بدون مقدمات أو إنذار مسبق استيقظ أبناء مديرية جعار في محافظة أبين صباح يوم الـ 26 من مارس الفائت على سقوط مدينتهم في أيدي الجماعات المسلحة التي تسمى بـ (الجهادية) التابعة لتنظيم القاعدة التي استولت على المباني الرئيسية للدولة وأبرزها إدارة الأمن العام والأمن السياسي وديوان عام السلطة التنفيذية والمحلية ومستشفى الرازي والمحكمة. وفي اليوم بعد التالي وقع انفجار مصنع (7 أكتوبر) للذخائر وما خلفه من كارثة إنسانية أدمت قلوب الناس، وبنفس اليوم سقط القصر الجمهوري الواقع على قمة جبل خنفر وبجواره مبنى إذاعة أبين المحلية ومبنى لجنة دلتا أبين الزراعية وكذلك المؤسسة العامة للكهرباء بالمحافظة ومحطتها الرئيسية التي تقع بجعار.الحاصل أن جعار بكل ما تحمله من أهمية حيوية باعتبارها أهم من العاصمة زنجبار قد سقطت بسهولة من يد الدولة وصارت منذ أسبوعين في قبضة الجماعات المسلحة التي يطلق عليها جماعات الجهاد الإسلامي للقاعدة التي تجول بالعربات المدرعة والأطقم العسكرية التي استولت عليها وكذا أسلحة الـ (آر بي جي) والمعدلات والكلاشنكوف داخل المدينة في شوارعها الغارقة بالقمامات والمجاري الطافحة، مصورة أسوأ مشهد عبثي متخلف في أفضل وأغلى مدن محافظة أبين التي صارت اليوم منكوبة مسلوبة الهوية مغيباً تاريخها العريق الذي كان يتكئ عليه أبناؤها ويتفاخرون به.الحقيقة التي يجب ألا تغيب أنه وأمام هذه التراجيديا المتسارعة للأحداث المؤسفة في جعار فإنه لابد من التوضيح للرأي العام عن المساعي والجهود المشهودة التي بذلت من قبل بعض الرموز الاجتماعية والسياسية والواجهات القبلية في المديرية لاحتواء الأوضاع الأمنية والحفاظ على ما تبقى من الممتلكات العامة والتدخل لدى جماعات المسلحين بعدم التعرض للمواطنين وإراقة الدماء ومن هؤلاء الذين يستحقون التقدير الشيخ الدكتور محمود علي عاطف الكلدي الذي أختير رئيساً للجنة الأهلية وكلف فيما بعد مديراً للمديرية وإلى جانبه النائب البرلماني سالم منصور حيدرة وممثلو المديرية بمحلي المحافظة عبدالمجيد الصلاحي والشيخ عبدالرب اليزيدي وهناك لجنة التحقيق التي كلف برئاستها وكيل المحافظة أحمد الرهوي ولجنة توزيع المساعدات لأسر ضحايا وجرحى انفجار مصنع الذخائر ومتابعة علاجهم وعلى رأسهم مدير مكتب الصحة بالمحافظة د. الخضر السعيدي وهناك عدد من الشرفاء المجهولين الذين عملوا ويعملون بصمت لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من المديرية المنكوبة.أما السلطة المحلية بالمحافظة بقيادة المحافظ صالح الزوعري فقد تحملت المسؤولية وتحركت من اللحظة الأولى بالتواصل مع الشخصيات والمشايخ من أبناء جعار، وتعقلت وهي ترفض المواجهة وتفجير الأوضاع كي لا تضيف مزيداً من المآسي للأهالي وأتاحت الفرصة لوجهاء المنطقة في مواصلة مساعيهم مع المسلحين والتفاوض على ممتلكات الدولة وبصورة سلمية، وكانت مواقف المحافظ الزوعري الإنسانية المسؤولة واضحة لا تقبل المزايدة والتشكيك فيها في مواجهة الانفجار الكارثي بمصنع الذخيرة الذي أسفر عن سقوط نحو (120) بين شهيد وجريح من المواطنين الأبرياء، ليس فقط بسرعة تقديمه الإغاثة بالمساعدات الغذائية والمادية لأسر القتلى وإسعاف وعلاج المصابين بواسطة لجنة تولت ذلك وزيارته شخصياً للجرحى في المستشفيات التي ينزلون فيها بعدن، بل عقد لقاءين موسعين للوقوف أمام الحادثة صدرت عنهما بيانات الاستنكار ووجه مذكرة إلى القيادة السياسية والحكومة تتضمن إصدار قرار باعتماد القتلى شهداء واعتماد مرتبات شهرية لأسرهم وكذلك الجرحى وغيرها من الجهود التي لا ينكرها إلا جاحد أو مكابر، ونحن نستغرب ما نشرته صحيفة (أخبار اليوم) عن عدم وصول مساعدات المحافظ لضحايا الانفجار ونرى أن ذلك محض افتراء ومجرد إثارة للرأي العام في البلاد التي تعيش أدق وأخطر مرحلة في تاريخها المعاصر.اللافت للنظر أنه إذا كانت البلاد (تهتج وترتج) جراء تفاقم الأزمة واحتجاحات الشارع وضبابية المشهد الراهن - ندعو الله أن يلين قلوب اليمنيين قيادة ومعارضة وشباب ساحات التغيير وكل فئات المجتمع لإخراج هذا الوطن المشتعل من هذا المأزق غير المسبوق - فإننا في الوقت ذاته نعود إلى تفاصيل الواقع المعقد في مديرية جعار التي يرى المراقبون والمحللون السياسيون والاجتماعيون أنها المديرية الوحيدة التي استبقت سائر مديريات اليمن في الدخول إلى مربعات العنف والتخريب والاغتيالات والنهب التي طالت جميع مرافقها العامة منذ نحو عامين بمخطط إجرامي غادر من قبل قوى حاقدة ودموية نافذة هدفها كسر كبرياء ناسها كونها تعتبر في نطاقها الجغرافي وأكثر نسيجها الاجتماعي في حدود يافع.. على الأرجح هذا المخطط الجهنمي المبكر حقق هدفه القذر بأدواته المتخلفة في لحظة تاريخية فارغة حين سقطت جعار في أيدي المسلحين فجر الاثنين 26 مارس 2011م وهذا التاريخ المشؤوم لن ينسى من ذاكرة الناس باعتباره شاهداً على عبثية وهمجية العقليات الانتقامية المتخلفة.أما الآن وقد صارت جعار جريجة ونفوس السكان مفزوعة ومنكسرة والدولة أمام خيارات كثيرة في الدخول بالمواجهة وهي تخشى على الأبرياء أن يكونوا ضحايا فضلاً عن ضعفها في هذه الظروف الحرجة، ويقال إن الجبناء هم أولئك الذين يتطاولون وترتفع أصواتهم لحظة إدراكهم لضعف الدولة، وشخصياً أرى أن المسؤولية تقع حالياً على أبناء المنطقة أنفسهم وعلى رأسهم مشايخ وأعيان ووجهاء وقبائل يافع في الخروج من وصمة العار التي ستظل تلاحقهم في الحياة الدنيا الفانية وحتى بعد الموت في دار البقاء الأبدي إن لم يسارعوا في التفكير بالحل ورد الاعتبار لجعار بكل الوسائل الممكنة.. إن الهروب من هذه المحنة وكل واحد منهم يتفرج ويرمي المسؤولية على الآخر لم يعد اليوم مقبولاً وستكون اللعنة الحقيقية، وفي المراحل والمواقف الصعبة يختبر الرجال الصناديد أصحاب القضية والحق، والجبناء يتوارون ويهربون كالقطط المذعورة فالذين استباحوا جعار وعاثوا في الأرض فساداً ويتحكمون بمصائر الناس اليوم بأسلحتهم هم بشر..ختاماً إلى عقلاء يافع أقول وأنا واحد منهم إذا لم تدافعوا عن كرامتكم وشرفكم وتاريخكم المعروف اليوم فمتى يسجل ذلك؟.. مطلوب منكم جميعاً الخروج من الإهانة وأن تفكروا صح وتنظروا إلى مودية ولودر والمحفد وزنجبار و... الخ لماذا تحرر رجالها من الخوف ورفضوا الذل والهوان والدخلاء.. إما أن تكونوا أو لا تكونوا وهذه وصيتي والله على ما أقول شهيد.
أخبار متعلقة