صباح الخير
محمد فؤاد راشدتتوالى الأيام، وتتسابق السنوات في تغيير ملامح وأفكار الناس باستمرار، ينسى الآباء في كثير من الأحيان، أنهم كانوا في يوم من الأيام أطفالاً وأبناء، يتذمرون من طلبات وأوامر الآباء، ويجدون من وجهة نظرهم إجحافا من الآباء بحقهم، وتقليلاً من شأنهم.في ما يغيب عن أذهان معظم الأبناء، أنهم سيقفون يوماً أمام أولادهم، يفرضون عليهم ما يرونه أنسب لهم في كل شيء، ويحددون لهم الخطأ والصواب، ويقسون عليهم أحياناً.وبين نسيان الآباء محدودية فكر الأبناء، تتجدد مشكلة مستمرة، طالما بقيت الحياة تضج بالصخب والتجدد، وهي الفجوة بين الآباء والأبناء بكل أبعادها العمرية والفكرية والثقافية وما يتعلق بالعادات والتقاليد وما يرتبط بدخول تكنولوجيات جديدة وتطور على مختلف الأصعدة .. وغيرها.ورغم أن لكل عصر خصائصه، وكل يرى أن عصره أكثر حساسية من غيره، فإننا نرى أن عصرنا كذلك، يتمتع بخصوصية فريدة، ساعدت في تباعد الفجوة بين الجيلين، بسبب ما دخل في عصرنا الحديث من تطور متسارع لم تشهد له الحقبات الماضية مثيلاً، وما شهده من تقارب في الزمان والمكان، وإلغاء لحواجز كثيرة ارتبط أساساً بالتكنولوجيا التي حولت العالم إلى قرية.و تعد الفجوة العمرية أكثر الفجوات تأسيساً للاختلافات اللاحقة، فبقدر ما يبتعد جيل الآباء زمنياً-عن جيل الأبناء، تتسع الفجوات الأخرى، وتضيق مساحة الالتقاء الفكري والثقافي وحتى اللغوي.في الماضي، كان الشبان يتزوجون في سن مبكرة، تصاعدت مع مرور الزمن، إذ كانت الأجيال السابقة تحرص على تزويج أبناءها عند سن البلوغ، ثم في أجيال لاحقة بات الزواج في سن أكبر، بسبب اتساع المدن وتنوع المصالح وتباعد المنازل.كانت العائلة الواحدة تزوج ربما جميع أبنائها في منزل الأب، ولم يكن على الابن أن يحمل الكثير من المسؤوليات كي يكون أباً.ومع تعقد الحياة، أصبح لزاما على الشاب أن يؤمن منزلا وعملا، ما ساعد في تقدم سن الزواج.وفي جيلنا الحالي، بات على الشاب أن يكون متحصناً بالكثير من المسؤوليات والقدرات كي يقدم على الزواج، وإن تزوج أخر الإنجاب لوقت لاحق ريثما تتحسن الأمور المادية !!هذا التقدم التدريجي في سن الزواج والإنجاب، أثمر فجوة كبيرة لم تكن في السابق موجودة بين أعمار الآباء والأبناء.. فبدل أن يكون بين الأب وابنه 20-15 عاماً كحد أقصى، بات الكثير من الآباء يبتعدون عن أبنائهم مسافة 30 سنة أو أزيد.هذا الاختلاف الكبير في الأعمار، ولد مسافات متباعدة من الثقافة والعادات والتقاليد والأفكار ومدخلات العصر الحديث بين الجيلين، ما ساعد في بروز أكبر للمشكلة.لذا يجب إن يصحو كل فرد مسؤول عاقل راشد بالغ من غفلته ويدرك مهمته وينجزها بإخلاص وأمانة، وليطرد التبعية والتخلف والانقياد الأعمى نحو الهاوية.. فليدرك الأب مسؤوليته ويلملم جراح الغفلة ويصلح ما قد فسد ويشارك بكل جدية في تربية أبنائه وإنقاذهم من كبوتهم قبل أن يقعوا في جحر الضب المنقادين إليه بلا وعي ولا تفكير، وليكن نِعم قدوة لنعم خلف.ولتدرك ألام عظم الأمانة التي في عنقها ولتقبل على احتضان أبنائها وبناتها ولترعاهم ولتعلم أنهم كسبها وربحها في الدنيا والآخرة، فبعزهم عزها وبفوزهم فوزها، ولتخلع ربقة الجاهلية الحديثة ولتكن نعم الأم لأفضل بنت ونعم الزوجة لزوجها ونعم القلب الذي يسع أبناءها ، ولتكن الحصن المنيع والسور الواقي الذي يقف بالمرصاد وبلا هوادة ضد كل دخيل ومتسلل إلى بيتها الآمن .وليدرك الابن ولتدرك البنت مدى خطورة الانحراف عن المسار والجادة، ولندع اللوم جانبا ولنكن غرسا طيبا بارً نعين آباءنا وأمهاتنا على برنا وحسن تربيتنا، ولنكن خير خلف لخير سلف وما نزرعه اليوم نحصده غدا ولنعلم أن عزنا في ماضينا وفي العلم والعمل والاستقامة ولننظر بعين ثاقبة إلى ما وصل إليه الغرب من انهيار أخلاقي وتفكك أسري وأمراض ليس لها عد ولا حصر ، فهل نسير نحو الهاوية أم نقود العالم كله نحو العلياء والسمو».