رزئت عدن ، ورزئت اليمن هذا الإسبوع بوفاة دعامة أساسية من دعامات القضاء في اليمن، هو الأخ والصديق الدكتور / محمد علي البدوي ، الذي توفي مساء الأربعاء الماضي، وقد سادت في أوساطنا نحن أصدقاءه ومحبيه ، وأوساط رجال القضاء والقانون عامة ، حالة شاملة من الحزن والألم على أثر وفاته.عندما تعود بي الذاكرة إلى الوراء إلى بداية السبعينات عندما كنا معاً في الصف الثالث ثانوي في مدرسة الجلاء الثانوية بخورمكسر ، وتحديداً إلى عام 1975م عندما حصلت الفاجعة بوفاة والده الكريم ، أصيب بحالة من الإكتئاب بسبب حبه الكبير لوالده وارتباطه به ، الأمر الذي أدى إلى إنقطاعه عن الدراسة ، فحز في نفسي ذلك ، بإعتباري أخاً وصديقاً وزميلاً قبل كل شيء ، أرتأيت بل وأبيت إلا أن أزوره في منزله الكائن في خورمكسر للرفع من أزره ، وقمنا معاً بمراجعة كافة الدروس ، التي كان نتيجتها أن أدرك أن أفضل شيء يقدمه إلى روح والده هو مواصلة دراسته وإنهاء الثانوية العامة ، وهذا ما كان وبنجاح ، وإنطلق بعد حصوله على منحة دراسية إلى الخارج إلى الإتحاد السوفيتي ( سابقاً ) للنهل من بحر العلوم القانونية ، حيث أنهى دراسة الماجستير في القانون عام 1983م ، وبما أن طموحه كان أكبر من ذلك وشعوره وإدراكه ، بل وحبه لتطوير نفسه ، أبى إلا أن يكمل المشوار وكان له ذلك عندما غادر أرض الوطن لمواصلة دراسة الدكتوراه في مدينة أوديسا فنالها وبامتياز عام 1990م.الموت حق ، ولكن أن يموت إنسان من طراز الدكتور / محمد علي البدوي ، ذلك الإنسان الذي بتوقف قلب مثل قلبه الكبير المفعم بحب الحياة والناس والبسطاء الذين وقف إلى صفهم وتمثل قضاياهم ومعاناتهم من خلال موقعه كقاض تدرج وانتقل في مجالات وشعب القضاء المختلفة ، لهو أمر يصعب على العقل تصديقه ولا يخطر على بال.كان ملء السمع والبصر وشغل أذهان الناس وسيطر على مشاعرهم ولم يكن من أولئك المشاغبين ، فبطبعه كان هادئاً وصبوراً ومحباً للجميع ، لم أشعر ولم أسمع في يوم من الأيام أنه قلل من قيمة أحد أو إحترامه ، بل بالعكس أحترم الجميع ، وحبه الجميع زملاء ورؤساء ومرؤسين ومتابعين ومراجعين لمجمل القضايا التي تحمل مسئولية وأمانة البث فيها وإصدار الحكم الملائم والمناسب لها ، وبالطبع فإن ذلك لم يكن إستثناء عن أسرته التي حبها وجلها وقدرها وعمل بكل إمكانياته وقدراته على توفير العيش الكريم واللائق لها وتعامل مع أولاده وكأنه صديق لهم وليس أباً وهذا ما نفتقده في عدد كبير من الأسر.إنها لمأساة كبيرة أن نفقد إنساناً بهذه الصفات إنني حتى هذه اللحظة لست مصدقاً ، فهل صحيح أن صديقي العزيز الدكتور / محمد البدوي مات ؟ هل صحيح ؟ هل صحيح ؟ وإذا كان صحيحاً ، فإلى جميع الرجال والنساء في عدن وفي اليمن ، لكل الأطفال ولكل الشوارع والمدن والقرى .. للشاطئ والبحر .. وللجبال والفقراء وللذين أحبوا فقيدنا بمواقفه المدافعة عن قضاياهم العادلة في بلادنا... إننا لا نشيعك إلى مثواك أيها الأخ والصديق العزيز ، إننا لا نودعك ، هؤلاء الأعزاء وهذه الجموع لا يودعونك .. لن يفارقوك هم يرافقونك ، كما كانوا دائماً وأبداً في هذا الموكب إلى هذا اللقاء الموعود ، لقاء النبض بالتربة الأم ، هناك أيها الأخضر الباسم يحضنك صدرها بحنان ودفء ، فأنت الأبن البار وأنت في طلائع المخلصين وهناك شجر أخضر تطلع أيها العزيز ، شجر تطل على الجموع تغنيهم نشيد الأم والوطن والأمانة وسمفونية الإخلاص وحب الناس ، وستظلل أغصانك الوارفة درب السائرين مع المخلصين إلى فعل آخر مشرق وزاهر ، فبه سمو كلمة العدل والمساواة والإنصاف للجميع دون إستثناء.هناك أيها الفقيد الكبير سنأتي ، ولكن لن نقول ، وداعاً لن نردد وداعاً ياعزيزنا ، حينها أيها الأمل المتجدد ستفتح لنا ذراعيك ، فمثلك ومن له تاريخك ورصيدك الوطني لا يمكن أن يموت ، فزملاؤك ورفقاء مهنتك سيواصلون الرحلة ولن يتوقفوا عن السير حتى مطلع الفجر ، فأمثالك لا يموتون بل يموت فيهم الموت ويبقون.
من عاش بحب الناس لا يمكن أن يموت
أخبار متعلقة