولد لديهم شعور الكره نحوه والرغبة في مفارقته، وقد لا يحسنون التصرف عندما يملكون ما حرموا منه لأن شعور الحرمان يلاحقهم وهم يواجهونه بالإسراف والتبذير، كما قد يسهل استغلالهم من قبل من يخفف عنهم شعور الحرمان. 3 -الأب المهمل: وهو من لا يهتم باحتياجات أبنائه لغفلته وانشغاله أو لجهله وعدم وعيه بتلك الاحتياجات أو لعدم مبالاته، والأبناء مع هذا الأب لا يشعرون بوجوده وعلاقتهم به ضعيفة، وهم عرضة للانحراف والجريمة وعرضة للابتزاز والاستغلال بدافع تلبية احتياجاتهم.4 -الأب المتشدد: وهو الأب الذي يميل إلى وضع حدود فاصلة بين ما يقع تحت مسئوليته وما يقع تحت مسئولية ابنه، فهو يعامله بطريقة رسمية صارمة أشبه ما تكون بالقانونية، حيث تقوم على تحمل كل طرف لمسئوليته وللنتائج المترتبة على الاخلال بها.5 -الأب المزاجي: وهو الأب الذي لا يرتبط بنمط معين وإنما تارة يكون مدللاً وتارة يكون بخيلاً أو مهملاً وتارة يكون شديداً.6 -الأب الحكيم أو المربي: وهو الأب الذي يأخذ بشعرة معاوية، بحيث يكون مرناً في التعامل مع أبنه في الوقت الذي يحرص فيه على تحديد المسئوليات ليقوم أبنائه بما يجب عليهم تجاه نفسه، فهو من جهة يعمل على تربية أبناؤه من خلال التعامل مع احتياجاتهم، ومن جهة أخرى يتلمس مصلحة أبنه ويعامله برحمة، فيكون تدخل الأب حسب المصلحة وبما تقتضيه مرحلة الابن العمرية.